الرئيسية مجتمع أكادير : تفاصيل رحلة وكيل الملك على متن طائرة منكوبة والاخير مازال مكانه

أكادير : تفاصيل رحلة وكيل الملك على متن طائرة منكوبة والاخير مازال مكانه

كتبه كتب في 1 يونيو 2016 - 23:06

اقترب منه المضيف بكل أدب، وطلب منه العودة إلى مقعده لأن تذكرته على الطائرة الآتية من الداخلة إلى البيضاء اقتصادية، وليست درجة رجال الأعمال. نظر وكيل الملك في مراكش، عبد الحق نعام، إلى المضيف، وأخبره بأنه وكيل للملك، وأنه لن يعود إلى الدرجة الاقتصادية مهما حصل، وأنه يريد أن يرتاح من رحلة متعبة. أعاد المضيف على الخطوط الجوية الملكية الطلب بكل أدب، وأخبره بأن هذا الأمر غير قانوني، وأن المكان محجوز لصاحبه، وأن السلطة الأولى والأخيرة على متن الطائرة هي لربانها، لكن سعادة الوكيل رفض الامتثال للقانون، فهو من فصيلة رجال السلطة الذين لم يتعودوا أن يمتثلوا للقانون. هنا توجه المضيف إلى قائد الطائرة، وأخبره بقصة الوكيل المتمرد، بعدما عجز عن إقناع هذا الأخير بالرجوع إلى مقعده، وهو القاضي الذي كان عائدا من ندوة نظمتها الودادية الحسنية للقضاة حول الجرائم الاقتصادية! فما كان من ربان الطائرة إلا أن طلب عبر مكبر الصوت من وكيل الملك مغادرة مقعد رجال الأعمال والتوجه إلى الدرجة الاقتصادية، واعتذر إلى الركاب عن التأخير الحاصل في إقلاع الطائرة لأن هناك راكبا غير منضبط indiscipliné هو السبب في تأخر الإقلاع.
لم يقف الأمر هنا، بل إن السيد وكيل الملك تعنت أكثر، واعتبر أن هيبته وصورته ومكانته قد تم المساس بها عبر مكبر الصوت، فتشبث برفضه مغادرة مقعد ليس مقعده، وهنا لجأ ربان الطائرة إلى خدمات الدرك الملكي، طالبا منهم التدخل لإنزال راكب مشاغب من على متن الطائرة التي تأخر إقلاعها ساعتين وأكثر. كل هذا والركاب المغاربة والأجانب يتابعون هذه المعركة وأعصابهم تحرق، ومواعيدهم تضيع، حتى إن منهم من أضاع رحلات دولية من مطار الدار البيضاء إلى وجهاتهم لأن سعادة وكيل الملك لا يريد أن يرجع إلى مقعده، واختار أن يصعد إلى الجبل في الطائرة. حضر رجال الدرك لينزلوا السيد القاضي، لكن المفاجأة الثانية كانت هي تضامن بعض القضاة الذين كانوا على متن الطائرة مع زميلهم، رافضين إنزاله في الليل من الطائرة رغم أن طلبة السنة الأولى في القانون يعرفون أن قرارات الربان على الطائرة لا تناقش ولا تستأنف، وأنها مثل الأوامر العسكرية تنفذ أولا، ويشتكي المتضرر ثانيا أمام الجهات المختصة، لأن الربان هو المسؤول الأول عن سلامة الركاب وسلامة الرحلة، ولهذا أعطته القوانين الدولية والمحلية سلطة كبيرة على متن الطائرة، حتى ولو كان فيها رئيس الدولة… القضاة الذين آزروا زميلهم تصرفوا بمنطق: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، ثم تصرفوا بما اعتادوه من ممارسة سلطة بلا حدود.
أنزل رجال الدرك الملكي سعادة وكيل الملك في مطار أكادير بعدما قضوا نصف ساعة في التفاوض مع معاليه (هذه أول مرة أعرف أن الدرك من مهمتهم التفاوض مع المطلوبين كأي دبلوماسيين محترفين)، وجاؤوه بسيارة لنقله إلى مراكش، ولو كان مواطن آخر مكانه لكانوا اعتقلوه، وقدموه إلى المحاكمة بتهمة تهديد سلامة الركاب، وتأخير إقلاع الطائرة لساعات، ورفض الانصياع لأوامر الربان علاوة على أداء تعويض خيالي عن تأخير رحلة طائرة وعشرات الركاب، لكن، ولأننا أجمل بلد في العالم في عيون بعض رجال السلطة والقضاء طبعا، فقد تعامل الدرك مع سعادته بكل تهذيب، ووفروا له سيارة للعودة إلى مراكش، لكن المفاجأة الثالثة هي أن الطائرة لم تقلع، بل إن الربان طلب من الركاب النزول جميعا والانتظار في المطار لإعادة تفتيش الأمتعة، ولأن توقيت الرحلة تغير، فإن كل شيء تغير على متن الرحلة. غادر وكيل الملك المطار وترك وراءه خسائر كبيرة مادية وبشرية، وأعصابا مشدودة عن آخرها، ومواعيد رحلات فاتت أصحابها، ومغاربة وأجانب يسألون: هل هذا يدخل في باب تفعيل الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة في المغرب الذي استغرق سنتين من عمر هذه الوزارة؟
في اليوم الموالي، رجع السيد وكيل الملك إلى مكتبه في المحكمة الابتدائية بمراكش لاستئناف عمله وكأن شيئا لم يقع، وبدأ بإصدار الأوامر باعتقال هذا ومتابعة ذاك، وإقفال الحدود في وجه آخر، وغير ذلك من الصلاحيات الكبيرة والسلط العديدة الموضوعة في يده، وحتى عندما تسرب الخبر إلى وزارة العدل، فإنها أطلقت تحقيقا في النازلة مع أن الدرك أنجز تقريره، وربان الطائرة وضع تقريره لدى «لارام»، والشهود نشروا القصة على «الفايسبوك»، لكن وكيل الملك مازال في مكانه. وإذا كان القانون التنظيمي الجديد يمنع الوزارة من إيقافه إلى أن يبت المجلس الأعلى في النازلة، فلا بد من إيجاد وسيلة لمنع أي مسؤول قضائي، موضوع متابعة أو تحقيق قضائي، من ممارسة ما بحوزته من سلطة حتى لا يفكر في تغيير الوقائع على الأرض، أو الانتقام من خصومه، أو استعمال منصبه لتحريف التحقيق.

مشاركة