الرئيسية اراء ومواقف إفني -ايت باعمران : الضَّباب لمواجهة السَّرَابْ

إفني -ايت باعمران : الضَّباب لمواجهة السَّرَابْ

كتبه كتب في 22 يونيو 2015 - 03:33

هي فكرةٌ بديعةٌ، جديدة ومبتكرة، حسنة وخلاقة. ظهرت لأول مرة في المغرب من أعلى قمم جبال آيت باعمران. هي مبادرة لا يمكن لنا إلا أن ننوه بها، أن نتحدث ونكتب عنها، باختصار أن نفتخر بها في كل زمان ومكان. لأنها بكل بساطة، بدأت كفكرة صغيرة منذ سنوات، اليوم أصبحت مشروعا وطنيا ودوليا كبيرا ومهما. نعتز به كمشروع لأنه إنساني واجتماعي وتنموي في نهاية المطاف. لا بد أن نسجله في تاريخ المنجزات العظمى، لأننا لا نكتب فقط عن اليأس والبوليميك الفارغ، وإنما كذلك عن المبادرات الناجحة والأفكار النيرة والطموحة. نشعر بالفخر والاعتزاز حين نرى مشاريع وأفكار خلاقة تتحقق على أرض الواقع بتضحيات جليلة، مثل مشروع تجميع مياه الضباب  بالجماعة القروية “لثنين أُوملُّو” في آيت باعمران.

اسمحوا لي يا سادة؛ أن يتم التفكير في محاربة الظمأ والعطش في الجبال والأرياف المهمشة والمنسية بمياه الضباب، فذلك يجسد قمة الإبداع والاجتهاد يا أولي الألباب. فيه حسٌّ وتفكير قبل أي تفسير، فيه وعي ثاقب بخصوصيات الجغرافيا والمناخ. مشروع وضع حجر الأساس لعهد جديد من التناغم والتلاحم بين التنمية والبيئة. قبل هذا وذاك، فمشروع حصاد الضباب فوق جبال ايت باعمران هو حوار بين الطبيعة والإنسان بلغة التضامن والتفاهم.

 في هدوء وصمت، صعدت جمعية “دار سي حماد للتنمية والتربية والثقافة”، ورئيسها “عيسى الدرهم”، إلى جبل “بوتْمْزْكِيدَا” سنة 2006. صعود مصحوب بهواجس وأسئلة حارقة، تساءل واقع مرير لساكنة تعيش في نسيان وتهميش وضياع، لنساء يواجهن كل ظروف القساوة والحاجة، الفقر والعزلة والعطش. فوق قمم تلك الأعالي، طُرح السؤال ما العمل من أجل إنقاذ هؤلاء السكان من شبح الرحيل. فحين ينعدم الماء تحشد الهمم والحقائب للهروب. فَعِوض النظر إلى السماء للدعاء وانتظار المطر، تم التفكير في حل آخر باستعمال الذكاء والتقنية. في تلك  الهضاب؛ تولدت فكرة الضباب. ومن كان يفكر في ذلك ؟

ومنذ ذلك الحين، أي سنة 2006، بدأت الفكرة في التجريب، لتصبح في سنة 2015 مشروعا قائما بذاته، يحقق أهدافه ويلبي حاجات الناس في توفير مياه صالحة للشرب، ويضع حدا لمعاناة النساء والفتيات في البحث والتنقل بين نقط الماء البعيدة والجافة. ما يقارب 10 سنوات من العمل والبحث والتجريب لتقنيات حصد مياه الضباب وتجميع ما يحمله من رذاذ ورطوبة وفق معايير مضبوطة ومقاييس محسوبة.  تكللت في الأخير بنجاح ليتم نقل تلك المياه إلى البيوت عبر قنوات وصنابير، وترسم الابتسامة في وجوه الصغار قبل الكبار، في مشروع غير مسبوق في المغرب وشمال إفريقيا. ليتم تدشينه في اليوم العالمي للماء. وهذه إشارة دالة ومعبرة عن روح التضامن، وعن مفهوم جديد للتنمية، وجيل ايكولوجي واعد، إنه أكبر احتفاء بالذي جعل منه كل شيء حي، أيُّما احتفال، بتخليد الابتكار.

حصادُ الضباب، “تَامْكْرَا نْ تَاكُوتْ”، في الهُنا والآن، يجب أن يكون درسا لكل المشتغلين والقيمين على الشأن التنموي المحلي في افني وسائر مناطق المغرب. لأنه وللأسف الشديد، أصبح هذا الورش التنموي الضخم الذي بدأ في المغرب خلال السنوات الأخيرة، مرتعا للفساد والمفسدين وتراكم الفشل والتخبط. وأضحت جمعيات وتعاونيات تفرغ في المشاريع التنموية بدون رؤية ولا إستراتيجية واضحة تضع المردودية فوق كل اعتبار، تضع الإنسان ومحيطه البيئي في صلب الأولويات. صحيح ومؤكد بوجود مشاريع تنموية ناجحة ممولة من طرف الدولة وشركائها في المجتمع المدني، ولكن توجد نماذج أخرى فاشلة سيئة، وغير جدية، لأسباب عديدة ومعقدة فيها ما هو تقني-إداري وسياسي واجتماعي وحتى ثقافي مرتبط في الغالب بذهنية المجتمع. وكم من مشروع تم تمويله وصرفت عليه ميزانيات ضخمة، لكنه فشل ولم يحقق أهدافه وأصبح سرابا.

في الثقافة الميثولوجية المحلية، يتحدث الناس في الجنوب وفي ايت باعمران تحديدا، عن “أمَانْ نْ مَارُورْ” تعبيرا عن الوهم والسراب، اليوم يمكن الحديث عن “أمَانْ نْ تَاكُوثْ” للتعبير عن مشروع ناجح ونموذجي، عن الأمل والطموح والابتكار.

شكرا لجمعية “دار سي حماد”، شكرا لرئيسها عيسى الدرهم.

عبدالله بوشطارت

مشاركة