الرئيسية تمازيغت عصيد : ترسيم الأمازيغية يصطدم بمعضلة تأويل الدستور

عصيد : ترسيم الأمازيغية يصطدم بمعضلة تأويل الدستور

كتبه كتب في 11 يوليو 2013 - 02:07

قال الناشط الأمازيغي أحمد عصيد، خلال الندوة التي نظمها معهد “التنوع الإعلامي” يوم أمس بالرباط، تحت عنوان “من أجل ممارسة مهنية تكرّس واقع وغنى مجتمعنا”، إنّ المقصود بالتنوّع هو اختلاف عدد من العناصر المتجاورة داخل مجتمع واحد، وهي خاصية تلازم كل المجتمعات في العالم بدون استثناء، كما أنه يشمل كل المجالات، وهو أساس الحياة البشرية في مختلف بلاد المعمور، وأضاف أنّ المشكل لا يكمن في وجود التنوع، بل في طريقة تدبيره، “لأن التدبير يتبع للنسق السياسي ولطبيعة الدولة واختياراتها، وأن وضعية التعدد تعكس وضعية السياسية العمومية المتّبعة في كل بلد”.

وأضاف عصيد أنه “من الملاحظات السلبية التي يمكن أن نشير إليها في المغرب، هو أننا، ولمدة طويلة من الزمن، كنا نختزل التعددية في مجال محدد ونرفضه في مجالات أخرى، بينما التعدد يشمل جميع مجالات الحياة، مثل التعابير اللسانية وأنماط العيش الثقافية والديانات والمعتقدات وكل مناحي الحياة”.

مشكلة التنوع في المغرب، حسب الناشط الأمازيغي، ارتبطت بنموذج الدولة، “فكلما تطور نموذج الدولة في المغرب كلما تطور التنوع، وكلما تغيرت علاقتنا بإشكاليته”، وأضاف أنه “في بداية الاستقلال كان لدينا النمط اليعقوبي الفرنسي للدولة الوطنية، وهو نموذج يقوم على التحييد وخلق نموذج التجانس المطلق، بحيث تبنّت الدولة منذ عام 56 من القرن الماضي نظام التحييد التنميطي عوض نظام التنوّع، الذي كان يُعتبر خطرا عل الالتزام العام وعلى الوحدة الوطنية، قبل أن يتبيّن العكس بالتدريج، وبدأنا نسمع اللامركزية وعن الجهوية الموسعة والحكم الذاتي…”

وتطرق عصيد إلى التنوع من الجانب الدستوري قائلا إنّ دستور 2011 جاء بعد مخاض عسير من التحولات والصراعات والنضالات، وبعد خرجات حركة 20 فبراير التي أقنعت النظام بضرورة تعديل الدستور السابق، “حيث وصلنا في نهاية المطاف إلى دستور مُراجع، لكنه دستور مُراجع بخطوط حمراء، لكونه كان تجربة متحَكّما فيها، ولم تذهب إلى ما كانت تطالب به القوى الديمقراطية بالبلاد”، مستدركا “لكنها تبقى خطوة إيجابية مقارنة مع التجارب السابقة، ولكنها تظل وثيقة لم تصل إلى مستوى الوثيقة التي تستحقها التجربة الديمقراطية المغربية”.

فيما يخصّ التعدد الهوياتي، قال عصيد إن الدستور المغربي اعترف لأول مرة بالتعدد الهوياتي للمغرب، “وهو تعدد كان حاضرا في النقاش العمومي على مدار خمسين سنة، لكنه ظل مُهمّشا، ثم قفز إلى الواجهة وأصبح مجسدا في الوثيقة الدستورية لسنة 2011، التي تعترف بالمكونات الأمازيغية والحسانية واليهودية والإفريقية والأندلسية والمتوسطية”، مضيفا أنّ “هذه الأبعاد كلها موجودة في ثقافتنا، لكننا لم نكن نفكر فيها فيما قبل ولا نستحضرها في القانون السياسي، وكنا نتناساها ولا نعطي لها أية حماية قانونية، وكنا نلجأ إلى الشرق الذي كنا نعتبره مركزا ثقافيا للمغرب، رغم أننا نوجد في إفريقيا، إذ ظل المغاربة يعيشون في مشكلة مع جذورهم الإفريقية، فعلى الرغم من انتمائهم إلى القارة الافريقية، إلا أنهم كانوا يفكرون كما لو أنهم يوجدون في الشرق”.

