الرئيسية مجتمع كيف يسخر المغاربة من لونهم وأصلهم ونسائهم وفقرهم …!

كيف يسخر المغاربة من لونهم وأصلهم ونسائهم وفقرهم …!

كتبه كتب في 6 أكتوبر 2013 - 09:37

مقارنات لا تحتكم لميزان المنطق.. عبارات مرحة وأخرى قاسية أو قدحية.. صفات لصيقة بمناطق محددة، وأخرى مشاعة بين كل المغاربة هكذا هي الأساليب التي يستعملها المغاربة للسخرية من بعضهم البعض، متجاوزين الطرق التقليدية التي تعتمد النكات الشفهية، لتتحول النكتة إلى مرجعية تؤطر رسومات، أو صور، أو فيديوهات يتداولها الناس على الأنترنيت الذي غذى بدوره روح السخرية من خلال محاكاة نماذج تتسم شعوبها بخفة الدم.

قالك هذا واحد الـ…، لازمة تتردد داخل كل تجمع يختار أصحابه السخرية أو التهكم من الآخر المغاير في اللهجة، والانتماء الجغرافي والاجتماعي، ليملأ الفراغ بكلمة العروبي، أو الشلح، أو الفاسي، أو البركاني …، «تداول نكات عن الأمازيغ بالنسبة لي أمر عادي جدا ولا يعني السخرية، أنا والدي سوسي ووالدتي دكالية، لكنني لا أتحرج من ذكر نكات عن بخل سواسة من باب الدعابة خاصة أنني تعودت سماعها في جو عائلي مرح كلما زرنا عائلة والدتي» تقول سعاد التي ترى أن صفة البخل كما يتم تداولها داخل النكت تحيل على الصرامة والجدية في التدبير المالي.

” تعلم يكابري .. باع الرويضة القدامية”

صرامة التدبير وفرت لسعاد حياة مريحة بفضل والدها الذي يمتلك مجموعة مدارس تديرها والدتها، إلى جانب عمله كمقاول، وهو ما يجعلها تفتخر بصفة البخل، «إلى كان التسقريم هو طريق النجاح، فيشرفني أن أكون سوسية سقرامة» تقول سعاد وهي تضحك من الصفة التي لا تتردد هي وأشقاؤها في تكرارها أمام والدهم كلما تعنت في تنفيد طلباتهم، معتبرة أن النكت طريقة مرحة للتهكم من وصاية الأب وطريقة معالجته للأمور، «عندما حصلت على رخصة السياقة التي تزامنت مع حصولي على شهادة البكالوريا اعتقدت أن والدي الذي قرر تغيير سيارته سيهديني إياها بعد اقتنائه لأخرى، لكن شقيقي الأصغر كان يتهكم مني ويذكرني بنكتة السوسي مللي شرا بيكالا وفاش تعلم يكابري بيها باع الرويضة القدامية .. لذلك لم أحصل على السيارة بعد أن باعها والدي» تقول سعاد ضاحكة قبل أن تستطرد بأن الأمر لم يكن من باب البخل لأن والدها من النوع الذي يحب إعداد أبنائه لتحمل المسؤولية والحصول على وظائف تمكنهم من الاستقلالية في سن مبكر، لذلك لا تتحرج من استخدام نكات تترجم أسلوب عيش الأمازيغ بطريقة مضحكة، « قد يستعمل البعض هذه النكت علي أساس التهجم والانتقاص في بعض المواقف وهذا ما يخلق جوا مكهربا قد يؤثر على علاقتي بهذا الشخص إذا شعرت أن نيته من النكتة هي الإساءة، لكن بالنسبة للأصدقاء المقربين نتداول النكت على أساس المزاح، مثلا أنا شخص عنيد جدا لا يتراجع عن هدفه مهما كانت العقبات، لذلك لا أقلق عندما يذكرونني بنكتة الشخصين الأمازيغيين اللذين دخلا في تحدي حول قارورة زيت يفوز بها من يصمد أكثر تحت الماء، ليتفاجأ الناس أن الاثنين عاندا بعضهما حتى توفيا تحت الماء » تقول سعاد التي تعتبر أن النكتة تشير للعناد الأمازيغي الذي يترجم إلى نجاحات.
ويرى علي الشعباني الأستاذ الباحث في علم الاجتماع أن السخرية « ظاهرة قديمة جدا، وحاضرة في كل المجتمعات وهنا يمكنني أن استحضر سخرية الفرنسي اتجاه البلجيكي كمثال، والمغرب طبعا ليس في منأى عن هذه الظاهرة لعدد من الاعتبارات أهمها أن المغرب على المستوى الجغرافي يعد ملتقى تاريخيا لمجموعة من القوميات والوافدين لكونه ممرا مهما كان يربط الشرق بالغرب، والشمال بالجنوب، وهو ما نتج عنه اختلاط الأقوام، وعلى الرغم من وجود العديد من الايجابيات لهذا الاختلاط خاصة على المستوى التجاري، إلا أن المكان الذي يكون ملتقى قوميات ينتج أحيانا مجتمعا غير منسجم يفتقد الثقة في الآخر بسبب الجهل بخصائص هويته، أو بسبب التخوف من الآخر الذي ينافسه، لذلك يكون سبب السخرية أحيانا تعبير عن العجز لعدم القدرة على منافسة الآخر فيما يبرع فيه، أو فيما احتكره، لذلك تترجم الغيرة من هذا النجاح إلى سخرية مبنية على التنقيص من المنافس».

