الرئيسية ثقافة وفن “تْلاَ غنجَا” .. طريقة استسقاء المطر في مولاي باعمران

“تْلاَ غنجَا” .. طريقة استسقاء المطر في مولاي باعمران

كتبه كتب في 27 يوليو 2014 - 01:18

ناك أسطورة تتناقلها الأجيال بالتواتر عن الولي مولاي باعمران دفين قلعة مكونة المشهورة بالورد ومنتجاته الطبيعية، مفادها أن هذا الرجل لما جاء من الشرق رفقة رجاله، جال أماكن متفرقة بحثا عن مُستقر يُعجبه وينال رضاه.

لما بلغ منطقة دادس وإمكون أعجبته وقرر المقام بها، لكنه وجدها ــــ والعهدة على الرواة ــــ تعج عن آخرها بالسباع والأفاعي وحيوانات مفترسة شتى. فما كان منه إلا أن صاح ملء الفم في هذه الحيوانات أَنْ غادِرِي هذه الديار فإنها نزْل الشيخ وصحابته، ولا يُريد أن يرى فيها ما يؤذيه ويؤذي رفاقه وأهله.

لبّت الحيوانات نداء مولاي باعمران وبحثت لها عن مستقرات أخرى. إلا أن أسدا واحدا لم يبرح عَرينه وظل يزأر طول الوقت دون أن يرحل.

تقول الحكاية أن الولي طمأن رفاقه بأن هذا الأسد الذي لم يمتثل لأمر الشيخ في المغادرة لم يفعل ذلك عصيانا ولا جحودا، إنما هو ضعيف السمع، وقيلَ أصم. اقترب منه وتحدث في أذنه بكلمات لم يمكث بعدها كثيرا حتى غادر نحو وجهة مجهولة.

الحديث مع السباع والحيوانات المفترسة أمر ينسبه الناس للكثير من الأولياء والصلحاء، إلا أن هناك من لا يقف عند المعنى السطحي للأسطورة، كما هو حال الباحث محمد العمراني من أبناء منطقة قلعة مكونة حيث يتواجد ضريح مولاي باعمران وزاويته. العمراني أورد في حديثه لهسبريس ” أن المقصود من السباع في الأسطورة يمكن أن يكون هو القبائل المتناحرة في المنطقة، وأن السبع الأصم هو في الغالب قبيلة تقض مضجع المستقرين بالنهب والترويع، لذلك فمولاي باعمران عندما كلّم الأسود وطلب منها الرحيل، المقصود منه تدخله لعقد الصلح وفض النزاعات وجلب الأمن للمستقرين”.

يتم الإحتفال بموسم مولاي باعمران كل سنة في الـ10 من شهر مُحرّم (تاعشورت). في اليوم الأول يتوافد الناس من أماكن مختلفة لزيارة قبر الولي والدعاء وطلب البركات، أما اليوم الثاني فهو مخصص للفروسية (أو أصْبَحِي)، وفي هذا اليوم تُضرب الطبول والدفوف وتردد ابتهالات وأشعار دينية، وفي المساء يتم لعب أحيدوس.

ما يُميّز موسم مولاي باعمران عن غيره من المزارات هو احتفاظ زواره بعادة ضاربة في القدم في الثقافة الأمازيغية بشمال إفريقيا، هي عادة ” تلاغنجا” أو ” تاغنجا” كما تُنْطق في مناطق أخرى لإستسقاء المطر وطلب الغيث عندما تقل الأمطار ويعم الجفاف.

“تْلا غنجا”.. أو عروس المطر، مغرفة خشبية يتم تزيينها لتصبح كدمية، من خلال إلباسها الأثواب المزركشة، فيتم الطواف بها من طرف النساء والأطفال مع ترديد أدعية وأذكار.

في القدم يتم ترديد أدعية يطلب الناس من خلالها “تلاغنجا” أن تمدهم بالمطر وأن تسقي حقولهم و بهائهم، وبعد مجيء الإسلام، تمت ” أسلمة” هذه العادة القديمة وبدأ الناس يرددون أدعية تطلب من الله الغيث، مع الإحتفاظ ببقية الطقوس المرافقة.

يطوف الأهالي بعروس المطر/تلاغنجا عبر أزقة الدواوير ودروبها، فيوقفون عند الأضرحة والمزارات، ويقوم الناس برش الدمية الخشبية بالماء من سطوح المنازل، كما يتم تقديم بعض العطايا أثناء تلك الجولة الجماعية: هبات من دقيق وزيت وشاي وغير ذلك من المؤونة. يتم استغلال تلك المؤونة في تنظيم وليمة قرب نهر أو قرب ساقية أو في مرتفع ما، بحسب المنطقة وتضاريسها.

قديما، توجد طقوس ” تلاغنجا” في أماكن كثيرة في المغرب، كما توجد في تونس والجزائر، وإن إختلفت طريقة استسقاء المطر تلك، في بعض التفاصيل البسيطة إلا أنها تتوحّد في جوهر الطقس والغاية منه.

أما بالنسبة لـ”تلاغنجا مولاي باعمران” فإن هذه المغرفة المجهزة في الدوار تحملها فتاة عذراء، تُنادى بـ” مّْ تلاغنجا”. تتقدم الموكب النسوي، دون إهمال العدد الكبير من الأطفال الذين يشاركون في موكب عروس المطر.

يتوقف موكب تلاغنجا مكان يسمى تاوريرت ن الحدجا، لترديد أدعية وأشعار بالأمازيغية طلبا للغيث واستنزال المطر. ثم يذهبون بتلك المغرفة المزينة ناحية ضريح الولي لإنتظار المطر، وتنظيم وليمة نسوية من كسكس وشاي وغيره.

تلاشت هذه الظاهرة في أماكن كثيرة، لكنها ما تزال في أخرى، مع ذلك هناك من ما يزال يحن إلى أيام تنظيم مثل هذه الطقوس والإعتقاد ببركتها، إذ أكّد أحد شيوخ المنطقة ” في طفولتي وشبابي، لم نكن ننته من الاحتفال بتلاغنجا، حتى نتبلّلَ بالمطر في ذات اليوم”.

ميمون أم العيد (صور:هـشام ادريسي)

مشاركة