الرئيسية مجتمع آيت عبدي وأيت علي ويكو… أفقر دواوير إملشيل تدخل سباتا شتويا

آيت عبدي وأيت علي ويكو… أفقر دواوير إملشيل تدخل سباتا شتويا

كتبه كتب في 28 ديسمبر 2016 - 12:28
آيت عبدي، آيت علي ويكو..قبائل تجمعها نقط مشتركة ( فقر مدقع، عزلة قاتلة، معاناة) عند كل شتاء، فتدخل حالة سبات شتوي، مع نزول الثلوج التي تعلن عن توقف قسري للحياة اليومية والحركة بالدواوير المتواجدة بقمم الجبال، بمنطقة إملشيل.
منازل يكسوها الثلج حتى تكاد تظن أن الحياة توقفت، سكون يخيم على المنطقة وزمهرير يكاد يشكل سمفونية خاصة لدواوير تقبع تحت وطأة البرد، يعيش سكانها واقعا بعيدا كل البعد عن شعارات التنمية، ومعاناة تصل مداها في غياب طرق معبدة تربطهم بالعالم الخارجي، لتعلن عن حصار يمتد لأيام، مع استحالة التنقل للوصول إلى أقرب نقطة أو سوق أسبوعي للتزود بالغاز والمواد الغذائية فوق ظهر البغال أو مشيا على الأقدام وقطع كيلومترات لساعات.
فقر مدقع  
حياة الساكنة بقبيلة آيت عبدي صعبة للغاية، لقد فرضت عليها الظروف الطبيعية القاسية العيش باعتماد على فلاحة معاشية وتربية المواشي، هذا إن سلمت من الكوارث الطبيعية التي تعصف المنطقة في الصيف والشتاء، يحكي محمد، أحد أبناء المنطقة: ” ففي الصيف تعرف المنطقة عواصف رعدية مهمة تأتي السيول على الأخضر واليابس وفي الشتاء تأتي الثلوج لتغطي الغطاء النباتي للمواشي، ويجد الكساب نفسه بين مطرقة الماشية وسنداد الأعلاف الباهضة الثمن في فصل الشتاء، أما البناء فهناك اكواخ طينية تختبئ الاسر تحتها كلما تهاطلت الامطار تهدد ارواحهم وفي فصل الشتاء، ومع تهاطل الثلوج تضطر الأسرة كلها لاعتلاء أسطح المنازل لإزاحة الثلوج المتراكمة تجنبا لذوبانه وتحاشي وقوع كارثة لا قدر الله”.
تعزل قبائل آيت عبدي، لوجودها على ارتفاع حوالي 3000متر عن سطح البحر وتعرف تساقطات ثلجية مهمة، وتصبح الساكنة محاصرة، خاصة لمن يود الانتقال من ايت عبدي إلى املشيل، فيكون أمام خيارين: إما كراء سيارة لاندروفير ب 700درهم او ذهابه على الأقدام ازيد من 7 ساعات.
حياة أومنجوج، عضوة بالمجلس الجماعي بإملشيل، لا تختلف كثيرا في وصفها لمعاناة قبيلة آيت عبدي، باعتباره أفقر الدواوير التي تبعد بحوالي 60 كلم عن إملشيل، ويعرف أربعة دوائر انتخابية له حدود مع ميدلت وأزيلال، لم تشفع له كثافته السكانية بأن يحضى بمستوصف أو كهربة قروية، في غياب طرق معبدة …أغلب ساكنتها من الرحل، تعيش على الرعي، وتضطر بعضها إلى النزوح في هذه الفترة نحو الصحراء بحثا عن الكلأ لماشيتها، بسبب غلاء العلف والخطر الذي يتهدد منازلهم المبنية من التراب …وتضيف حياة : ” الطبيعة القاسية للمنطقة جعلتها تحضى من حين لآخر بتدخل مروحيات الوردي في الحالات المستعصية نظرا لصعوبة الولوج إلى الدوار وغياب الطرق.”
بآيت علي ويكو، لا تختلف الأوضاع كثيرا عن آيت عبدي، يقول احساين وزني، رئيس جمعية أخيام، فالمسالك الوعرة، ومشكل التدفئة عنوانان بارزان لمعاناة مستمرة، فرغم فتح الطرق من حين لآخر، يشكل غلاء الحطب شبحا يطارد الأسر بالمنطقة، وتهدد الساكنة ذات المستوى المعيشي المتدني أوقاتا صعبة، خاصة بعد الفيضانات التي تقضي على المنتوج الفلاحي( البطاطس، القمح، التفاح..) ويؤثر على المواشي، التي تصبح الأسر عاجزة عن اقتناء العلف المرتفع الثمن، وتكبد مشاق التنقل في طرق غير معبدة. من أجل ذلك، يقول وزني، تتكفل الجمعية بالتدخل في بعض المجالات لمساعدة الساكنة بالمنطقة على تحسين مدخولها بخلق وحدات لإنتاج خل التفاح أو عصير، والبيض البلدي..
