الرئيسية مجتمع جلسات تعذيب بدعوى طرد الجن !

جلسات تعذيب بدعوى طرد الجن !

كتبه كتب في 17 سبتمبر 2013 - 11:10

بين الطب النفسي والاعتقاد الخرافي تحمل عائلات عديدة مريضها إلى دجالين يدعون طرد الجن. العديد من المرضى يخضعون خلال زيارة هؤلاء الدجالين إلى حصص للتعذيب، وكلما تعالى صراخهم كلما أوهم الدجال زبناءه أن الجني هو الذي يصرخ طلبا للنجدة وأنه لن يتركه حتى يخرج مهما كلفه الأمر. للمسرحية طبعا! مشاهد وفصول، تبدأ بالاستقبال والحوار، ولا يسدل الستار إلا ليرفع من جديد على طقوس أخرى وفصول تتعدد مشاهدها بين الصراخ والتهديد والسب والشتم ثم تنتقل إلى الصفع والركل والضرب، وعندما يسدل الستار للمرة الأخيرة يكون المبلغ المطلوب قد دخل جيب الدجال ومعه الذبيحة. تفاصيل مشاهد هذه المسرحية ترويها لكم الأحداث المغربية كما تابعتها.

الزمان: الخامسة مساء

المكان: شقة بالقرب من مكان انعقاد سوق «الإثنين» بمدينة برشيد

تقدمت الحاجة الضاوية في اتجاه باب الشقة.. التفت إلى ابنتها وطلبت منها أن تعود بها من حيث أتت فهي لا تريد أن تلتقي بذلك الرجل المعروف بقسوته بين سكان المنطقة ونواحيها كذلك، إلا أن ابنتها لم تكن مهتمة لطلبها ولم تعره أي انتباه، وبادرت إلى طرق الباب طرقا خفيفا.

التفت المرأة هذه المرة صوب صديقة ابنتها قائلة «الله يخليك كولي ليها راني ما بغيتش ندخل قلبي مقبوض عليا».. رد فعل الصديقة كانت تقريبا هو نفس رد ابنتها، فقد حدثتها على ضرورة الامتثال لأوامر «لفقيه» إن هي أرادت أن تتعافى.

فاتحة ومجمر وعصا

فتحت امرأة في مقتبل العمر الباب قبل أن تعدل من منديل طويل غطت به شعرها، مرحبة بضيفاتها، ودلتهن على غرفة الانتظار، حيث أخذت كل واحدة منهن مكانها بجانب نسوة ورجال آخرين.

صمت رهيب كان يلف المكان، فجأة انطلقت صرخات وأنين كأنه آت من بئر عميقة، كانت المرأة تصرخ كأنها تعاني من ألم ما.. جميع الحاضرين تابعوا الصراخ دون أن يعلموا بماكان يحدث في الغرفة المجاورة.

ساعتان كانتا كافيتين لكي يحين دور الحاجة الضاوية. الغرفة التي استقبل فيها «لفقيه» النساء الثلاث، لم تكن سوى غرفة واسعة خالية من أثاث اللهم سجادة حمراء وبعض الوسادات التي تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة.

«الفقيه» على غرار أغلب «الفقهاء» كان يرتدي جلبابا خفيفا أسود اللون، عمد إلى وضع منديل أبيض  طويل الأطراف على رأسه. كان يجلس القرفصاء وقد وضع «مجمرا» أمامه وعصا رفيعة على يمينه وقنينتان «رشاشات» على يساره بمهما مواد سائلة.

طلب من النسوة الجلوس أمامه في الوقت التي أرادت فيه الحاجة الضاوية العودة من حيث أتت، ففطن «لفقيه» إلى أن هذه المرأة هي «هدفه» الرئيسي. استغل الوضع ليضيف بعض البخور إلى «المجمر» قبل أن يوجه إليها الحديث بالقول «غير جلسي راه جن لي فيك هو لي ما بغنيش وما بغاش لمكان. آجي عندي ومتخافي والو بجهد الله ونبي رسول الله».

أجلست الفتاتان المرأة المرعوبة بالقوة وسط الدخان الكثيف الذي كان يلف الغرفة.. أسرع الرجل إلى وضع غطاء على رأس المرأة غطى وجهها وصدرها قبل أن يبدأ بتلاوة سورة «الفاتحة» في الوقت الذي أخذت فيه الابنة والصديقة زاوية بالغرفة تتابعان طقوس «إخراج الجن» من جسد الحاجة الضاوية.