إلى ذلك أوضح عصيد أن هناك عوائقَ بدأت تظهر من الآن حول ترسيم اللغة الأمازيغية، حيث إنّ الصيغة التي جاءت بها الوثيقة الدستورية الحالية، وضعت اللغتين الرسميتين للدولة، العربية والأمازيغية، في فقرتين، بينما كانت الصيغة في الوثيقة الأصلية الأولى التي أعدّتها لجنة عبد اللطيف المنوني قبل تعديلها تنصّ على أنّ المغرب دولة ذات سيادة، لغتاها الرسميتان العربية والأمازيغية، حيث جاءت اللغتان في جملة واحدة.

الصيغة الحالية للفقرتين، يقول عصيد، جعلت البعض يتصور أنه يمكن تأويل الدستور تأويلا يسمح بالحفاظ على مظاهر الميْز، انطلاق من الوثيقة الدستورية نفسها، “وهذا شيء ممكن”، وأضاف “هذه معضلة كبيرة ستواجهنا، وهي معضلة تأويل الدستور، فالدساتير الديمقراطية تقدم في حدّ ذاتها وسائلَ تأويلها التي لا تتجاوز حدود التأويل الديمقراطي للنصّ، بينما الدستور المغربي بسبب تناقضاته لا يقدم هذه الآليات، وبالتالي فهو دستور يمكن أن يُؤَّل تأويلا غير ديمقراطي، لأنه يحمل الشيء ونقيضه”.

وضرب عصيد مثالا على التأويل غير السليم للدستور في مجال ترسيم اللغة الأمازيغية بقوله إنّ التنصيص على اللغتين الرسميتين للدولة في فقرتين يوحي بأن هناك لغة أولى ولغة ثانية، مشيرا إلى أنّ من نتائج ذلك أنّ “هذا التمييز بين اللغتين الأمازيغية والعربية أعطى نتائج فادحة على مستوى دفاتر التحملات الخاصة بالقنوات التلفزيونية العمومية، بحيث نجد أنّ دفتر تحملات القناة الأولى، مثلا، ينصّ على 80 في المائة من البث للغة العربية، وعشرين في المائة للغة الأمازيغية، وهو بَوْن شاسع بين اللغتين الرسميتين”، مُرجعا سبب ذلك إلى “أنّ الذي وضع دفاتر التحملات اعتبر أنّ هناك تمييزا بين اللغتين انطلاقا من قيامه بتأويل للدستور”.

فيما يخصّ دفاتر تحمّلات القناة الثانية، اعتبر عصيد ما ينصّ عليه دفتر تحمّلاتها، بتخصيص القناة لخمسين بالمائة من البث للعربية وثلاثين في المائة موزعة بين الدارجة والحسانية والأمازيغية، “نوعا من التضليل” مردفا “إذا أنتجت القناة 27 في المائة من الدارجة، وواحد في المائة من الحسانية، واثنين في المائة أمازيغية، فهذا ينسجم مع ما جاء في دفتر التحملات، وهذا لن يحلّ ابدا مشكلة الأمازيغية، داعيا إلى أن تؤخذ اللغتان في الترسيم على قدم المساواة، من حيث القيمة، وأن يتمّ تصريف الترسيم على أساس المساواة بين اللغتين، “وإذا لم تتحقق ذلك فإن الترسيم لن ينفع في إلغاء التفاوت واللا مساواة”.

عصيد تطرق في مداخلته إلى الهوية المغربية من الناحية التاريخية، وقال إنّ الوثيقة الدستورية الأصلية التي أعدّتها لجنة المنوني، تمت كتابتها وفق منهج علمي تاريخي، حيث إن الترتيب الذي أعطته اللجنة لعناصر ومكونات الهوية وضعَ الأمازيغية في الأول، باعتبارها هي الأعرق، ثم العربية والإسلام في المرتبة الثانية، ثم باقي الأبعاد، يقول الناشط الأمازيغي الذي أضاف أن “الاتصالات الأخيرة التي تمت بين القوى المحافظة والآلية السياسية للتتبع الدستور التي ترأسها المستشار الملكي محمد معتصم، قامت بقلب أشياء كثيرة داخل الوثيقة الدستورية”، يقول المتحدث.

وأضاف عصيد أن من بين هذه التغييرات، ترتيب الأبعاد المكونة للهوية المغربية، وهذا له تأثير على مستوى مراعاة التنوّع، لأنّ الذي يقرأ ذلك الترتيب النهائي للدستور – يقول عصيد- يعتبر أنه يسير من المهمّ إلى الأقل أهمية، “وبالتالي فإنّ كثيرا من مظاهر التمييز ستستمرّ تجاه المكون اليهودي والإفريقي ومكونات عديدة أخرى، التي قدمها الدستور باعتبارها مجرد تلوينات، بينما هي مكوّنات أصلية من صميم الهوية المغربية” يورد الناشط الأمازيغي

مشاركة