تامطوت…كفاح مستميت ونكران للذات
تعيش تامطوت… أو المرأة بالتعبير المحلي، بهذه المناطق حياة بئيسة لا يحس بها سواهن، يكافحن من أجل أسرهن مع نكران لذواتهن، يمارسن أعمالا شاقة منذ طلوع الفجر إلى غروب الشمس كنحلة لا تكل ولا تمل، تبدأ يومياتهن من المنزل قبل أن تتوجه إلى الجبال لجمع الحطب وتوفير لحظات من الدفء لأسرهن، ومواجهة البرد القارس الذي يصل درجات تحت الصفر، وجمع بعض العشب للبهائم، وتحد من حركتها الثلوج لتقف عاجزة عن الخروج فتجد أمامها مهمة أخرى بالاعتكاف داخل المنسج لتنسج ما يرتديه أولادهن.
أكبر معاناة تواجه “تامطوت” عند كل ولادة، بآيت عبدي وآيت علي ويكو، في غياب مستوصف يجنبهن مشقة التنقل إلى الراشيدية، باستثناء مستوصف أولغازي الذي يفتقر للتجهيزات اللازمة، تذوق المرأة عذاب المخاض وعذاب الانتظار عل وعسى تصل إلى أقرب مركز صحي دون أن تضطر لفقدان جنينها، تجربة قاسية لم تستثنى منها إلا القليل من نساء المنطقة، وعاشت تلك المعاناة “حياة  أومجوج” نفسها، وتحتفظ بذكريات سيئة عنها، تقول حياة: ” ما يروج له في وسائل الإعلام البصرية بعيد كل البعد عن حقيقة الوضع بالمنطقة والحياة الصعبة التي تعيشها الساكنة هناك، وعلى الخصوص المرأة”.
بآيت علي ويكو، تعمل المرأة على الأقل 14 ساعة في اليوم، يتوزع نشاطها بين المنزل لضمان مأكل للأسرة وللماشية، فتغيب ساعات أحيانا قبل وبعد ذوبان الثلج، بحثا عن عشب يسد جوع أغنامها، وتعيش الحوامل أوضاعا ” كارثية” في غياب متابعة طبية وطرق صعبة عبارة عن منعرجات قد لا تمكنها من الوصول إلى أقرب مستوصف، في ظل النقص الحاد في الأطر الطبية والتجهيزات القليلة.
في غياب التدفئة بالمدارس…شاي وخبز لأجساد مرتجفة
معاناة التلاميذ والأساتذة متساوية في المنطقة…الصغار يعانون قبل الكبار، يقطعون أحيانا كيلومترات في جو قارس، للوصول إلى حجة باردة، تختفي عنها صفة قسم دراسي، وأحيانا لا تتجاوز الحجرات حجرتين، تضم بين جدرانها أجساما ترتجف من شدة البرد، لتقضي ساعة أو أكثر لتدفئة أجسامها قبل البدء في أول درس.
بوجوه شاحبة، يتوجه تلاميذ المنطقة في ساعة مبكرة نحو “المدرسة”، يحملون بعض الثياب في كيس بلاستيكي كاحتياطي، لمحاربة آثار الصقيع فحيث قد يجد بعضهم نفسه وقد تبول في ملابسه بسبب البرد، في غياب نوافذ بأغلب الحجرات الدراسية بتلك المناطق النائية التي تعرف اكتظاظا، فأطفال الجبال لا يعرفون الياغور ولا المعلبات ولا البروتينات..، لا يعرفون سوى كسرة من الخبز مع كأس شاي او لبن تساعدهم على ضمان تدفئة ذاتية.
أغلب التلاميذ هناك ينقطعون عن الدراسة في المستوى الابتدائي، إما لأن دخل الاسر ضعيف جدا، أو لصعوبة المسالك  في ظل تساقط الثلوج وبعد الفرعيات عن سكنهم في إعلان عن توقف الدراسة، أما الأساتذة فيكون وضعهم أسوأ، فبعد تعيينهم يجدون أمامهم واقعا أبعد بكثير مما توقعوه، ويقع بعضهم في حيرة خاصة في حالة تعيين أستاذ وأستاذة، وفي غياب سكن وظيفي يكون على الأطر البحث عن حل للمشكل، بعضهم يحاول التأقلم مع الوضع والاستمرار في تدريس تلاميذ المنطقة، فيما يجد البعض الآخر عاجزا عن ذلك.
 بآيت علي ويكو، تغيب عن الأقسام التعليمية، حسب احساين، التدفئة في غياب الحطب أو الأفران التي تسلم عادة لبعض المجموعات المدرسية في إطار القوافل الإنسانية، ويتطلب من التلاميذ القيام بتسخينات ذاتية قد تستمر ساعة ونصف، في الوقت الذي يصاب نسبة كبيرة منهم بأمراض كالزكام.، والتهاب الحلق.. ينضاف إلى مشاكل التمدرس مشكل الاكتظاظ ونقص الأطر والبنية التحتية الهشة لبعض الفرعيات…واقع يعتبره احساين خارج عن تغطية وزارة بلمختار، لا يعرف معنى لهذه المعاناة سوى أطفال المنطقة وأساتذتهم ويعايشونها بشكل يومي.
أمينة المستاري
ج24
مشاركة