الرئيسية ثقافة وفن ” أعيوع” منتوج فني مهدد بالنسيان وشامة الرحموني “نجمة الشمال” إحدى نجماته

” أعيوع” منتوج فني مهدد بالنسيان وشامة الرحموني “نجمة الشمال” إحدى نجماته

كتبه كتب في 23 نوفمبر 2012 - 18:49

 “أعيوع” شكل من الأشكال التعبيرية للمرأة القروية بمنطقة تاونات، اختصت به النساء في البادية لعرضه بلباس متميز على شكل عيطة زجلية ارتجالية على نغمات موسيقى “الغيطة”.تغنت المرأة القروية عبر هذا اللون الغنائي الموزون في المنطقة منذ عهود مضت بهمومها، غير أنه أصبح على بعد خطوات من الانقراض والتلاشي في غياب معاهد موسيقى يدرس بها هذا النوع الغنائي بالإضافة إلى الطقطوقة الجبلية وباقي الفنون الشعبية المعروفة بشمال المغرب.

 “أعيوع” فن غنائي استعملته القبائل التاوناتية في المدح والهجاء خاصة في الأعراس بقبائل بني زروال، تنشده النساء أثناء اشتغالهن بالحقول فتنهمك النساء في عملية “الحصاد” بمناجلهن منحنيات بهمة وجد، وكل منهن تغني مقطعا في حين ترد الأخريات معبرات عن الموافقة” واييه” أي نعم، كما يمكن لأي من الفلاحات أن تغني بما يرد على بالها لكن في صميم الموضوع بشكل متناسق وملائم مع الرنة الموسيقية والتي تكون عادة دون آلات فقط ترنيمات موسيقية، كما أن مواضيع ” أعيوع” تنصب على التغني بالطبيعة، تعدد الزوجات،المرأة، الهجرة…وفي مناسبات كجمع غلة الزيتون،الأفراح والأعياد.

 “شامة الزاز” إحدى الأصوات القوية، ذات رنات صوتية مضبوطة، هي من بين العشرات من الفنانين الشعبيين بالإقليم اللذين تعرضوا للتهميش، بقسمات وجهها النحيل وخصلات شعرها الأسود البارز من رداء رأسها ” السبنية” المزركش الذي تعرف به نساء المنطقة وأقاليم الشمال، هي من أبرز الأصوات القوية حتى أنها لقبت ب” نجمة الشمال”، تحدت التقاليد آنذاك وتغنت بمعاناة المرأة القروية والفلاحة على الخصوص، مشاكلها اليومية وأفراحها، فتغنت بتاونات قائلة:” أنا بلادي تاونات، بالجبال موصوفة، وإلى خفات عليكم بالرجال معروفة….” قطع اشتهرت بها في المنطقة وخارجها، إلا أن حلمها يتمثل في الوصول إلى الإذاعة والتلفزة والتعريف بهذا الفن الذي تتميز به المنطقة فقط.

كانت أول بداية لشامة من دوار “الرف” بسيدي المخفي إحدى جماعات إقليم تاونات، ففي سن الثامنة عشر شاركت في المسيرة الخضراء، تاركة ابنها في رعاية والدتها. كان المشاركون في المسيرة الخضراء يعقدون سهرات عند حلول المساء للتعرف على بعض العادات المختلفة لأقاليم المغرب وكانت شامة من بين الأصوات التي تشدو كل ليلة، فتتجمع النسوة بعد العشاء في شكل حلقة وتبدأ إنشاد العيوع. عند عودتها من المسيرة الخضراء كانت من ضمن عشرة نسوة حصلن على بطاقة المشاركة في المسيرة الخضراء وفي بطاقة التعريف الوطنية كتب في خانة المهنة “مطربة” بسبب أغنية أنشدتها في حق الملك الراحل الحسن الثاني أثناء المسيرة الخضراء.

بدأت “شامة” الإنشاد والغناء متخفية بسبب وسطها المحافظ جدا، واشتهرت بتنظيمها الفطري للأهازيج وأشهرها تغنيا بالأم: ” توحشك الواليدة، وانتي في بلاد بعيدة، وكل ساعة دمعة جديدة، وتطلع بالتنهيدة، عيني تبكي، قلبي يشكي، توحشتك يا الواليدة” وتشارك شامة بالغناء في مجموعات غنائية بطنجة وتطوان…اشتهرت نساء بني زروال و مرنيسة…بهذا الغناء الصوتي وقد يصاحبه أحيانا آلة الناي أو “الكمنجة” في موسم الحصاد وعمليات التويزة وترميم المنازل التقليدية أو أثناء جمع الحطب بالوادي والجبل..، حيث تنهمك النسوة في أعمالهن وفي ذات الوقت تنشد بعضهن أعيوع بينما ترد الأخريات بالزغاريد.

 تتأسف “شامة” لمصير هذا الفن التعبيري بلهجة اجبالة قائلة:”أعيوع هو فن كيخرج من الأعماق وهو هبة من الله فأنا ما كنفكرشي في الموضوع لكن كاتجيني الكلمات على غفلة وكنشد مباشرة. الآن البنات مابقاوشي كيهتموا بأعيوع، والقليل اللي باقين كيحفظوا بعض الأغاني منه”.

تقوم شامة بتسجيل أغانيها على أشرطة وتسجيل وأقراص مدمجة رغم الثمن الهزيل الذي تتقاضاه مقارنة بالمجهودات التي تقوم بها بمعية جوقها الذي استطاعت تكوينه وتحظى باحترام الجميع، إلا أنها بالإضافة إلى بعض الفنانين الشعبيين والمعروفين بفن “الطقطوقة” يتعرضون للاستغلال أحيانا سواء أثناء استدعائهن لحضور بعض الحفلات الرسمية أو من طرف بعض الشركات ويتعرضون للغبن في أحيان أخرى.

وإذا كانت شامة تتخوف على مستقبل هذا الفن الذي يجسد شكلا من أشكال التراث الفني النسائي بمنطقة اجبالة، فان بقائه رهين بعدم تهميشه وإحياءه من خلال مهرجانات خاصة بمثل هذه الفنون النسائي، فالتهميش يطال أعيوع وباقي الفنون بمنطقة اجبالة وخاصة بإقليم تاونات، سيما مع رحيل مندوبية الثقافة. فقد تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة للمطالبة بضرورة الحفاظ على هذا اللون الفني النسائي التعبيري من التلاشي، والاهتمام به كلون فني تراثي في المهرجانات الوطنية والدولية للفنون النسائية.

أمينة المستاري

سوس بلوس

مشاركة