أبناء البادية .. يسخرون من “وليدات الضو”

ولأن المنافسة لاتقتصر على موضوع دون آخر، تتحول كل منطقة إلى مادة سخرية انطلاقا من الصبغة التي تميزها، ولعل هذه ما جعل من سكان المناطق الشمالية الذين يتميزون بلغتهم الأنيقة “الممجدة لحرف القاف”موضوع الكثير من التندر من باقي سكان المناطق الذين تتميز طريقة كلامهم بنوع من الشدة ، «تزعجني بعض العبارات التي تتضمن نوعا من العنصرية أو الانتقاص، أما السخرية الذكية التي تبرز تنوعنا كمغاربة لا تزعجني بالمرة» تقول رجاء ابنة الشمال التي لم تتحرج من ذكر إحدى النكات التي روتها لها صديقة بيضاوية تبدي في كل مناسبة إعجابها بلغتها الأنيقة، «قالتلي هادا واحد الشمالي جا لكازا باش يولي مجرم خطير، خرج باش يفتش على شي ضحية، وهو يجبر واحد البنت قالها شوف نتينة بلاما نفتشك، طلاع هايداك الشي اللي مخاباع تحت حوايجيك، راك جبرتيني مهدن اليوم وماباغيش نضربك وتمشي للسبيطار دير قدا وقدا ديال الغراز، وزيدون شكا تعمل هناية فهاد الليل، سير سقسي عليا فالشمال يعطيوك خباري… والبنت هي تغوت على صحاباتها، والدريات آجي تعلمو الهدرة ديال بالصح» تقول رجاء التي ترى أن السخرية لا تعني الانتقاص بالضرورة، لكنها نوع من الإشارة للفرق مع الآخر.
سعة الصدر ليست سمة دائمة في تبادل عبارات السخرية بين المغاربة، «لأن سخرية فئة من فئة يؤدي أحيانا إلى الاحتقار، وفي أحيان أخرى قد يسقط الشخص في فخ السخرية ذات الطابع العنصري وهو سلوك لا يقبل التسامح، كأن يوصف الأسود بالعزي وغيرها من الأمثلة التي تفرز قضايا عنصرية، ومن الملاحظ أن الرغبة في السخرية تنمو عندما يشعر الشخص أنه ينتمي لقومية معنية يتعصب لها مع الوقت ليصبح ولاؤه الأول لما هو عربي، أو أمازيغي، أو موريسكي، وتحت هذه العناوين العريضة تأتي السخرية تحت غطاء الولاء للمناطق، لنجد أن الكل معرض للسخرية كأهل البادية الذين ينظر لهم كسذج من طرف أبناء المدن، لكن إعطاء الكلمة لأبناء البوادي يظهر أنهم أيضا يتخذون من أبناء المدن موضوعا للسخرية والتهكم حيث يصفونهم بولاد سلاطة، وليدات الضو وغيرها من العبارات الساخرة، إلى جانب هذا الثنائي هناك أيضا السخرية من أهل فاس، الشلوح، سواسة زيان، البراكنة، وجادة … إلا أن الأمر يبقى طبيعيا في حال بقي ضمن المعقول ولم يتطور إلى تعصب يتجاوز السخرية إلى حد يتهدد السلم، خاصة إذا كانت الفئة التي تتعرض للسخرية من الأقليات التي تعاني من ظروف الظلم وما يترتب عنه من استهزاء وانتقاص» يقول الشعباني.

