الرئيسية مجتمع بعد قرابة سنتين من التعيين، الإستراتيجية الأمنية للوالي إمنصار في الميزان

بعد قرابة سنتين من التعيين، الإستراتيجية الأمنية للوالي إمنصار في الميزان

كتبه كتب في 3 سبتمبر 2014 - 11:25

في شهر غشت من سنة 2012 عين مصطفى إمنصار واليا على ولاية أمن أكادير التي قدم إليها من رئاسة المنطقة الإقليمية لأمن الحسيمة، ومن تاريخ التعيين إلى اليوم يكون إمنصار قد أمضى قرابة السنتين على رأس الجهاز الأمني بجهة سوس ماسة. مدة كانت كافية لعرض حصيلة هذا المسؤول الأمني في ميزان التقييم، في أفق رسم صورة واضحة عن مكامن قوة ومواطن ضعف هذا الجهاز الحساس الذي يشرف عليه. 

الأيام القليلة الماضية حملت إلينا تقريرا عرجت فيه الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأكادير على الوضع الأمني بالمدينة بعد أن رسمت عنه صورة قاتمة تضاربت بشأنها الآراء. حقائق مغربية تابعت هذا الموضوع وأعدت الملف التالي.

الحصيلة الأمنية في قفص الاتهام

خلال الأيام القليلة الماضية، وبالضبط يوم ثامن يونيو 2014، أصدر الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأكادير تقريره السنوي حول راهنية حقوق الإنسان بأكادير، أفرد فيه فقرة أساسية لواقع الأمن بالمدينة، خلص فيه إلى ما يشبه الإدانة للجهاز المعني بالأمن في المنطقة. وفي هذا الشأن يمكننا أن نوجز خلاصات هذا التقرير في تسجيله لما أسماه ” تعرض أمن المواطنين و سلامتهم البدنية و آمانهم الشخصي لاعتداءات متتالية و متزايدة من طرف المنحرفين” وذلك ببعض الأحياء الهامشية من قبيل تيكيوين وبنسركاو والحي المحمدي وكذا بالقرب من بعض المؤسسات التعليمية وساحة السلام، كما سجل ذات التقرير أن ” الانتشار الواسع للمخدرات و الأقراص المهلوسة قد ضاعف من جرائم الاعتداء على المواطنين ” فيما تأسف واضعو التقرير على ما أسموه ” مضايقات بعض العناصر الأمنية للمواطنين في الشارع العام، والتعامل معهم بكلام نابي وغير مسؤول و مخل بالحياء، و التعامل معهم بالازدراء و الاستصغار، واعتبار بعض المكلفين بالدوريات والحملات التمشيطية المواطنين مدانين إلى أن تثبت براءتهم “، مما يفيد في النتيجة، وفقا لتقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأكادير، أن الوضع الأمني بالمنطقة وضع سوداوي بامتياز، وهي نتيجة لا يتفق بشأنها مع أصحاب التقرير فاعلون آخرون.

