الرئيسية ثقافة وفن تقاليد : في ليلة زفافها عروس شيشاوة تحتفظ بعمامة والدها وخنجره

تقاليد : في ليلة زفافها عروس شيشاوة تحتفظ بعمامة والدها وخنجره

كتبه كتب في 13 أكتوبر 2013 - 13:34

يكشف غنى تقاليد زفاف منطقة شيشاوة عن كم المؤثرات الجغرافية والعرقية التي تميز هذه الرقعة المترامية على السهول الشمالية لجبال الأطلس الكبير، وقد كان للإشعاع الديني لهذه المنطقة المليئة بالزوايا والمدارس العلمية العتيقة دور في امتزاج العرق العربي بالعرق الأمازيغي، لتتحول قبائل بني السباع العربية إلى جزء من النسيج الأمازيغي، وهو ما أثر على كل الطقوس داخل النطقة، بما فيها طقوس الزفاف.

تعد خطوة الزواج داخل شيشاوة شأنا جماعيا يساهم في إعداده كل أفراد القبيلة الذين اعتادوا التعاون فيما بينهم لإنجاح أي مناسبة، لذلك تعمل نساء القبيلة على مرافقة والدة العريس لجس نبض أسرة العروس، ومن تم الحصول على الضوء الأخضر الذي يسمح للرجال بالإعداد للخطوبة بطريقة رسمية.

إمام الدوار يتقدم موكب الخطبة

يحظى إمام المسجد باحترام كبير بين سكان منطقة شيشاوة نظرا للدور التاريخي الذي ميز الزوايا داخل المنطقة، لذلك يطلب والد العريس من إمام المسجد أن يترأس وفد الرجال الذي يقصد بيت العروس لطلب يدها، مرفقا ببعض الهدايا التي يساهم أهل الدوار في توفيرها.
بعد نيل موافقة والد العروس، تناقش الجماعة تفاصيل الزفاف إنطلاقا من المهر، وصولا إلى تاريخ الإحتفال، وبعد الإتفاق على كل شيء ، يتم الدعاء للعروسين المستقبليين من طرف الإمام، وسط تأمين الحاضرين الذين يختمون المجلس بقراءة سورة الفاتحة جماعيا.
بعد الموافقة تشرع أسرة العريس في إعداد طقس الهدية الذي يعد إحتفالا بالخطبة، وتتقدم النساء الموكب وهن يحملن أطباقا مصنوعة من القصب عليها مختلف الهدايا التي ساهم كل سكان الدوار في تقديمها، ويتبع موكب النساء موكب رجالي مرفق بمجموعة أحواش من أجل لفت الإنتباه لموكب الهدية الذي يعد مفخرة للعروس كلما كان عدد الحاملين للهدايا كثيرا، حيث يعتبر الأمر دلالة على حسن طالع العروس التي جلبت معها الخير منذ إبرام الخطبة.
وتتوسط موكب الهدية والدة العريس التي تحمل فوق رأسها طبقا يضم ملابس تقليدية، وبعض الحلي الفضية المتواضعة، إلى جانب أوراق الحناء. تستقبل والدة الخطيبة الموكب رفقة مجموعة من قريباتها، وينسجم الجميع في الغناء والرقص، ثم تتوجه النساء رفقة الهدايا نحو الفناء الذي يتوسط بيت العروس لتوضع الهدايا فوق زربية حمراء تتحلق حولها مجموعة أحواش التي تلهب الفضاء بإيقاعاتها الأمازيغية المرحة.

“تاخميرت” .. يصنع ببيت العريس ويرسل للعروس

في اليوم الموالي تخرج النساء لأقرب منبع مائي لغسل الملابس والقمح، وتتخلل عملية الغسل وصلات غنائية وراقصة تعبر فيها النساء عن فرحهن بالمناسبة. بعد الإنتهاء من غسل تتوجه النساء إلى بيت العريس حيث يتم إعداد “تاخميرت”، وهو عبارة عن عجين يدل على النماء وعن تحالف الأسرتين، حيث ترسل أسرة العريس عجينة مخمرة لأسرة العروس، يتم اعدادها من طرف النساء “المزورات” أي من تزوجن لمرة واحدة من رجل تنطبق عليه نفس الصفة، أى أنه اكتفى بامرأة واحدة، وتشرع النساء في دق الصواني الحديدية بالحجر الذي حملنه معهن من الواد، في ترجمة فعلية لإرتباطهن بالطبيعة، ويوضع إلى جانب المرأة التي تتولى العجن طبق به صوف وبيض، وبعد الإنتهاء من العجينة يوضع وسطها خاتم من الفضة وتترك لتختمر داخل إحدى الغرف، ثم يبعث بها إلى بيت العروس.

