الرئيسية ثقافة وفن روبورطاج..واحة تغجيجت تتفرد بالتمور في مهرجانها الوطني

روبورطاج..واحة تغجيجت تتفرد بالتمور في مهرجانها الوطني

كتبه كتب في 27 نوفمبر 2023 - 20:06

متابعة من تغجيجت: عزيز جوبي

حزمت حقائبي،الوجهة واحة تغجيجت في رحلة طويلة تنطلق من أكادير نحو بويزكارن نواحي كلميم عبر حافلة لنقل المسافرين صباح يوم الخميس 23 نونبر 2023 ،الرحلة استمرت أربع ساعات عبر طريق تزنيت، سؤال شارد يدور في مخيلتي والحافلة تعبر فجاج الجنوب المغربي،”هل تستفيد تغجيجت اقتصاديا واجتماعيا من ثروات الواحة؟” ،مناسبة الرحلة حضور الدورة الثامنة عشر للمهرجان الوطني لموسم التمور بجماعة تغجيجت الذي اختار له المنظمون شعار “المرأة الواحية  فاعلة أساسية في تحقيق التغيير والتنمية المستدامة”،هذه التظاهرة تمتد على مدى أربعة أيام إحتضنتها الفضاءات الثقافية وساحات العرض العمومي والفضاءات العامة بواحة تغجيجت ،من تنظيم جمعية موسم التمور و الجماعة الترابية بدعم عدة شركاء رسميين .

انتهت بي مسيرة الحافلة في بويزكارن،هناك نزلت ثم توجهت إلى محطة “طكسيات تغجيجت” ورحلة جديدة ،”الطاكسي” تقطع عمق الصحراء وتخومها في مسار طويل أَطل كل مرة من النافدة لأترنم بمتعة وملذات هذه الرحلة  في منطقة عارية من الأشجار ،توقفت السيارة عند مدخل تغجيجت استوقفنا “باراج الجوندارم” تحقق رجل دركي من هويات ركاب الطاكسي وجائني مطلا على النافدة، بدا صامتا بنظرات كاسرة ،اكتشف أنني صحفي جئت للبحث عن حقيقة علاقة الواحة باقتصاد تغجيجت،توصل الدركي أنني في مهمة لرصد الجانب الاجتماعي والاقتصادي لهذه الواحة العريقة،قبل أن يسمح لسائق الطاكسي بالمرور والاستمرار في التقدم نحو الأمام ،مشيرا بيده “زيد  زيد القدام” .

وصلنا مدخل تغجيجت حيث أشجار النخيل متناثرة في كل مكان والمنازل تلتف حول الطريق الرئيسية للجماعة،لافتات اشهارية لموسم التمور معلقة في كل مكان،الباعة يفترشون التمور على التروتوار ومتاجر تتجافى عن استعراض أنواع متراصة من التمور المعبأة في علب كرطونية،وصلنا في وقت الذروة،الساعة تشير إلى الرابعة مساءا ،هو التوقيت الذي يبدأ فيه الرواج الاقتصادي بهذه المنطقة تزامنا مع افتتاح معرض التمور والمنتوجات المجالية باشراف من السلطة المحلية ورئيس المجلس الجماعي لتغجيجت جامع أغرابي.

عين على خصوصيات جماعة تغيجيجت

الوصول إلى مركز تغجيجت سيقودنا الى المكلف بلجنة الاعلام أحمد الياديب رجل أعطى الكثير لمنطقته نحو “دار الضيافة التكني” وهو منزل تقليدي قوامه الطين مجهز بصالون تقليدي وفناء وثلاث غرف ،هذا “الأوبيرج” مهيأ لاستقبال زوار موسم التمور وكذا السياح الوافدين لتغجيجت لقضاء فترة الاستجمام في الواحة،وسط هذه الغرطسة والتجول في هذا الاوبيرج الذي يقع غير بعيد عن مركز الواحة تحيط به المساكن وأشجار النخيل وبعض الحقول ، وضعت أمتعتي في إحدى الغرف ثم أصطحبت معي معدات التصوير “كاميرا وميكرو” ،ثم توجهت نحو معرض التمور والمنتوجات المجالية.

في الضفة الأخرى من هذا المعرض تحتفل فرق الحركة وترسم لوحات التبوريدة حيث تستمر طلقات البارود التي يتردد صداها على المسامع في كل مكان حتى أصابتني بالرنين في الأذنين من قوة صوتها، ثم تتوالى احتفالات وتصفيقات المتفرجين من الزوار الحاضرين رجالا ونساء مع كل طلقة، غير بعيد عن التبوريدا،توجد قرية الأطفال وهو مكان مجهز بوسائل اللعب والترفيه لفائدة الأطفال،حيث تصطحب النساء فلذات أكبادهن كل عشية بعد العصر من هذا الموسم الثقافي قصد تمتيع أبنائهن بالحق في اللهو واللعب،فرحة كبيرة تغمر نفوس هؤلاء الأطفال بهذه الوسائل الترفيهية.

