الرئيسية مجتمع ليلة إنسانية مع منسيات و منسيين بين ثنايا وزان

ليلة إنسانية مع منسيات و منسيين بين ثنايا وزان

كتبه كتب في 25 ديسمبر 2016 - 14:12

 فكر بغيرك

وأنت تعد فطورك ، فكر بغيرك …لا تنسى قوت الحمام

وأنت تعود للبيت ، بيتك ، فكر بغيرك …لا تنسى شعب الخيام

وأنت تنام وتحصي الكواكب ، فكر بغيرك …ثمة من لم يجد حيزا للمنام

وأنت تفكر بالآخرين ، البعيدين ، فكر بنفسك …قل : ليثني شمعة في الظلام

أخاديد من الألم والأمل حفرتها عميقا في نفوس فريق إنساني ، هذه المقاطع من قصيدة ” فكر بغيرك ” الرائعة للشاعر العربي الكبير محمود درويش ، وأعضاؤه ( الفريق) يتوغلون ليلة بين ثنايا دار الضمانة في ليلة من لياليها القاسية في هذا الفصل القارس برده و صقيعه ( الجمعة 23 دجنبر )  …..توغل تحكي تفاصيله المرعبة كيف أن بهذه المدينة التي تعيش على الكفاف والعفاف ، هناك جحافل من منسييه ومنسياته ،  يفترشون الصقيع ويلتحفون أمواج البرد القارس….

شموع في ظلام شتاء وزان

كان الزمن ليلا ، عقارب ساعته التي تدور متحدية هبوط درجة حرارته تشير إلى العاشرة ليلا ….وحدها  ساعة وزان( الماكانا )  المنتصبة بقلب المدينة ، تشير إلى أن دار الضمانة بثقلها التاريخي ، أريد لها بفعل ” فاعلين سياسيين وإداريين ” أن تظل عقارب زمانها  مضبوطة على الدوران خارج تضاريس أجيال الزمن المغربي ….أعضاء فريق المهمة الإنسانية الأربعة يتحدون قسوة الظروف الطبيعية ويتوغلون في شوارع وأزقة وزان ….مرة يركبون السيارة ومرات يستعينون بأقدامهم …..بالكاد يتبادلون أطراف الحديث بينهم ، وحدها نظراتهم وتعبيرات وجوههم تختزل الألم الذي يعتصر قلوبهم وهم يقفون مشدوهين بزاوية هذا الشارع ، وذاك الزقاق ، على عتبة هذا المسجد ، وغير بعيد عن بناية يسمونها المستشفى الإقليمي …يقفون أمام أشباح بشر تفيد سحنتهم/هن من النظرة الأولى بأنهم من جلدة هذا الوطن ، لكن سياسة حكومتهم طردتهم / هن من دائرة التمتع بالحد الأدنى من الكرامة الإنسانية …..إنهم مشردو ومشردات وزان …أو منسييها  ومنسياتها ، أو البدون مأوى … تتعدد الأسماء والواقع واحد …أشخاص ترتعد فرائسهم ويرتجف ما تبقى من أجسادهم متأثرين بلسعات البرد القارس الذي تدفع أمواجه نحو وزان ، قمم جبال شفشاون المكسوة بالثلوج ….أشخاص يتكومون في صفر أغطية لمقاومة ما تحت صفر درجة حرارة …يا لها من مفارقة ….أشخاص يجدون صعوبة في متابعة الحوار المفعم بالدفء الإنساني  الذي يفتحونه معهم أعضاء الفريق ، ليس لأنهم لا يفهمون قاموس من هم هنا لإنقاذهم من الموت البطيء ، ولكن لأن أسنانهم / هن التي تصطك لا تسعفهم بعد أن أصبحت عاجزة عن القبض على الكلمات …..حكاياتهم في الجمل القصيرة التي تسللت من شفاههم تختزل المآسي الاجتماعية التي غرقوا فيها فجأة بعد حياة مستقرة بين ذويهم ….مآسي رفعوا أمامها الراية البيضاء فهاموا في أرض الوطن الواسعة التي ضيقتها عليهم وعلى ملايين المغاربة سياسة التفقير والإقصاء الاجتماعي التي تفننت في نسج خيوطها الحكومات المتعاقبة وعمقتها آخر حكومة ….