العروس تطحن أوراق الحنة

تستقبل أسرة العروس طبق العجينة، وتضعه إلى جانب العروس خلال طقس الحناء، حيث تجلس العروس في فناء المنزل وسط النساء، ويغطى وجهها بمنديل أبيض، ثم تقوم إحدى الحاضرات بتمرير الهدايا فوق رأسها بشكل دائري عدة مرات، بعد ذلك يحضر طبق كبير به أوراق الحنة، وتوضع أمام العروس رحى تقليدية لتقوم بطحن حفنة من الحنة بمساعدة إحدى الحاضرات.
بعد طحن الحنة تقوم والدة العروس بنثر حفنات من الحرمل في المكان طردا للعين وتخوفا من السحر، ثم تعمل سيدتين متقدمتين في السن على أخذ الحنة التي ساهمت العروس في طحنها، ويتم عجنها ووضعها داخل طبق يضم صحنا من البيض، وآخر من الصوف، ثم تتولى كل سيدة وضع الحناء بيد العروس. تزاح الحنة بساق نبات أخضر دقائق بعد وضعها، ثم يمسح ما بقي بالصوف الذي تصنع منه خيوط تحاط بمعصم لعروس.
تنسحب العروس من المكان لتتوارى داخل غرفتها، ثم تبدأ المجموعات المحلية في الرقص والغناء، وتترجم الفرق تنوع الروافد الثقافية داخل المنطقة. بعد أن يشارف الحفل على الانتهاء تعود العروس إلى الفناء الذي يضم الفرق الموسيقية لتجلس من جديد وهي تغطي كل جسدها برداء أبيض. تتحلق حولها مجموعة من النساء الواقفات، حيث تعمل إحداهن على وضع ملابس فوق رأسها ثلاث مرات، ثم تقوم أخرى تحمل في يدها حصيرا بوضعه أمام العروس ورفعه من جديد ثلاثة مرات.
يوضع الحصير أمام العروس، وينزع عنه الرداء الذي تشكل منه النساء ما يشبه الخيمة التي تخفي العروس عن الحاضرين. تقوم العروس بالجلوس فوق الحصير رفقة مجموعة من النساء المتقدمات في السن، بينما تحرص الواقفات على حجبها جيدا بالرداء حتى لا تصل لها عين أحد من الحاضرين.

العروس تجلس فوق طبق الدقيق

تقوم سيدتين بوضع مهراز خشبي أمام العروس لتدقه ثلاثة مرات، ثم يوضع على رأسها مزيج الحناء المعطر بالأعشاب البرية، ويغطى رأسها بمنديل أحمر، وترتدي سلهاما أبيض، ويوضع أمامها طبق به سبع أنواع من الأعشاب، ومرآة.
يزين رأسها بالحبق الذي يثبت بعمامة والدها، ويزين صدرها بخنجره، ثم يطلب من شقيقها الاقتراب حتى يلبسها خفا تقليديا أحمر اللون وذلك بعد أن يضع بداخله قطعة نقدية، ثم يعمل على الهروب قبل أن تشرع النساء في ضربه.
ولأن الأسر تعتبر الأنثى دليل رخاء وخصب، فهي تخشى من أن يصيب البيت الفقر في غيابها، لذلك تقوم الأم بحمل طبق به بعض الدقيق، وتضعه فوق ركبتها ثم تطلب من ابنتها العروس الجلوس فوقه والقيام، والإستدارة جهتها من أجل تقبيل رأسها، ويعاد الطقس ثلاثة مرات، بعد ذلك تجلس العروس وسط النساء وتستعد للرحيل، حيث تمتطي فرسا، ويوضع خلفها طفل صغير رغبة منها في أن يكون مولودها الأول ذكرا، ومعها وصيفة تحمل طبقا به دجاج وبيض.
يرافق موكب العروس سكان الدوار، ومجموعة أحواش، وخلال سير الموكب يعترضه أحد الرجال محاولا إعاقته وصوله، مما يدفع الحاضرين إلى ترضيته ببعض الهدايا حتى يفسح لهم المجال، ويعد الطقس إحياءا للممارسات القديمة حيث كان قطاع الطرق يحاصرون المواكب فيعمل المرافقون على حماية العروس، أو يقومون بتأمين الطريق مسبقا من خلال ترضية زعماء قطاع الطرق.
بعد وصول العروس تستقبلها والدة العريس بالتمر و الحليب، بينما يعمل العريس على استقبال الموكب بطريقته الخاصة، وذلك من خلال نثر حبات التمر واللوز والجوز فوق رؤوس الضيوف. خلال توجه الموكب بنظره إلى العريس، يقوم شقيقها بحملها في غفلة من الجميع، ليدخلها إلى غرفتها صحبة الطفل الصغير، ويقوم بنزع خنجر والدها ليساعدها على تمريره فوق جدران غرفتها، ثم تقوم بالجلوس في ركن الغرفة وعلى يمينها الطفل، بينما تجلس قريبتها التي تولت حمل طبق الدجاج والبيض على يسارها، لتناول الطفل بيضة وقطعة من الدجاج، ثم تتناول ما بقي رفقة زوجها.

الأحداث المغربية

مشاركة