الرئيسية مجتمع “اغروم نتدونت” يتربع على عرش موائد الإفطار بتنغير في رمضان

“اغروم نتدونت” يتربع على عرش موائد الإفطار بتنغير في رمضان

كتبه كتب في 30 مايو 2017 - 20:49

لا تزال مدينة تنغير القديمة، “قصر ايت الحاج علي”، محافظة على جمالها وسحرها وخصوصية هندستها المعمارية؛ فلا يمكن للمار بجانب أسوارها الصامدة رغم قساوة السنين وبين أقواسها الفاتحة ذراعيها مرحبة بزوارها، إلا أن يستحضر ذاكرة تاريخ يعود إلى قرون من الزمن؛ لأن لها جاذبية خاصة تأسر زوارها وتزيد من رغبتهم في زيارتها واستكشافها يوما بعد يوم، رغم أن خصوصية قصر ايت الحاج علي تبرز أكثر في المناسبات والمواسم الدينية المقترنة به.

وتنفرد مدينة تنغير بطابعها الروحي الخاص؛ إذ تتشكل كثير من حلقات قراءة القرآن في مساجدها المنتشرة هنا وهناك، ومن أبرزها مسجد توزاكت الذي يمنح المدينة ميزة روحية فريدة لا تمتلكها مدن أخرى بالجنوب الشرقي، ويعد ذلك انعكاسا لمكانة المسجد المذكور في المدينة كواحد من أهم وأقدم المساجد، إضافة إلى دوره الريادي كمدرسة عريقة ملهمة روحيا لكثير من الباحثين عن الاطمئنان والسكينة بعيدا من ضجيج الحياة.

ويعد شهر رمضان بتنغير مناسبة سنوية مهمة لحفظ القرآن وقراءته في المساجد، كما تنتعش خلاله تجارة البخور، فضلا عن أنواع كثيرة من الحناء والسواك التي تستعمل كزينة لدى النسوة في ليلة الـ27 من رمضان. ولنصل إلى العادات والتقاليد التي غابت عن هذا الشهر الفضيل بتنغير، يقول مولاي رشيد الإدريسي: “لقد أصبحنا نرى الزيارات والتجمعات بين الأهل والأحباب لم تعد كما كانت من قبل، وأيضا أصبحنا نلاحظ غياب تبادل المأكولات بين الجيران، وكذلك احتفال الأطفال أمام المساجد قبيل أذان المغرب بترديد: سيول سيول ا المدن ن تينويتشي هان لاز اكا ديكناغ تيوريور. ونتمنى عودة هذه التقاليد التي كانت معروفة بواحة تودغى بتنغير”.

التسوق والاستجمام

تبدأ ساكنة مدينة تنغير يومها الرمضاني بحركة خفيفة في شوارعها وأزقتها، وتتصاعد تلك الحركة تدريجيا حتى تبلغ ذروتها مع اقتراب موعد الإفطار؛ حيث تخلو الشوارع مرة أخرى من المارة الذين يختفون في مساجد المدينة أو في منازلهم، إلى حين الانتهاء من صلاة العشاء والتراويح، ليلتحق الجميع بساحة البريد، أو الحديقة القريبة من مقر العمالة، للترويح على النفس والاستجمام.

كما تتحول “السويقة” الموجودة بمركز مدينة تنغير، عند اقتراب شهر رمضان، أو خلاله، إلى وجهة مفضلة لدى النساء من مختلف الأعمار، يأتينها من جميع الأحياء والقرى المجاورة لاقتناء مستلزمات المطبخ، فضلا عن مواد تستعمل في تحضير مختلف الحلويات الرمضانية، وتوابل يستخدمنها في تحضير أطباق رمضان الشهية.

وتحكي فاطمة، ربة بيت في عقدها الرابع، أن النساء بمدينة تنغير يقصدن عادة تجارا اكتسبوا ثقتهن، وكثيرا ما استشارت إحداهن أخرى بخصوص النوع الجيد من التوابل وغيرها من مستلزمات المطبخ، وغالبا ما تلحق بهم أخريات ويتحول المشهد أحيانا إلى شبه لقاء مفتوح في الهواء الطلق حول الأطعمة، وتقدم كل سيدة تجربتها بخصوص هذا النوع أو ذلك من الأطباق وكذا المستلزمات التي تزيد من لذته.

بدوره، شدد مولاي رشيد الإدريسي، فاعل جمعوي بتنغير، على أن ساكنة مدينة تنغير، خصوصا واحة تودغى، لازالت تحتفظ بعاداتها وتقاليدها الأصلية الضاربة في القدم خلال شهر رمضان رغم العديد من التغييرات نظرا للعولمة ومواكبة الحداثة والعصرنة؛ “ففي إفطار رمضان، تعد النسوة الرغيف واغروم نتدونت، أي خبر الشحمة، الذي لا يفارق مائدتي الإفطار والسحور”.

