الرئيسية مجتمع الشباب المغربي وأزمة “السراويل”..

الشباب المغربي وأزمة “السراويل”..

كتبه كتب في 21 سبتمبر 2014 - 14:01
بات من الواضح لأي متجول في شوارع المدن المغربية دون تخصيص و على وجه التحديد في فضاءاتها العمومية، أن يلاحظ التغير الكبير الذي عرفه المجتمع المغربي خصوصا في الشق المتعلق بالأزياء و الألبسة التي أضحى الشباب و الشابات المغربيات يرتدينها، حسب البعض جزء من هذه الأزياء لازالت تؤدي وظيفتها التقليدية المتجلية في ستر العورة غير أن الجزء الأكبر حسب البعض الآخر زاغ عن هذه الوظيفة أو بالأحرى أدخل تعديلات عليها من قبيل العصرنة و الحداثة و اللمسات الغربية فأضحت تكشف العورة أو بعبارة ألطف تحدد معالمها و حدود امتدادها (الطول و العرض) عوض سترها، و هو الأمر الذي دفعنا لطرح السؤال حول ما هو سبب هذا الزيغ؟
للأسف الجواب الذي نصطدم به هو مواكبة “الموضة” هذا المصطلح الذي أصبح يردده كل كبير أو صغير في المجتمع المغربي ، لكن أية موضة هل التي تراعي تعاليم ديننا الحنيف الذي هو الإسلام أم التي تواكب صيحات الموضة الأجنبية ؟ الواقع يشهد بالغلبة للصنف الثاني حتى ولو أردنا التضليل و ترجيح كفة الصنف الأول، و سنحاول إعطاء نماذج من الواقع المغربي تكرس هذه الغلبة في صفوف الشباب على وجه الخصوص مطبقين مبدأ المساواة بين الجنسين.

ظاهرة تنزيل السراويل عند الشباب”السراويل الواقعة”

لعل أبرز مظاهر تغليب الشباب لصيحات الموضة هي تلك التي تكرسها الكيفية التي أضحى بعض الشباب يلبسون بها سراويلهم، بحيث أصبح يتعذر عليهم رفع هذه الأخيرة (سراويلهم) إلى الحد المألوف، أي بالقدر الذي يستر أو يغطي الجزء السفلي من أجسامهم كما هو مفترض والذي يمكن أن يضمن لها أداء الوظيفة التي أحدثت من أجلها، لكن الملاحظ أن هؤلاء الشباب أرادوا أن يمتعوا هذه السراويل بجزء مبالغ فيه من حرية “التنقل”، و بغية استزادة رصد الظاهرة كان لزاما علينا استفسار أحد الشباب المعنيين بالأمر فوقع الإختيار على «خالد» شاب في ريعان شبابه سألناه عن الغاية من عدم رفع السروال إلى الحد المألوف فلم يبخل عنا بجوابه التالي” الموضة ديال دابا هيا هادي” صراحة جوابه هذا افتقد للتعليل و للإقناع فكان هذا خير دليل على أن المسألة تقليد و محاكاة فقط ، وهو ما حثني على البحث عن مصدر هذه الظاهرة.
مصدر الظاهرة
فوجدت أن هناك إجماع على أن الظاهرة أمريكية الأصل ظهرت مع ثقافة “الهيب هوب” و خرجت تحديدا من وراء قضبان السجون و السبب هو منع السجناء من ارتداء الأحزمة في السجن درءا لاستعمالها في العراك و القتال و ضرب بعضهم بعضا، و هو ما كان وراء تدلي سراويل السجناء إلى نقطة ما تحت «الخاصرة» لتتشبث في عظام الحوض، و لابد من الوضع في الحسبان البنيات و الاجساد العملاقة التي كان يتمتع بها هؤلاء بحيث لا سبيل للمقارنة مع الشباب المغاربة، فكانوا لما يخرجون من السجن يتعودون على السراويل النازلة بحكم المدة الطويلة التي يقضونها بالسجن فيستمرون في لبسها بالطريقة نفسها.