العيوب المنهجية تضعف حجية الاتهام

إذا كان التقرير الذي أصدره فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأكادير، كما تابعنا آنفا، قد رسم صورة قاتمة عن الحالة الأمنية بالمنطقة، فإن بعض الخبراء في إعداد التقارير الحقوقية يرون أن تلك النتيجة التي خلص إليها ذات التقرير لا يمكن الاعتداد بها أصلا، وذلك لاعتبارات منهجية لخصوها في أن صحة النتائج تقاس أولا بمدى صحة المقدمات.
وتسترسل ذات المصادر الحقوقية في شرح هذا المعطى بالقول أن التقرير المذكور يحمل في بنيته أسباب دحضه وتفنيد نتائجه، إذا ما علمنا أن من أشرفوا على إعداده لم يلتزموا منذ البداية بالقواعد المنهجية التي يتوجب انتهاجها في إعداد التقارير الحقوقية كما هو متعارف عليها وطنيا ودوليا. قواعد يأتي على رأسها الانطلاق من المعطيات المادية والملموسة كالأرقام والإحصائيات والشهادات الموثقة وباقي التقنيات والآليات التي يتم توظيفها عادة في مثل هذه التقارير، وهي التجريحات التي تمس بحجية النتائج التي توصل إليها التقرير وتضعف نسبة المنسوب المهنية الحقوقية فيه، على اعتبار أن واضعي التقرير أنفسهم قد اعترفوا منذ البداية بأنهم قد اعتمدوا حصرا على شكايات المواطنين و تقارير الصحافة الجهوية والوطنية دون الاستناد إلى أحداث وإحصائيات وأرقام وقائع ونوازل موثقة، وهو ما يفيد في المحصلة أن التقرير قد اقتصر التعبيرات الإنشائية والصياغات البلاغية التي لا تخدم كما سبق وأن قلنا حجية الاتهامات التي كالها للجهاز الأمني بأكادير.

لغة الأرقام تسائل صدقية الاتهام

هل الصورة سوداوية إذن بشأن الحالة الأمنية بأكادير؟ تقرير الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان يدعي ذلك، فيما يطعن بعض النشطاء الحقوقيين في تلك النتيجة لأسباب منهجية كما أسلفنا الذكر. غير أن بعض المصادر الأخرى تذهب أبعد من ذلك حين تؤكد أن صدقية تلك الاتهامات التي كالها التقرير المذكور للجهاز الأمني تتهاوى أمام لغة الأرقام. كيف ذلك؟ تقول ذات المصادر أن عدد الملفات المتعلقة بالقضايا الماسة بالأموال والواردة على ولاية أمن أكادير برسم سنة 2013 قد بلغت 15336 ملفا في مقابل 13117 ملفا سنة 2012، تمت بخصوصها معالجة 14980 ملفا سنة 2013 في مقابل 12625 ملفا سنة 2012، فيما بلغ عدد الأشخاص الذين تم ضبطهم في حالة تلبس وتم تقديمهم للنيابة العامة سنة 2013 أزيد من 27675 شخصا في مقابل 20809 شخصا سنة 2012.
أما بالنسبة لعدد الملفات المتعلقة بالقضايا الماسة بالأموال والواردة على منطقة أمن أكادير فقد بلغ برسم سنة 2013 حوالي 7104 ملفا تمت معالجة 6269 ملفا منها، في مقابل 7199 ملفا سنة 2012 تمت معالجة 6344 ملفا منها، كما بلغ عدد الأشخاص الذين تم تقديمهم أمام النيابة العامة برسم السنة الماضية 19763 شخصا في مقابل 13985 شخصا سنة 2012. فيما بلغ عدد الأشخاص الذين تمت إحالتهم على النيابة العامة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الجارية 4699 شخصا، كما بلغ عدد الأشخاص المبحوث عنهم خلال نفس المدة 4543 شخصا. وتعتبر هذه الأرقام في نظر العديد من المراقبين أدلة دامغة تسائل بقوة صدقية الاتهامات التي أوردها تقرير الجمعية الحقوقية المذكورة بشأن الوضعية الأمنية بأكادير.

