الرئيسية اراء ومواقف مات وليس في يده بندقية ولا غصن زيتون

مات وليس في يده بندقية ولا غصن زيتون

كتبه كتب في 2 يونيو 2016 - 21:53

مات محمد عبد العزيز، زعيم جبهة البوليساريو، ولا شماتة في الموت بين الأفراد كما بين التنظيمات والدول، بل الواجب احترام إرادة الخالق، وتعزية أهل الميت هناك في تندوف، ووالد عبد العزيز هنا في المغرب الذي بقي متشبثا بهويته ووطنه رغم مغامرات ابنه. مات من كان يحتل المرتبة الأولى في قائمة أعداء المغرب ومازال مشروعه حيا.
حمل محمد عبد العزيز السلاح 20 عاما، وفاوض 25 عاما، ومات كمحارب ليس من أجل السلام، ولكن من أجل مزيد من المعاناة لأهله وقبيلته ووطنه وقضيته… كانت أمام محمد عبد العزيز فرصة كبيرة ليسجل نفسه بين زعماء الحركات الثورية الكبيرة التي اختارت، بعد عقود من الحرب والدماء، أن تضع البندقية وتحمل غصن الزيتون، لكنه لم يفعل ذلك، للأسف الشديد. عندما جاء إلى عرش المغرب ملك جديد وفي يده حل لا غالب فيه ولا مغلوب (مشروع الحكم الذاتي الموسع)، تردد عبد العزيز، وفوجئ بشجاعة الحل إلى درجة الشك والخوف منه، ثم غلبت هواجس عبد العزيز القديمة عليه، ووجد أن بيضه كله في سلة الجزائر التي لا تريد حلا، بل جرحا مفتوحا لإضعاف الجار الخصم، وفي النهاية ضاعت على البوليساريو وعلى المغرب فرصة رؤية الضوء في نهاية نفق مظلم.
خصمنا الأول، مع ذلك، لم يكن انتحاريا، ولم يكن مجنونا متعطشا للدماء، ولم يسمع للجناح الراديكالي الذي كان يحرضه، كل مرة تفشل فيها المفاوضات مع المغرب، على حمل السلاح. ابن الصحراء آمن بأن الحل لن يكون عند فوهة المدافع، وأن الدبلوماسية والتفاوض والنفس الطويل هو الممكن سياسيا.
هل موت عبد العزيز مؤشر على موت حلم الانفصال في مخيمات تندوف؟ الجواب هو ليس بالضرورة، العكس هو المحتمل وقوعه، حيث ستسعى القيادة الجديدة إلى إثبات الذات أمام جمهور محبط، ومادامت جبهة التفاوض مع المغرب شبه ميتة، ولا اختراقات محتملة على واجهتها، فإن جبهة الحرب أو المناوشات العسكرية قد تغري القيادة الجديدة بتجريب حظها، خاصة إذا تلقت الضوء الأخضر من الجزائر… من السابق لأوانه التكهن الآن بسلوك القيادة الجديدة، لكن خبراء التنظيمات الثورية والراديكالية والانفصالية يتحدثون في دراساتهم عن خمسة أسباب يمكن أن تنهي حياة أي من هذه التنظيمات؛ هناك أولا موت القادة الملهمين أو القضاء عليهم أو اعتزالهم، وفي حالة البوليساريو، فإن قادة كثيرين ماتوا أو رجعوا إلى المغرب، لكن مازال آخرون على قيد الحياة يغذون أطروحة الانفصال تحت رعاية كاملة للجزائر، التي تضع إمكانات كبيرة تحت تصرفهم، لم يسبق أن أعطيت لأي تنظيم انفصالي أو تحرري في العالم. يكفي أن نعرف أن للجزائر حوالي 90 سفيرا في عواصم العالم يشتغلون، صباح مساء، على تسويق قضية البوليساريو، وبعدها يلتفتون إلى قضايا الجزائر؟ وهناك سبب ثانٍ لنهاية التنظيمات الانفصالية، وهو فشل الجيل الأول في نقل الرسالة إلى الجيل الثاني، حيث تقع قطيعة بين جيلين فتنتهي حكاية التنظيم، وهذا احتمال مازال بعيدا في حالة البوليساريو، حيث نلاحظ أن معاناة الشباب الصحراوي في مخيمات تندوف لا تزيد أغلبهم إلا راديكالية وميلا إلى حمل السلاح، الآن على الأقل. وهناك السبب الثالث لنهاية التنظيمات الانفصالية، وهو تحقيق أهدافها السياسية، أو بعضها على الأقل، فيصبح التنظيم غير ذي موضوع. في حالة البوليساريو فإنها التنظيم الوحيد الذي لم يغير من مطالبه خلال 40 سنة من النزاع، فهو يتشبث بكل شيء أو لا شيء، في حين يتشبث المغرب بالوحدة الترابية، فيما الحلول الوسطى ليست على طاولة الجزائر، والقوى الكبرى تدير النزاع الذي لا يكلفها شيئا، وهي ليست متحمسة الآن للاستثمار في حله. أما السبب الرابع لفشل هذا النوع من التنظيمات فهو فقدان السند الشعبي إما بسبب أخطاء التنظيم، وإما بسبب تغير قناعات أصحاب القضية، وهنا توجد عقدة المنشار، حيث تراقب البوليساريو «حاضنتها الشعبية» في الرابوني، وترفض حتى إحصاءهم أو إعطاءهم حرية التعبير لنعرف اتجاهات الرأي داخلهم. أما السبب الأخير الذي ينهي عمر التنظيمات الانفصالية فهو تقادم الأهداف التي من أجلها قام التنظيم، وهذا ما تحاول الجزائر أن تمنع حصوله، وتغذي الصراع ماليا وعسكريا ودبلوماسيا وإعلاميا حتى لا يتقادم، فتقادم نزاع الصحراء لن يحصل حتى تتقادم الحساسية السياسية والنفسية الموجودة لدى حكام الجزائر تجاه المغرب.. آنذاك يمكن أن تفتح أبواب حل ممكن لهذا النزاع.

مشاركة