ظاهرة السراويل اللاصقة أو الفيزون في صفوف الشابات

على غرار الشباب، الشابات بدورهن لم يسلمن ..إذ انتشرت في صفوفهن عينة من السراويل ذات مواصفات خاصة، تختلف كل الاختلاف عن السراويل التي دأبت النساء على ارتدائها،سراويل تباينت حولها الآراء و تعددت التصورات واختلفت الأسماء بين « السليم، السراويل الكاشفة، سراويل التصريح بالممتلكات، سراويل HD ، الدجيكنز…» لكن الوظيفة تبقى واحدة، سراويل وجدت ضالتها في صفوف الفتيات على وجه الخصوص التلميذات و الطالبات، وهو ما دفعني إلى محاولة الاستفسار حول مواقف الأشخاص من هذه السراويل الدخيلة على المجتمع إلى حد ما.
قررت تطبيق مبدأ التوجه مباشرة نحو الهدف، فكانت أولى الشهادات التي استقيتها تخص ” رانية” تلميذة في سن 19 تقطن بنفس الحي الذي أقطن به صادفتها بمقربة من موقف الحافلة فسألتها بطريقة غير مباشرة نظرا لحساسية الموضوع وكان سؤالي كالتالي “يبدو أنك استيقظت متأخرة فعجلت إلى موقف الحافلة دون أن ترتدي «بنطلونك»؟ أجابتني بطريقة أبانت فهمها لقصدي «هادشي ليخارج دابا» بمعنى أن هذه هي موضة اليوم

جوابها لم يشف غليلي، كما لاحظت أنه لم يشف غليل البعض ممن كانوا ينتظرون الحافلة مثلي، خصوصا السيدة “سعيدة” التي لاحظت أنها حاولت كبح جماح تدخلها لكنها لم تستطع فانتظرت إلى أن سنحت لها الفرصة لتقول لي بإيجاز «هذا هو الجيل المقزب أوليدي» بمعنى أنه جيل يميل إلى كل ما هو ضيق، انتابني الفضول فسألتها عن ما إذا كانت لها بنات في سن “رانية” أجابت بنعم وابتسمت ليتضح لي أنها تنبأت بسؤالي التالي قبل طرحه فقالت«بناتي بدورهن يطالبنني بإقتناء مثل هذه السراويل لكنني أقيد طلبهن بارتدائها في البيت فقط.»


موقف الجنس الخشن من الفيزون 

أردت تغيير الوجهة واستفتاء أشخاص آخرين حول موقفهم من هذه “السراويل”، فوجهت سؤالي إلى “منير” طالب بأحد المعاهد الخاصة والذي كشف لي أن هذه السراويل أضحت تخلق الفتنة في المجتمع بل و اعتبرها الفتنة التي تغذي ظاهرة التحرش مضيفا قولة«الله يجي من جيهتنا وخلاص» موقفه هذا شجع زميله على التدخل في النقاش، ليكشف بدوره أن هذه السراويل تشجع على الفساد وأن وظيفتها إغرائية بإمتياز،تلجأ إليها بعض الفتيات لإثارة الانتباه و جذب الأنظار يقول «كيف نستطيع ألا نتحرش بهن، وهن يصرحن بممتلكاتهن و يكشفن جغرافية أجسادهن منهيا تدخله بالمقولة الشهيرة- إذا كان إرتداء سراويل HD حرية شخصية،فالتحرش حق شخصي» موقفه هذا لم يلق استحسان إحدى الشابات التي كانت من سوء الحظ ترتدي أحد هذه السراويل موضوع النقاش ،والتي يستشف من مظهرها أنها من متابعات الموضة عن كثب، إذ اعتبرت أن ارتداء هذه السراويل ليس بعيب أو عار، بالنسبة لها هي مصدر راحة وتعطيها جرعة من الخفة و الرشاقة لأنها تيسر الحركة. موقفها هذا رحبت به بعض الفتيات التي صفقن و هللن لها، لكنه ووجه بالتحفظ من قبل فتيات أخريات، ومن ضمنهن “سارة” التي أغنت النقاش بموقف وسط قلب الموازين رأسا على عقب بحيث ميزت بين صنفين من الفتيات: الأول يشمل الفتيات اللواتي يرتدين هذه السراويل مع أقمصة طويلة و هنا لا يطرح الإشكال أو بعبارة تقل معه حدة الفتنة بالنسبة لها،والثاني يشمل الفتيات اللواتي يرتدين هذه السراويل مع أقمصة قصيرة،وهنا يكمن الخطرأو “هذه هي المصيبة” على حد قولها.

بغية تناول الموضوع وفق مقاربة تشاركية ، قررت الإستعانة بأحد الاقربين من الموضوع السيد “أسامة” صاحب محل تجاري متخصص في الألبسة النسائية والذي كشف لي بأن الإقبال كبير على هذه اللأصناف من السراويل على عكس باقي الموديلات، و أضاف أن الطلب يكون بكثرة على الألوان الفاتحة(الزهري،الأصفر،الأزرق…) كما كشف مستورا آخر وهو أن الأمر لم يعد حكرا على الفتيات فقط، بل العدوى انتقلت إلى صفوف بعض النساء المتقدمات في السن.

الرباط: “العلم”

مشاركة