الرئيسية مجتمع جمال خليل: العنف بالدار البيضاء ليس طارئا  

جمال خليل: العنف بالدار البيضاء ليس طارئا  

كتبه كتب في 4 أبريل 2017 - 10:19
 
أكد السوسيولوجي جمال خليل أن العنف في الدار البيضاء، وكغيرها من الفضاءات الحضرية الكبرى، ليس طارئا، بل هو من صميم تكوينية هذا النوع من التجمعات. وقال خليل، في محاضرة نظمتها هيئة المعماريين بالدارالبيضاء، أن العنف ليس طارئا على المدن، بل هو لصيق بها كمجال لتمركز مكثف للناس وللخيرات.
وأضاف خليل، رئيس شعبة السوسيولوجيا بكلية الآداب بعين الشق، أن ما يجعل العنف، أكثر بروزا وراهنية في الوقت الحالي، هو التطور الإعلامي الكبير وإمكانية نقل حوادث العنف بطرق مختلفة. وبالرغم من صعوبة تحديد الأسباب التي تجعل العنف ظاهرة حضرية بامتياز، يقول خليل، العضو المؤسس للمركز المغربي للعلوم الاجتماعية،  فإننا يمكن الوقوف على تظافر مجموعة من العوامل من بينها شساعة الفضاء والخليط الواسع من الأفراد واختلافاتهم الاجتماعية وما تعرفه الروابط بين الجماعات من تراخ كبير لصالح العلاقات المبنية إداريا وتنظيميا” كما تعرف المدن بشكل كبير نوعا من التنافس الاجتماعي وما يرافق ذلك  من قيم المجهولية ، وتقسيم العمل.
غيرأن العنف، حسب مديرمختبر البحث حول التفاوتات الاجتماعية والهويات الجنسية التابع لكلية الآداب بعين الشق،، لا يقتصر على الفضاء العام، مادام أن الفرد يعيش داخل فضاءات مختلفة من حيث درجة حضور العنف فيها. فالمنزل، يقول ذات الباحث، فضاء قد يكون مجالا لتمظهرالعنف من خلال التوترات الأسرية، والعلاقة مع الجيران قد تتسم أيضا بالعنف، وتشكل المدرسة مجالا آخر للعنف إما الرمزي أو المادي. وفضاءات العمل بما تحمل من تراتبية وتحرش أخلاقي لا تقل عنفا عن غيرها، بل إن المدينة بصفة عامة هي مجال للثورات ضد انعدام العدالة”.
وحول أسباب انتشار العنف وكثافة حضوره بالمجالات الحضرية، قال خليل أن العلاقة مع الفضاء تشكل رهانا بالنسبة للأفراد وهم يتمركزون في مكان ما. وتشكل المدينة فضاء شاسعا متسما بالكثافة والتناقض والتعقيد ومن هنا فإن السؤال المطروح هو هل يمكن للفاعلين داخل هذا الفضاء بناء علاقات سلمية وخالية من العنف؟
وفي جوابه عن هذا السؤال أوضح، أن”الأفراد داخل المدينة يتدافعون، ويعوض بعضهم البعض، ويقصي بعضهم الآخر، ويصنعون أسوارا وعوازل فيما بينهم من أجل حصر الحركية داخل الفضاء، وهنا يطرح سؤال إمكانية تقاسم فضاء المدينة؟ يقول ذات المصدر.
إن هذا التقاسم والعيش المشترك يظل إمكانية قائمة إذا كانت فائدة التقاسم تفوق فوائد عدم تقاسمها. وهنا لا بد من التمييز بين نوعين من أنواع العنف : الاول يوصف بكونه غير مشروع ويحيل إلى عنف الأفراد. أما الثاني فهو الذي نطلق عليه العنف المشروع، ذلك  العنف الذي تمارسه الدولة حيث يكون هدفه المعلن محاربة النوع الأول.
ولعل من أسباب العنف أيضا، يضيف المتدخل، هو التناقض الذي يميز المجالات الحضرية الكبرى ما بين الكثافة والقرب الجغرافي بين الأفراد، والتباعد الاجتماعي حيث يضطر الأفراد إلى التساكن في فضاءات ضيقة الأمر الذي يرفع من منسوب العدوانية واللامبالاة في نفس الوقت.
ينضاف إلى ذلك ما يميز المدن من مظاهر التفاوت الاجتماعي، وتعدد الأنشطة وسيادة نوع من الفوضى التي قد تؤدي إلى سلوكات شخصية مختلفة كزيادة نسب الانتحار، الرشوة وظواهر العنف. وأمام المجهولية التي تسم العلاقات، تفرض الدار البيضاء نوعا خاصا من العلاقات بين الأفراد لتعويض العلاقة مع جماعة الانتماء أو طبقة الانتماء.
ولكل هذه الأسباب تشكل المدينة فضاء حاملا لعدد من الرهانات حيث يبدو العنف فيها  مرتبطا بالصراع من أجل استعمال الموارد التي يوفرها الفضاء الحضري. وهو فضاء تشعر فئات اجتماعية بالاندماج فيه، فيما تشعر أخرى بإقصائها منه خاصة وأن المجالات تنقسم إلى مجالات جاذبة وأخرى طاردة.
وهكذا يسعى الأفراد في الدار البيضاء إلى نهج استراتيجيات متعددة تنبني على لجوء الأفراد إلى بناء خارطة  للفضاءات التي يمكنه التجول فيها والفضاءات التي يعتبر التجول فيها خاضعا للحيطة والحذر، حيث قسم خليل تمثلات الناس للفضاءات الحضرية إلى فضاءات مسموح بها، فضاءات داخلية، وفضاءات مفتوحة أو منغلقة.
إلى ذلك، أكد خليل أن السياسات التعميرية والممارسات التدبيرية بالدارالبيضاء، وبفعل تداخل مجموعة من الفاعلين فيها تساهم في تصنيف، وتقسيم وإعادة تصنيف الناس تبعا لاعتبارات عديدة مما حول المدن إلى مجالات متفاوتة. هذا التدبير، أفرز نوعا من التهميش من خلال ظهور هوامش حضرية، تحولت تدريجيا إلى فضاءات للتهميش الاجتماعي. إنها صيرورة مستمرة ولصيقة بتدبير الفضاء الحضري حيث مجرد ما تصبح هذه الفضاءات المهمشة آمنة وجاذبة حتى تحتلها فئات اجتماعية جديدة تقوم بإزاحة الفئات الأولى.
ولم يفت خليل التذكير بالتعقيدات التي يواجهها الباحث عند تحليله لظاهرة العنف بالمدن، غير أنه يضيف أن جزءا من فهم الظاهرة يقتضي اعتبار عنف المدينة جوابا عن ضرورات البقاء حيث تجد الفئات الأكثر هشاشة نفسهها في فضاءات طاردة والأكثر إنتاجا للعنف، وحيث تجد جماعات اجتماعية نفسها محكومة بمنطق الإحباط ومضطرة إلى الاندماج في مجالات طاردة.
يذكر أن جمال خليل عضو مؤسس للمركز المغربي للعلوم الاجتماعية، ويشتغل مستشارا علميا بعدد من المنظمات والهيئات الدولية، كما سبق أن أجرى عشرات الأبحاث والدراسات الميدانية التي همت الفضاء الحضري للدار البيضاء ولعل أبرزها تلك التي همت تمثلات  العنف في الدار البيضاء.
 
     




مشاركة