مفهوم الإنتاج المشترك للأمن

خلال الكلمة التي ألقاها خلال الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين لتأسيس الأمن الوطني، أكد والي ولاية أمن أكادير مصطفى إمنصار على أن الوضع الأمني بالجهة عموما، وبمدينة أكادير على الخصوص، يتميز بالاستقرار وانحصار مستوى الجريمة في بعض السلوكات الفردية، التي لا ترقى لمستوى الجريمة المنظمة، مما يجعلها لا تعدو أن تكون أحداثا منعزلة غير مؤثرة في الحياة اليومية لعموم المواطنين.
تأكيد وجد له مناصرين كثرا، إن على مستوى الفاعلين المدنيين أو السياسيين بالمدينة أو على مستوى المواطنين العاديين أنفسهم، وذلك على اعتبار الإستراتيجية المتكاملة التي انتهجتها ولاية أمن أكادير، والمتجلية بالأساس في تدعيم التدخلات الأمنية في الشارع العام وتكثيف الدوريات الراجلة والمحمولة بهدف توطيد الإحساس بالأمن لدى المواطن والوقاية من تجليات الانحراف وزجر مختلف السلوكات الإجرامية من جهة، ومن جهة ثانية لتبنيها مفهوم الإنتاج المشترك للأمن، على اعتبار أن الأمن متى كان مكسبا جماعيا فهو أيضا تكلفة اجتماعية ينبغي على الجميع المساهمة في تحقيقه وتوفير الظروف الملائمة للتمتع به، وهذا التبني تجلى حسب متتبعين للشأن الأمني بالمدينة في ما وصفوه بحرص المسؤولين على الجهاز الأمني بأكادير على تأمين الاتصال الدائم مع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام وضمان الحق في المعلومة الأمنية بما لا يتعارض مع الضوابط القانونية والمهنية، إلى جانب المساهمة في تدعيم الإحساس بالأمن لدى المواطن من خلال إبراز الجهود المبذولة في مجال مكافحة الجريمة. وفي هذا الصدد سجلت ذات المصادر الانخراط القوي لولاية أمن أكادير في الحملات التحسيسية في الوسط التعليمي وإشراك ممثلي الساكنة في تقييم المقاربات الأمنية المعتمدة عبر عقد لقاءات مع ممثلي الأحزاب السياسية بالجهة.

الحكامة الأمنية: الواقع والرهانات

إذا كان التقرير الذي نشرته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول الوضعية الأمنية بأكادير في معظمه فاقدا لأية قوة استدلالية بوسعها أن تقوي حجيته ومصداقيته، فإنه بالرغم من ذلك قد أشار إلى مطب يسقط فيه بعض رجال الأمن أحيانا. ويتعلق هذا المطب في تورط بعض المنتسبين إلى الجهاز الأمني بأكادير في تجاوزات غير مقبولة في حق المواطنين، وهي تجاوزات يمكن القول أنها تصدر عن بعض العناصر الأمنية بشكل يخرقون فيه كل الضوابط المهنية المنسجمة مع الالتزامات الحقوقية للمغرب أمام المنتظم الأممي. جانب من تلك التجاوزات توفق في رصدها التقرير المذكور بإشارته إلى تعامل بعض العناصر الأمنية مع المواطنين بطرق يغلب عليها توظيف الخشونة في التعامل واستعمال الألفاظ النابية والماسة بالكرامة وتجاهل القاعدة القانونية التي تنص على أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته. وهي تجاوزات يعزوها بعض المهتمين بالشأن الأمني إلى جملة من الأسباب التي يأتي على رأسها صعوبة استيعاب التحول الجذري الذي طال وظيفة الشرطة في المغرب من جهاز قمعي مرتبط بسياقات سياسية واجتماعية معينة، إلى جهاز محكوم بفلسفة دستورية قوامها خدمة المواطن والسعي نحو الحفاظ على أمنه وأمن ممتلكاته وصيانة كرامته، في ظل سياق سياسي مغاير تميز من جهة بانخراط المغرب في حزمة من الالتزامات الدولية وبوجود إرادة ملكية سامية في الانتقال نحو دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات من جهة أخرى. كما تعزى هذه التجاوزات التي لا تنسجم في الواقع مع الإستراتيجية العامة التي تسير وفقها ولاية أمن أكادير إلى انكفاء ضحايا تلك التجاوزات على ذواتهم وعدم التبليغ عنها.
هذه التجاوزات كما سبقت الإشارة إلى ذلك لا تنسجم مع التوجه العام لولاية أمن أكادير التي انخرطت بشكل جلي في توفير الظروف الملائمة لاشتغال عناصرها، وهو انخراط يتجلى في إقدامها على الاهتمام بالشؤون الاجتماعية لتلك العناصر مثل الاشتغال في بناء مركز صحي ومركز للاصطياف لفائدتهم، علاوة على الحفل التكريمي الذي أقيم لفائدة أرامل و أيتام رجال الأمن بأكادير.

