الرئيسية مجتمع نقاشات جامع الفنا: حكايات خلف النقاب

نقاشات جامع الفنا: حكايات خلف النقاب

كتبه كتب في 18 مارس 2014 - 12:44

ساحة جامع الفنا كانت تعج في ذلك اليوم بعدد كبير من السياح المغاربة والأجانب، فاليوم كان أحد أيام العطلة المدرسية. النساء بالساحة لهن حظهن في استغلال المكان، فهناك النقاشات وبائعات الطواقي والحلي و«الشوافات» كذلك. جل هؤلاء النساء أرامل ومطلقات ومتزوجات وعازبات من مختلف الأعمار غطين وجوههن بالنقاب، الشيء الذي يثير انتباه الزائر لأول مرة للمكان، لكل واحدة منهن سبب إخفاء وجهها.بعضهن يعملن بكد وبعضهن يعملن كوسيطات في الدعارة والبعض الآخر تعرض للتحرش الجنسي أكثر من مرة.. فلكل واحدة منهن حكايتها وآلامها التي تحملها معها.

امرأة تقليدية ترتدي جلبابا وتضع على رأسها منديلا وعلى جهها نقابا كأنها تخاف أن يعرفها أحد. تأخذ مكانا لها بساحة جامع الفنا بجانب مجموعة من النساء.

تجلس المرأة ذات الثلاثين سنة من عمرها على كرسي قبل أن تبدأ في إعداد أدوات عملها التي هي عبارة عن حناء سبق أن أعدتها وحقنة خاصة بالنقش و«كاتالوج» به صور خاصة بمجموعة من النقوشات المتنوعة.

نقش وأشياء أخرى..

يكاد صوت المرأة لا يسمع من فرط الضجيج الذي تحدثه نساء جالسات بالقرب منها يدعون سياحا بلغات متنوعة للاستفادة من نقشهم المتميز. ضجيج لايفوقه إلا أصوات الحلقات المنعقدة هنا وهناك والتي تؤثث فضاء ساحة جامع الفنا بمراكش.

يبدو أن تجربتها في عالم الوساطة في الدعارة جعلتها تشعر أن الرجل الذي يقف أمامها يرغب في قضاء ليلة ممتعة (!). أخبرته أن جميع الأعمار لديها، طفلات في الثالثة عشرة أو الثانية عشرة أو حتى عشر سنوات، كل شيء متوفر لديها.

عندما لمست اهتمامه ببضاعتها طلبت منه أن يعود ليلتقي بها في نفس المكان عند السادسة مساء وسيجد ما يرغب فيه، إنها طفلة تبلغ من العمر إحدى عشر سنة.

سألها الزبون إن كان أهلها سيحتجون على الأمر فأجابته الوسيطة بأنها لا تريد إلا المال، ثم سألها ماذا إن علم والدها بممارستها للدعارة، طمأنته الوسيطة بكون الطفلة يتيمة، وأنها الوحيدة القادرة على إحضارها له إلى مكان إقامته إن كان يرغب في ذلك، لكن كل شيء بثمنه.

دخل عمل هذه المرأة كنقاشة لا يكفيها لسد متطلبات حياتها وحياة ابنيها، فتعنت زوجها السابق وعدم إنفاقه على ابنيه، السبب في عملها كوسيطة في الدعارة، حسب ما تحكي إحدى زميلاتها في نفس العمل.

زميلتها في نفس الحرفة، تقول إن دخل أغلب النقاشات بجامع الفنا لا يتجاوز  150 درهما يوميا وفي أحسن الأحوال، وهنا تقصد أيام العطل المدرسية والصيفية، فالنقش على الأصبع يساوي 20 درهما والنقش على الأيدي والأرجل لا يتجاوز 80 درهما، في الوقت الذي    قد لا يفوق فيه عدد الراغبين في الاستفادة من النقش إلا شخص واحد أو شخصان في اليوم.

هذا الأمر قد يضطر بعض النقاشات حسب هذه المرأة، إلى العمل كوسيطات أو كعاملات جنس أو العمل كنقاشات خاصات.

نقاشات خاصات

سعيدة امرأة تعمل بجامع الفنا كنقاشة تقول «بعض السياح يطلبون من بعضنا وضع نقش في أماكن من جسدهم، وأقصد هنا النقش على الجهاز التناسلي للرجل أو المرأة أو على جانب الثديين أو على الثدي نفسه، وهذا بالطبع يتطلب الانتقال إلى أماكن إقامتهم .صحيح أن الدخل هنا يكون مرتفعا، لكن بعض النقاشات لا تجازف بالأمر، فقد تتعرض للاعتداء الجنسي الجماعي مثلا أو لأي شيء من هذا القبيل. وقد كانت لي شخصيا تجربة مشابهة».

بهذه العبارة بدأت أسماء حديثها قبل أن تعدل من وضع الشمسية التي تحجب عنها بعض أشعة الشمس، لتستطرد قائلة «احنا ماشي فاسدات أو كان نبيعو دراري للكْوَر، احنا بنات وعيالات كنجلسو هنا سوايع طويلة تحت الشمش باش نجيبو لفلوس وباش نعيشو بيها ولادنا، تقدر البعض منا دير شيحاجة خارجة القانون لكن رغما عنها، وفي غالب الأحيان هما دخيلات على لحرفة».

