الرئيسية مجتمع “بْلْغْمَانْ”.. أُكْلة الصحراويين “السِّحرية” في رمضان لطرد الجوع والعطش

“بْلْغْمَانْ”.. أُكْلة الصحراويين “السِّحرية” في رمضان لطرد الجوع والعطش

كتبه كتب في 20 يونيو 2016 - 14:27
تتفق الأسر الصحراوية، خلال شهر رمضان  على اعداد أكلة محلية يطلق عليها “بلغمان” ، وتسعى من خلال اعدادها  طرد العطش قبل الجوع من أجسادهم في مناخ جاف يتميز بالحرارة الشديدة والجو الجاف الذي يصادف هذه السنة حلول شهر رمضان في مستهل بداية فصل الصيف، حاول تسليط الضوء على هذه الوصفة “السحرية”.
 b759daf6-9a71-460c-b64d-336c881abab2
استعدادات قبلية
توجد طريقتين لاعداد الاكلة، فهي تعمتد على نوعين من الطحين، الاول يتم استخلاصه من الشعير الاخضر الذي يتم جينه متم شهر مارس وبداية ابريل قبل ان تصفر السنابل ويطلق على الطحين المستخلص منه “أزنبو” ، وإذا لم يتيسر للصحراويين جنيه في ذلك الوقت فإنهم يكتفون  بتخصيص كمية من المحصول الذي يتم حصده اواخر ماي وبداية يونيو، وتتولى النساء تنقيته في المنزل ومن تم غربتله ثم بعد ذلك يقلى في اناء على نار هادئة ويطلق عليه في هذه الحالة “المكلي”.
ويوجه بعدها الى  الرحى أو مايطلق عليه المحليون ” أزرك” وهو عبارة عن حجرتين كبيريتن، السفلى تابثة والعلوية مزودة بقطعة خشبية ويتم تحريكها في اتجاه عكس عقارب الساعة، ويتم اضافة حبوب الشعير في فوهة مصنوعة فوق الحجر العلوي تؤدي مباشرة الى داخل المطحنة، وبعد مرور زمن يسير تتحول الحبوب الصفراء  الى دقيق ناعم ناعم رائحته المكان. 
التخزين بالمواصفات
يعد الصحراويون أكياسا مما يصطلح عليه محليا “الشّْتْمْ ” وهي أكياس مصنوعة من “القنب” كانت تستعملها احدى شركات تسويق السكر على شكل قالب  في نقل منتوجاتها نحو المناطق المغربية، واندثرت هذه الاكياس ومازالت الاسر تحتفظ بها، نظرا لخصوصيتها البيئية ومحافظتها على طراوة كل مايوضع بداخلها، حتى أن بعض الاسر تعمد لف جِرار المياه بها للمحافظة على برودة المياه لمدد طويلة، وتتولى المرأة الصحراوية العملية، إذ هي المكلفة بتدبير الكمية المستخرجة والتي يجب ان تكون حاضرة في موائد العائلة لسنة كاملة، وخاصة في شهر رمضان حيث يتم اعتماده طعاما رئيسيا في السحور.
طريقة التحظير
تحتفظ جل الاسر الصحراوية بأواني تقليدية لها رمزيتها ودلالتها ، إذ يتم اعتماد آنيات يطلق عليها محليا بـ”الكدحة ” وهي آنية مصنوعة من شجر العرعار ، 8340b76e-9a9e-48a8-b1c6-f2b5018e1622وتبدأ النسوة في اعداد الطعام بوضع كمية من الدقيق الذي تغمر رائحته العطرة المكان.