يتمايل الاطفال يمينا ويسارا ويقفزون فوق الألعاب بطريقة هيستيرية،لباس النسوة بتغجيجت متفرد جدا ويمثل تقاليد المنطقة ،حيث ينقسم إلى جزئين “الفرطيطة”  و “ليزار” وهو زي تقليدي منتشر جدا هناك ولا يرتدين غيره،يحضرن طيلة أربعة أيام إسوة بالرجال والشيوخ لمتابعة العروض والسهرات الفنية التي تقام فوق منصة المهرجان.

في معرض التمور والمنتوجات المجالية إلتقيت بناس مشاركين ومشاركات ،عارضين وعارضات ،نساء تكبدن عناء السفر من بقاع الأقاليم الجنوبية، جئن لعرض منتجاتهن ،ألبسة ومسحوقات تجميل وبخور وثقافة حسانية ،صادفت أيضا أبناء تغجيجت من شباب يحملون هموما كثيرة يودون البوح بها ،تبادلنا أطراف الحذيت،ثم تفقدت كل أروقة المعرض واكتشفت المنتوجات التي تعرض هناك.

“”محمد ميلي” مشارك في المعرض هو مسير تعاونية شاب عصامي تلاثيني العمر طويل القامة دو بشرة داكنة يرتدي فوقية صحراوية ،فاعل جمعوي وناشط بتغجيجت ،يشارك كل سنة في موسم التمور،يعتبر أحد أبناء المنطقة النجباء الذين يساهمون في ترويج هذه التمور في المعرض كل موسم،في حذيث مطول خصّ به جريدة سوس بلوس قال: “ان معرض المنتوجات المجالية يساهم بشكل مهم في خلق رواج اقتصادي وخلق ثروة اقتصادية محلية لجماعة تغجيجت ،ويستفيد منه العارضين الشيئ الكثير داخل الواحة وخارجها،حيث يروج العارضون منتوجاتهم ويتعرفون على الزبناء ويخلقون علاقات جديدة مع الزوار الوافدين” للمنطقة،وأضاف محمد ميلي :”كنبيعو المنتجات بأثمنة معقولة للزبناء،وكنحاولو نعرفو بالواحة ديالنا إقليميا وجهويا و وطنيا ”

“الواحة ورثناها أبا عن جد” هي العبارة التي شدد بها “محمد ميلي” تدخله مبرزا أن شباب تغجيجت كرس هذه العلاقة مع الواحة من خلال الاستثمار في منتوج التمورعبر خلق دعايات نمودجية بالأرجاء،وقال “ميلي” أن النتيجة المرجوة من مهرجان التمور تحققت رغم التأجيل  الذي طاله لغاية شهر نونبر عبر تأخير موعده السابق الذي كان يقام في شهر اوكتوبر، لكن منافعه عادت على المنطقة من حيث الرواج الاقتصادي المحلي في هذه الأيام  الأربعة التي يقام فيها.

علاقة مهرجان التمور بالاقتصاد المحلي 

توجهنا بسؤال إلى رئيس المجلس الجماعي “جامع أغرابي” :”ماذا ستستفيد تغجيجت وساكنتها من مهرجان التمور؟ ”

المسؤول على تدبير الشأن المحلي بتغجيجت أشار في البداية أن معرض المنتوجات الفلاحية  عرف مشاركة أزيد من مئة تعاونية بمختلف الأقاليم الوطنية.

وفي جوابه عن سؤالنا أكد جامع أغرابي أن “الواحة هي مصدر معيشة الساكنة المحلية من خلال مزاولة النشاط الفلاحي بالأساس الذي يتمثل في انتاج التمور،وهذا المهرجان ركز على هذا المنتوج باعتباره ركيزة القوت اليومي،وأضاف الرئيس أن التنظيمات المهنية سواء دات النفع الاقتصادي و التعاونيات وخاصة جمعية موسم التمور بدلو مجهودات كبيرة عبر توفير فضاء لتسويق منتوج التمور ،حيث يشتغلون على بناء وحدة لتجميع وتخزين التمور سعتها تبلغ حوالي مئة طن بغلاف مالي يبلغ 15 مليون درهم.”

جامع أغرابي أورد أن “هذه المجهودات سترفع من مردودية وجودة الإنتاج بالمنطقة،كما أكد أغرابي أن هناك أرادة سياسية للاقلاع بهذا المهرجان وتطوير هذه التظاهرة لتحقيق اشعاع عالمي وخلق معرض ذات مواصفات دولية مستقبلا ،ويأمل المجلس الجماعي تثمين المنتوجات الفلاحية الأخرى وكافة الموارد الترابية التي تتوفر عليها تغجيجت لتحقيق التنمية  والرقي أكثر باقتصاد الانسان الواحي.”

 مشاكل تعمق الأزمة داخل الواحة

سعيد مروش باحث في التراث والتنمية الترابية ومهتم بقضايا تغجيجت أورد في تصريح له مع سوس بلوس قائلا: التمور هي المنتوج الأساس للساكنة المحلية، والتي تتميز بالتنوع بين بوفكوس والجيهل وبوسكري و ساير، كمية الانتاج تقدر ب ألف طن سنويا، وهو منتوج طبيعي لا تستعمل فيه المواد الكيماوية، غير أن الانتاج آخذ في التناقص سنة بعد أخرى لعدة عوامل أجملها فيما يلي: أولا الجفاف الذي امتد لسنوات ثم لسبب توسع الزراعات العصرية بحواشي الواحات. على أن عمق الآبار ما فتأ يتعمق سنويا مما أثر سلبا على ضيعات التمور التقليدية.