 إكراهات ومعيقات

لا ريب في أن نجاعة أية مقاربة أمنية لأي جهاز أمني، لن تكون في المستوى المطلوب وفي مستوى انتظارات الساكنة إلا إذا انتفت جملة من الإكراهات والمعيقات التي تحول عادة دون تحقيق النجاعة الأمنية المطلوبة. وفي هذا الإطار يرى البعض أن التجاوزات المعيبة على بعض العناصر الأمنية التابعين لولاية أمن أكادير يمكن أن تتم قراءتها في ضوء النتائج العكسية لتلك الإكراهات.
وذلك على اعتبار أنه من الواجب الأخذ بعين الاعتبار لحجم تلك الإكراهات التي تعيق عمل العناصر الأمنية التابعة لولاية الأمن، وهي إكراهات متعددة يصعب على غير ذوي الاختصاص الإلمام بمختلف تجلياتها. غير أن أبرز تمظهراتها لا يمكن للعين المجردة أن تخطئها، ومنها على الخصوص قلة الحصيص الأمني العامل بالمنطقة و غياب وسائل العمل اللوجستيكية الضرورية، و نقص في البنيات التحتية و التجهيزات الأمنية الضرورية.
فبالنسبة للحصيص الأمني أو الموارد البشرية، وبالرغم من أنه يعتبر عاما على الصعيد الوطني وليس مقتصرا على منطقة بعينها، فلا شك أن ما يلاحظه المتتبع للشأن الأمني المحلي هو قلة عدد عناصر الأمن التابعين لولاية أمن أكادير، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار الكثافة السكانية للمنطقة والنمو الديمغرافي المضطرد بها وتنامي معدلات الهجرة إليها بحكم طبيعة جاذبيتةا وتنوع مرتكزاتها الاقتصادية.
فيما يأتي مشكل غياب وسائل العمل اللوجستيكية الضرورية ثاني المعيقات التي تحد من نجاعة أية إستراتيجية أمنية مرسومة، وذلك بالنظر إلى احتشام عدد الآليات التي تحتضنها حظيرة السيارات التابعة لولاية الأمن على سبيل المثال.
فيما يمكن تسجيل ذات الملاحظة على مستوى البنيات التحتية والتجهيزات الأمنية التابعة لولاية أمن أكادير التي أصبحت إعادة النظر فيها في عداد المؤكد، وذلك خصوصا فيما يتعلق بعدم صلاحيات بعض البنايات التابعة للأمن الوطني بالمنطقة لإيواء مقرات أمنة تليق بهيبة هذا الجهاز وسمعته، بدءا ببعض مرافق المقر الذي يأوي والي الأمن نفسه، وصولا إلى مختلف المقرات الفرعية الأخرى التي تحتضن الدوائر الأمنية.
هي إذن جملة من المعيقات والإكراهات الموضوعية التي لن ينفع معها لا تخطيط والي أمن أكادير ولا رئيس منطقتها الأمنية ولا تفاني العناصر العاملة تحت إمرتهم، إنما هي مشاكل حقيقية تستحق فعلا أن تدرج ضمن جدول أعمال الدوائر العليا على مستوى تدبير الشأن الأمني مركزيا. إذ لا يمكن لهذه المعيقات التي تفرض نفسها بقوة إلا أن تأتي بنتائج عكسية على مستوى النجاعة والمردودية بل والحكامة الأمنية بالمنطقة أيضا.

حقائق مغربية

مشاركة