في ساحة جامع الفنا، قد يصادف الزائر سائحا يتحرش ببعض النقاشات أو المشتغلات بشكل عام بالساحة. خصوصا أولائك الذين تكون لهم رغبات خاصة في دعوتهن إلى أماكن إقامتهم للنقش على مناطق حساسة من جدسهم أو أولائك الذين يطلبون منهن توفير مرافقات خاصات.

إخفاء الوجه

جامع الفنا يعج بالكثير من النساء العاملات كنقاشات أو متخصصات في قراءة الطالع ومعرفة الغيب وكذلك النساء اللواتي يبعن الحلي والطواقي. أرامل ومطلقات ومتزوجات وعازبات من مختلف الأعمار غطين وجوهن بالنقاب. الشيء الذي يثير انتباه زائر المكان لأول مرة، لكل واحدة منهن سبب تغطية وجهها.

حسناء في الثلاثين من عمرها تقول، إنها تعمل على إخفاء ملامح وجهها حتى لا يعرفها أحد أنها تعمل نقاشة، رأي قد يثير العديد من التساؤلات عند البعض، صحيح أن الزائر قد يتقبل إخفاء المرأة  ،التي تدعي معرفة الغيب أو تمارس الشعوذة ،لوجهها، لكن النقش مهنة يحترمها العديد من الناس!!

تستطرد زميلتها قائلة، «إن ساحة جامع الفنا قد تعرف من حين لآخر كأي مكان في المغرب بعض التجاوزات التي يعتبرها الناس غير أخلاقية، لذلك تعمد بعض النساء هنا إلى إخفاء وجوههن لهذا السبب».

على كرسي صغير تضع مليكة وهي أم  لطفل، معدات حرفتها المكونة من «سورانغ» يحتوي على الحناء بالإضافة الى «كاتالوج» يتضمن مجموعة من الصور لمختلف أنواع النقش بالحناء الخضراء أو السوداء، تتطلع وجه كل زائر قبل أن تقترح عليه نقش أصبع أو يد أو رجل، ترى هذه المهنة وتقصد النقش، قد أصبحت تثير الكثير من الجدل بالنظر لتسرب مجموعة من النساء والفتيات اللواتي يتخذن من هذه المهنة طريقة لممارسة الجنس بمقابل أو الوساطة فيه. وربما لهذا السبب تعمد البعض إلى إخفاء وجهها حتى لا يعرفها أحد من أقربائها أو معارفها، لكن البعض الآخر يرى أن سبب إخفاء الوجه يرجع إلى الاحتماء بالنقاب من التأثيرات السلبية لأشعة الشمس على بشرتهن بسبب وجودهن ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة.

قراءة الطالع

بساحة جامع الفنا بمراكش، هناك نساء يدعين قراءة الطالع يحتللن جزءا لا بأس به من مساحة الساحة لقراءة الطالع والغيب ،أو بعبارة أصح لممارسة الشعوذة والدجل، فهناك من تقوم بقراءة الورق «الكارطة» وهناك من تعتمد على «التسبيح» وهكذا.

فدوى شابة في مقتبل العمر توجهت بمعية صديقتها عند أول امرأة دعتها لقراءة طالعها، بسطت المرأة ورقة اللعب أي «الكارطة» أمام المرأة قبل أن تقول للفتاة « إنك ضحية «سحور رمته» امرأة تغار منك  في مياه البحر، فابتلعته سمكة وكلما ابتعدت السمكة عن الشاطئ ضاع أملك في الزواج«. طلبت الفتاة معرفة أوصاف من قامت لها بالسحر، فما كان على المدعية إلا أن قدمت لها أوصافا عامة على غرار أنها امرأة ليست بالطويلة ولا القصيرة ولا بالسمراء أو الشقراء أو هكذا. بل حاولت إيهامها بأنها القادرة على إيجاد حل لهذه المعضلة وإبطال السحر. فهي القادرة على جلب هذه السمكة من قاع البحر وإخراج «سحور» من جوفها بفضل خدامها من الجن ، لكن هذا لن يحدث إلا إذا صاحبتها إلى بيتها القريب من الساحة.

المعلوم أن هذه الفتاة متزوجة منذ سنوات وفضولها هو الذي دفعها للجلوس أمام تلك المرأة لمعرفة طالعها لتصدم بأنها مدعية وتنصب على أصحاب النفوس الضعيفة باسم تمكنها من معرفة الغيب.

اليوم مشمس، والمكان يعج بالعديد من النساء والراغبين  في معرفة مستقبلهم كيف سيكون وكيف يمكنهم امتلاك قلوب أحبائهم وفك عقدة «العكوس والتابعة» وما إلى ذلك. لكن هذه المرأة وغيرها من المشعوذات والدجالات يطلبن عادة من الزبناء الالتحاق بهن     بمنازلهن، حيث يمكنهن إجراء وصفات خاصة ، كأن ساحة جامع الفنا أصبحت مكانا مناسبا لهؤلاء، خصوصا في الأيام التي يعرف فيها المكان إقبالا كبيرا من طرف الزوار والسياح لاستقطاب أو اقتناص الزبناء من بين هؤلاء.

لتستمر حكاية نساء ساحة جامع الفنا

سميرة فرزاز

مشاركة