وحسب تعبير الباحث مروش هناك سبب آخر يعمق الأزمة في واحات تغجيجت وهو توالي الحرائق حيث لوحظ تزايد عددها والتي أتت على مئات الاشجار، وهو ما دفع بالجهات الوصية إلى الشروع في بناء مركز للوقاية المدنية والحرائق بواحة تغجيجت.

مروش أكد أن هناك عاملا آخر يتمثل في عزوف الشباب عن ممارسة النشاط الفلاحي، فبالكاد نجد شابا واحدا يمارس نشاط الآباء، كما أن شيخوخة الأشجار وعدم قطعها يفاقم وضع الواحة.

وختم مروش مداخلته في هذا الجانب بقوله: ما يعطي الأمل هو نشوء وعي متأخر لدى بعض الفاعلين الجمعويين وفي صفوف التعاونيات والتي باتت تلعب دورا هاما في التعريف بالمنتوج المحلي عبر تنظيم معارض خاصة، كما أن الشروع في بناء مركز للتخزين بمدخل الواحة سيساهم لا محالة في تثمين المنتوج.

ثم أردف أن دور المرأة بارز في سلاسل الانتاج المحلي. وإذا كانت الهشاشة هي السمة المميزة للمجال، موضوع الحديث، فالنساء أكثر الفئات يمسهن الفقر والهشاشة، مما فقد فرض عليهن الانخراط في عملية الانتاج وتربية بعض المواشي وفي تعاونيات انتاجية وهو ما ينعكس على أوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية وإن بشكل محدود.

 واحة تغجيجت في حاجة إلى مشروع ترابي تنموي

اقترح الباحث سعيد مروش في هذا الاطار إدراج واحات تغجيجت ضمن مسار وطني للسياحة الواحية كامتداد لواحات الجنوب والجنوب الشرقي للمغرب، فضلا عن العمل على تأهيل المنازل العتيقة وتحويلها إلى نقط استقبال سياحي مدرة للدخل على الأسر، ومن المفيد التعريف بالمؤهلات السياحية للمنطقة عبر مختلف وسائل الاتصال الحديثة، مع تشجيع الاستثمار في السياحة الايكولوجية، لاسيما أبناء المنطقة المهتمين بالموضوع، ويرى أن خلق مسارات سياحية داخل الواحة من شأنه تسهيل اكتشاف ما تزخر به من مؤهلات، على أن يتولى المرشدون مرافقة السياح على طولها بعد أن يخضعوا لتكوين مناسب.

في ذات السياق يرى مروش أن منطقة  تغجيجت تتميز بخصوصياتها الثقافية الحاضنة للتمازج الأمازيغي الحساني، مما يقتضي إدماج هذا المكوّن ضمن سيرورة إنعاش القطاع السياحي، من خلال التعريف به في دورات موسم التمور وفي أروقة مختلف المعارض الجهوية والوطنية، وتشجيع الجمعيات والتعاونيات على ابتكار وسائل التعريف بهذه المكونات، فضلا عن إنشاء متحفين للنقوش الصخرية بموقعي إداوطاطاس وتينزرت، مع تخصيص سوق دائم لبيع المنتجات التقليدية المحلية.

يضيف الباحث مروش “يتعين تنويع الأنشطة الاقتصادية والسعي نحو ابتكار الطرق المناسبة لتحقيق التنمية الترابية على قاعدة الحفاظ على الموارد ومحدودية قدرات المجال.  وباستحضارنا للمحيط المجاور لتغجيجت، نقف على واحات زاخرة ثقافيا، وتمثل أداي وأمطضي نموذجين لواحات تتكامل في خصوصياتها الثقافية مع واحات تغجيجت، غير أنه لا يجمعها أي مشروع مستهدف لاستثمار المكونات الثقافية الواحية لأجل التنمية. والواقع أن قوافل السياح المنطلقة من أكادير صوب أمطضي تمر عبر تراب واحات تغجيجت وأداي يوميا من دون أن تستفيد منها شيئا.”

ويختم الباحث كلمته بإثارة الانتباه إلى أهمية القرب الجغرافي لواحات تغجيجت لأقدم المآثر التراثية اليهودية بالجنوب المغربي في جماعة إفران الأطلس الصغير المجاورة، فضلا عما تتيحه واحة للا ملوكة المجاورة من مياه دافئة قابلة للاستثمار في السياحة الاستشفائية. هذه المؤهلات كلها بحاجة إلى الإندراج ضمن مشروع ترابي يحرك سلاسل الانتاج ويساهم في تثمين الموارد، وهي مسؤولية الفاعلين المحليين سواء المنتخبين أو منظمات المجتمع المدني والأكاديميين والغيورين من أبناء المنطقة.

مشاركة