أعضاء الفريق يتنفسون الصعداء وهم ينجحون في إقناع أربعة من هؤلاء المنسيين ضدا على الفصل 31 من الدستور ، الوافدين على المدينة من الأطلس والشاوية والقرى المجاورة لوزان ، بنقلهم إلى دار المسنين والمسنات للاستقرار بها مؤقتا في انتظار أن تتصالح الظروف المناخية مع واقعهم القاسية تضاريسه ….آخرون وأخريات منهم من يؤثث الفضاءات العمومية لدار الضمانة من زمان ” اختاروا ” المرابطة بالأمكنة التي نسجوا معها بخيوط المعاناة علاقات خاصة ، أو لأن لهم تمثلاتهم وصور نمطية عن الحياة بدور الرعاية الاجتماعية ….والحل لم يكن غير مدهم/هن بأغطية وألبسة وجوارب …  لعلها تفرمل الموت الزاحف على أجسادهم النحيلة ….

لكن ماذا لو تفاعل إيجابيا هؤلاء المنسيين والمنسيات مع إرادة الفريق الإنساني واختاروا مصلحتهم الفضلى المتجلية بالاستقرار بدار الرعاية الاجتماعية ….تحدي كان سيصدم أعضاء الفريق …والسبب تجيب عنه الطاقة الاستيعابية لدار المسنين والمسنات التي لم يعد بها سريرا متوفرا لاحتضان من تواطأت عليهم الظروف المناخية والاجتماعية والنفسية …..

عقارب الساعة التي اعتمدها فريق العمل تشير إلى ما بعد منتصف الليل ….. وعقارب ساعة وزان ( الماكانا ) يردد الشلل الذي أصابها معزوفة ” لي بغا يربح العام طويل ” ، حين قرر أعضائه ( الفريق ) العودة إلى بيوتهم مرددا كل واحد في داخله مع الشاعر العربي الكبير ” وأنت تعود للبيت ، بيتك  فكر بغيرك …. لا تنس شعب الخيام   / / وأنت تنام وتحصي الكواكب فكر بغيرك …ثمة من لم يجد حيزا للمنام ”

وأنت تعود للبيت ، بيتك ، فكر بغيرك ….

التفكير في هذا الغير في هذا الفصل القاسية ظروفه الطبيعية الذي نعيش أول أسابيعه ، الغير مستعدة بالقوة الإنسانية المطلوبة أغلب المؤسسات العمومية والجماعة الترابية على مستوى رقعة وزان لمواجهة آثاره الوخيمة على فئة عريضة من المواطنات والمواطنين ، تستدعي وبدون تردد الإسراع بفتح باب البناية السابقة لدار الطالبة الواقعة بشارع الجيش الملكي ، وتجهيزها بالأفرشة والأغطية الكافية حماية ( متوفرة حسب علمنا ) في وجه هؤلاء . كما أن التفكير في هذا الغير يستلزم أن تجتمع حول نفس المائدة كل الجهات المعنية ، الرسمي منها والمدني  لوضع خطة للانتشال المؤقت لهؤلاء المنسيين والمنسيات ممن لن يسعفنا تطويع الكلمات في رسم صور معاناتهم / هن الليلية والنهارية .

يذكر بأن الفريق الذي أنجز هذه المهمة الإنسانية خلال هذه الليلة وليالي سابقة ، تشكل أعضائه من المندوب الإقليمي للتعاون الوطني ، وإطار إداري بنفس المؤسسة ، وعضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالشمال ، ورئيس فرع حركة الطفولة الشعبية . كما صادف هذا الفريق في رحلته هذه وهو يسبر أغوار حي القشريين ، رجل السلطة ( رئيس مقاطعة القشريين ) وواحد من الأعوان ، يمسحون تراب المقاطعة في نفس المهمة الإنسانية .

 

محمد حمضي/ وزان

 

مشاركة