وأشار الإدريسي، في حديثه لهسبريس، إلى أنه بعد الانتهاء من وجبة الفطور وأداء صلاة العشاء والتراويح معا، هناك من العائلات من تفضل السهرة بالشاي وسلو (الزميطة)، وتبادل أطراف الحديث، ثم بعدها تقوم النسوة بطهي وجبة السحور، مسترسلا: “هناك من يفضل الخروج إلى الساحات والحدائق العمومية، خصوصا أن شهر رمضان حل هذه السنة مع بداية فصل الصيف”.

“اغروم نتدونت”

لا يختلف اثنان على أن الأطباق المغربية على اختلاف طريقة تحضيرها من منطقة إلى أخرى تبقى دائما تحتل المراتب الأولى من حيث الطلب، وتعد مقياسا تقاس به مهارة النسوة وبناتهن في إجادة الطبخ أم لا؛ فمهما تفننت النساء في تحضير ما لذ وطاب من الأطباق الدخيلة عن المجتمع المغربي، إلا أنه في قانون المائدة التنغيرية من لا تعرف تحضير المسمن والحريرة و”الخبز المحشو” وغيرها من الأطباق التقليدية، فهي لا تعرف شيئا، وعادة ما تتعمد النساء وضع بناتهن تحت اختبار تجريبي يكون فيه التطبيق الإجباري هو تحضير “الخبز المحشو”، خاصة في مدينة تنغير.

وقالت حكيمة، البالغة من العمر حوالي 28 سنة، وتقطن بحي توزاكت، إن للأطباق التقليدية أهمية ومكانة لا يستهان بها، لاسيما عند الأمهات اللواتي يعكفن طوال الوقت على غرس تقاليد الطبخ التنغيري خاصة، والمغربي عامة، في بناتهن للمحافظة على أصالة المائدة التنغيرية. فبالرغم من تطور آلات الطهي واختلافها، إلا أن الخبز المحشو، أو “اغروم نتدونت”، يبقى سيد الطبخ في جميع البيوت التدغوية، مضيفة: “لا تزال أمهاتنا وحتى جداتنا يجتهدن في صنع بعض الحلويات والشهيوات التقليدية”.

في مقابل ذلك، أبرزت المتحدثة أن المرأة التغيرية، وأختها بالجنوب الشرقي عامة، تسعى دائما إلى التنويع في مائدتها؛ وذلك بإضفاء نفس جديد على الأكل؛ حيث نجد نساء وفتيات يقتنين كتب الطهي من التقليدي إلى العصري إلى الغربي ومن الحلويات إلى العصائر إلى المملحات إلى غيرها من الكتب التي غزت الأسواق، ناهيك عن برامج الطبخ الإذاعية والتلفزيونية التي عادة ما تسجل فيها المرأة التنغيرية، والمغربية بصفة عامة، مشاركتها، خاصة بظهور القنوات المتخصصة في الطبخ بأنواعه وأشكاله وقاراته.

“فتسافر من خلال تلك البرامج إلى مطابخ العالم بدون تأشيرة، تخرج بعدها إلى السوق بحثا عن المكونات وبأسمائها الغربية، وتعمل جاهدة على تحضير الوصفة بحذافيرها، وتبقى من خلال ذلك المرأة تمارس طبيعتها كأنثى تعشق وتبدع في الطبخ لعائلتها من خلال المحافظة على أصالة المائة التنغيرية ومعاصرة الأطباق الوطنية والعالمية”، وفق تعبير المتحدثة.

وتبقى أجواء الصيام تسبق هلال شهر رمضان بأيام وحتى بأسابيع، من خلال حملات التنظيف واسعة النطاق التي تقوم بها ربات البيوت لاستقبال “الضيف الكريم” في أجواء بهيجة ينتشر فيها بكثافة باعة الأواني الطينية عبر الشوارع والساحات، وتلبس محلات التوابل حلة جديدة ويتفنن أصحابها في عرض سلعهم، لاسيما بالأسواق الأسبوعية واليومية، قبيل وطيلة الشهر الفضيل.

لكن، بحسب العديد من أبناء تودغى، هناك عادات وتقاليد حميدة اندثرت حتى عبر قرى المنطقة، منها ذبح المواشي وتقسيمها على العائلات المتجاورة في اليوم الأول وفي منتصف وفي يوم 27 من شهر رمضان، وهو ما يسمى بالجنوب الشرقي بـ”الوزيعة” التي كانت تغني الكثير من الأسر عن اللجوء إلى الأسواق، إلا أنها اليوم أصبحت مجرد ذكرى تروى في مجالس المسنين.

محمد أيت حساين

مشاركة