ويضاف  الملح والسكر حسب الذوق لكون هذا النوع من الدقيق يكون خاليا من هاتين المادتين ، ومن ثمة يُسكب عليه الماء الساخن الذي يشترط فيه ان يصل الى 100 درجة، وتقوم بعدها بخلط العجين بواسطة قطعة خشبية يتم استخلاصها من جريد النخل، ويقطع العجين  في الاناء ومن ثمة ربطه حتى يصبح كتلة متماسكة يميل لونها الى البني الغامق بفعل الاكسدة التي تكون بين جزئيات القمح والسكر والماء الساخن، وتقوم ربة البيت بصنع فتحة وسط العجينة وتقوم بوضع مايطلق عليه “الدّْهْن” إما  سمنا بلديا أو زيتا أو عسلا حرا وفي بعض الاحيان تذهن بـ”لودك” وهي ( شحوم سنام الجمل المذابة والمصفاة جيدا )، وتكتمل المائدة باعداد كأس من الشاي الصحراوي.
طرق ثانوية 
تعتمد بعض الاسر بين الفينة والاخرى الخروج عن المألوف والعادة، حيث يتم الاستعانة بالحليب وخاصة “حليب الناقة” الذي له خصوصيته في المجتمع الصحراوي، وتكون 9a6be044-df59-4edb-9706-30762c0e7b9fطريقة الاعداد هنا مختلفة تماما، بحيث تكتفي المرأة بوضع الدقيق في “الكدحة” ومن تم سكب الحليب فوقه وتحريكه ويفضل أن يكون سائلا على ان يكون لزجا او متماسكا، ويتناول المشروب الذي تقول عنه الاهالي أنه دواء قبل ان يكون طعاما، كما أن بعض الاسر تعتمد في اعداد” بلغمان ” بطريقة مغايرة بحيث تكتفي بوضع فليل من الماء وتبقي على الخليط ناشفا ويميل في هذه الحالة الى “السفوف  أو سْلُّو” المعروف في المناطق الشمالية، وتضاف اليه بعض الاعشاب المعطرة والمنسمة ك”اللويزة ” ونبتة محلية تدعى ” تيميجا”. 
طاقة استثنائية
تعتمد الاسر الصحراوي على “بلغمان” ليكون خير زاد لها في يوم الصيام وخاصة في ظل تزامنه مع فصل الصيف، وتجمع الاهالي على استحالة تعويضه بأكلة أخرى على  طاولة السحور، فهو سريع التحضير، وما يوفره من ارتياح نفسي لذيهم يكفيهم بسيكولوجيا لقضاء اليوم تحت الحر وبه يتحملون جفاف الطبيعة الصحراوية.
ويثق الصحرايون في هذه الاكلة بطريقة تجعلهم يتحدثون عنها كونها مفتاح سحري ورثوه عن اجداهم الذين سبقوهم لطرد العكش ومقوامة الجوع ، وبعض الاسر مازالت تحتفظ بادوات اعداده وتجعل لها مقاما ساميا في المنزل أو “الخيمة” بحيث بعد كل اعداد للوجبة تقوم المرأة بغسل الاواني الخاصة لاعداده واعادتها الى مكانها احتراما للدور الذي تقوم به في مساعدة ساكنة هذا المناطق على التأقلم مع الطبيعة  الجافة. 
فوائد صحية 
لقد أتبثت الدراسات العلمية،  أن الشعير الذي تصنع منه أكلة “بلغمان ” يحتوي على مواد فعالة أهمها النشا، والبروتين، والأملاح المعدنية و منها الحديد والفوسفور والكالسيوم والبوتاسيوم، وعن خصائصه الطبية، فهو ملين ومقو للأعصاب و منشط للكبد، ويخفظ درجة الحرارة، ويساعد على  علاج الأسهال و التهاب الأمعاء، و ضغط الدم المنخفض، ويلطف التهابات الامعاء والجهاز البولي، و يساعد في هضم الحليب ويعطى عادة للرضع من اجل منع تكوين خثارات داخل المعدة، ويخفض معدل السكر في الدم، ونخالة الشعير يكون لها دور كبير في تخفيض الكوليسترول،  والحيلولة من تكون سرطان الامعاء، كما أنه  مدر للبول وينشط الحركة الدودية للأمعاء مما يدعم عملية التخلص من الفضلات. 
سعيد مكراز
مشاركة