” هنا وجدة” !!

تتبع نبرة الاستهزاء تظهر أن الجميع لا ينجو من سهام السخرية مهما كان انتماؤه الجغرافي، العرقي، والاجتماعي، وهو ما جعل الكثير من المغاربة يستعينون بنكات وقفشات مشرقية للرفع من وتيرة السخرية التي تترجم تنافس المناطق فيما بينها، « تبادل النكات بين وجادة والبراكنة لا يعني وجود عداء، لكن أعتقد أن روح النكتة تحكم كل منطقة وشخصيا أمتلك صديقة من بركان تروي الكثير من العبارات الساخرة عن الوجديين، إلا أنني اكتشفت أن نفس العبارات يكررها وجادة عن البراكنة لكن الأمر عادي جدا، وإن كان البعض يصور وجود حزازات بين سكان المدينتي، كما تشير لذلك العبارة الساخرة التي تقول أن البراكنة كانوا حالفين على وجادة، لذا قررو أنهم يهجمو عليهم، هزو العصي وركبو في الكار، ولكن مللي وصلو لأحفير السائق شغل الراديو والبراكنة سمعو المذيع كيكول “هنا وجدة”، وهما ينزلو سلخو الناس ديال أحفير» تقول فاطمة ضاحكة وهي تشير أن النكتة أصلا مصرية وتتحدث عن سكان الصعيد، لكن المغاربة يعيدون سياق العبارة لإنتاج جمل ساخرة من بعضهم البعض.

مقارنات للسخرية عبر صور الفايس بوك

تغير وتيرة التواصل الذي فرضته التقنيات الحديثة، غير من سياقات السخرية التي أصبحت تعتمد لغة المقارنات القاسية من خلال دمج معطيات وافدة من مختلف العالم وتركيبها مع معطيات محلية، « الله يعطينا الحبس مع هادو» يعلق أحد الشباب ساخرا من الفرق الكبير بين صور لشرطيات من أكرانيا، إيطاليا، البرازيل، مقابل شرطية مغربية، ليسانده الكثير من الشباب الذي أعلن أنه على استعداد أن يقضي ما بقي من عمره خلف أسوار السجون الأروبية حتى يتمكن من رؤية تلك العينة من الحسناوات.
ترتفع حمى التعليقات الساخرة داخل الصفحات التي خصصها الشباب للإعلان عن حلمهم في الهجرة، ليتحول كل ما هو مغربي مادة للسخرية، سواء تعلق الأمر بالمواصلات، أو عبارات السياسيين، أو مقارنة وزارات مغربية مع أخرى تديرها حسناوات أروبيات، كما هو الحال مع الصورة التي جمعت بين الوزير الوفا المثير للجدل، ووزيرة التعليم البلجيكية المثيرة بجمالها الآسر، وعلى الرغم من أن الوزيرين جمعتهما صفة “الإثارة” إلا أن المغاربة وعلى غرار كل العرب الذين قارنوا بين وزرائهم والوزيرة الفاتنة التي كانت صورتها الأكثر تداولا على التويتر داخل العالم العربي خلال العام 2012، جعل الكثير من المغاربة يترجموا إحساسهم”بالغبن” اتجاه واقع التعليم من خلال المطالبة بوزيرة شبيهة قد تبعث الروح في جسد الوزارة المنهكة!!

حالف حتى نجيبها سويدية

الجمال مفتاح يشرع كل أبواب السخرية أمام مغاربة الفايسبوك الذين شحذوا الهمة لفتح العديد من الحسابات لصفحات تسخر من واقع البطالة ومن تداعياته على حياتهم الاجتماعية، « الموسطاشة والحديدة .. قصة عشق لا تنتهي.. عندك تبغيك، معندكش تشوفيك وتكول ليك حدك تم خليك» هكذا يلخص أصحاب إحدى الصفحات فلسفته الهادفة للسخرية من الشابات المغربيات اللواتي يشترطن امتلاك الشاب لسيارة من أجل قبول صداقته، شرط لا مبرر له وفق رؤية فئة من الشباب الذي يرى أن مثل هذه المطالب لا تليق بالمغربيات اللواتي يفتقدن وفق تعبيرهم للجمال، والقوام، والكاريزم الذي تتمتع به الشابات الأوروبيات، وهو ما دفع بهم إلى تأسيس العديد من الصفحات التي تحمل عناوينها لمسة من السخرية، مثل “حالف حتى نجيبها سويدية”، “منظمة فضح الموسطاشات”، “سقي عويناتك”، “الهربة لمن استطاع”… وغيرها من الصفحات التي تعتمد سلاح الصورة المركبة و المقارنات والتشهير للسخرية من مجموعة الفتيات، حيث يطلب من زوار الصفحة إيجاد الفوارق السبع بين مغربيات يرتدين ملابس شبيهة ببعض الأروبيات، أو يتخذن وضعيات مرحة أو جريئة أمام عدسات هواتفهن المحمولة، «الموسطاشة كتصحاب راسها باريس هلتون، حتى هي مصورة في تواليت بلدية ولايحة تصويرتها في الفايس.. شباب هجوم هذا هو رابط الصفحة» هذه عينة من الطرق التي يتخذها الشباب للسخرية والتي تكشف عن نوع من التربص واقتناص الفرص المناسبة التي تحول حالة كل شابة إلى مادة للسخرية، « هادي كاتبة الدراري كلهم بحال بحال … آش داك تجربيهم كاملين الموسطاشة .. حصلتي» يعلق صاحب أحد الصفحات الذي وضع صورة الفتاة مع عبارتها فاتحا المجال لسخرية المعلقين.

مسطاشة .. من صنف ديناصور!!

فتاة أخرى كتبت إلى جانب اسمها على الفايس بوك ” نوعي انقرض”، ربما كانت الفتاة تهدف الإشارة إلى تفرد شخصيتها، لكن الشباب اقتنصو الفرصة ليحولوا اسمها وصورتها لمادة سخرية، « سجل عندك مسطاشة من صنف ديناصور .. حنا اللي غادي نقارضوا إلى بقينا مع أمثالكم» يعلق أدمن الصفحة على الصورة فاتحا شهية المعلقين للمزيد من السخرية.
لا يقتصر أسلوب التهكم على الفتيات حيث يتحول أبناء الطبقة الميسورة إلى مدة دسمة للسخرية من أبناء الطبقة المتوسطة أو الفقيرة، « شوف الفطور بالفرماج باش كيسالي» تعليق ساخر يذيل صورة لمجموعة من الشباب بطلة أنيقة تدمج الكثير من الألوان الفاقعة، وقصات شعر مواكبة للموضة، الشيء الذي لم تستسغه فئة من الشباب الذين يرون في هذا النمط ابتعاد عن مفهوم الرجولة المتعارف عليها، ويرى الشعباني أن هذا النوع من السخرية «يدخل في إطار النزاعات التي تدخل بين الشباب الذين يلاحظون النواقص بين أقرانهم، وهو ما يدفعهم للسخرية من الفتاة في حال كان شكلها مسترجلا، أو نعت الولد بالمخنث أو المبنت في حال إطالة شعره، أو ارتدائه لملابس خارجة عن المألوف، لكن ارتفاع وتيرة سخرية الشباب من النساء مقارنة بالسخرية التي توجهها النساء للرجال لا يعنى أن المرأة موضوع سخرية، لكن الأمر مرتبط بالاعتقاد السائد داخل المجتمعات الذكورية التي ترى في الرجل مالك القوة، والمبادرة، والمعرفة المقرونة بالذكاء مما يجعله يتوجه للمرأة بالسخرية» يقول الشعباني.

سكينة بنزين

مشاركة