تلا «لفقيه» الذي يزعم أنه يخرج الجن من جسد «الممسوسين» سورة الفاتحة أكثر من أربعين مرة دون أن يتوقف لحظة واحدة وقد أمسك برأس المرأة بين ذراعيه القويتين.

بدأت الحاجة تصرخ صراخا خفيفا ما يفتئ أن يتعالى كلما ضغط الرجل على رأسها، بدأت المرأة تقول وهي تصرخ «راني تجيفت (أي تختنق) طلق مني شويا راني ما كتنفسش»، لكن الرجل كان يضغط عليها كأنه يحاول أن يطبق على أنفاسها.

صراخ الحاجة الضاوية لم يؤثر في «لفقيه» فهذا الرجل قد تعود أن ممارسة نفس الأسلوب يوميا على أكثر من عشرين شخصا يفدون عليه بين الساعة الخامسة مساء والتاسعة ليلا، أما قبل هذا الوقت فهو متخصص في «لفريك» أي فك السحر عن الرضع.

ضرب وطقوس خادعة

شعر «لفقيه» أن المرأة ستختنق بالفعل، وقد تموت بين يديه فأبعدهما عنها زاعما أن الجني «للي مالكها» كافر ولن يخرج منها إلا إذا اتبع معها الأسلوب الثاني، وبالتالي المرور إلى مرحلة أشد قسوة.

جر الرجل المنديل عن رأسها ووجهها فبدأت كأنها عادت إلى وعيها.. نظرت إلى ابنتها وصديقتها بنظرات متعبة لا تقوى على التحديق أو السؤال.

وضع الرجل البخور ب «المجمر» قبل أن يجر الحاجة الضاوية إليه ويلفها هذه المرة بنفس الغطاء. ويبدأ في ضربها ضربا غير مبرح، مرة على ركبتيها ومرة أخرى على رأسها، أما صدرها فقد نال حظه كذلك من الضرب غير المبرح وهو يتلو تارة سورة الفاتحة ويزعم تارة أخرى  أنه يتحدث للجني الذي يستقر بجسدها منذ فترة طويلة جدا.

حاولت المرأة أن تنزع عليها الغطاء، لكنها لم تستطع فقد كانت في نفس الوقت تحاول صد ضربات «لفقيه» الذي كان يطلب من الجني الامتثال أكثر لأوامره في شخص المرأة.

شيئا فشيئا بدأ الضرب غير المبرح يتحول إلى تعذيب. ما أن انتقل «لفقيه» إلى المرحلة الثانية، حتى شرع في توجيه ركلات إلى المرأة بقدميه مرة على البطن ومرة على الصدر، والحاجة الضاوية تتلوى من شدة الألم، في حين استمر لفقيه في «عمله» زاعما أن الجني هو الذي كان يتألم.

دخل «لفقيه» في حوار كاذب مع الجني، فطلب منه أن يعلن عن نفسه، فردت المرأة «أنا بوشواقر»، التفت الرجل إلى المرأتين المنزويتين في الغرفة قائلا إنه «حمو ليهودي». عاد من جديد إلى المرأة ليكمل الحديث مع الجني ويوجه إليه الكلام آمرا إياه بالخروج قائلا «اخرج منها وغادي تعطيك للي بغيتي».

الجن «حمو ليهودي» كان رئيفا ورحيما بالمرأة المسكينة، فقد استجاب لأوامر «لفقيه» قائلا وقد تغير صوت المرأة وأصبح خشنا، «غادي نخرج منها ولكن تجيب ليا لحم الغزال لي مربي في لغابة».

صراخ الحاجة الضاوية والبخور والحديث الوهمي مع الجني الكافر والضرب والركل، حول الفتاتين فجأة إلى أشباح مخيفة. بلعت الابنة ريقها وقد جفت حلقها من هول المشهد قبل أن تقول لـ«لفقيه» «لكن منين غادي نجيبو لحم لغزال لي مربي في لغابة؟!».. الجواب سهلا وكأنه كان مهيئا له منذ أن وضعت النساء أرجلهن بالغرفة «2200 درهم جيبوها معاكم نهار ثلاثا جاي باش نشري لحم لغزال لربعا ولخميس نعطيو لحمو ليهودي باش يخرج من الحاجة في نفس نهار».

لم يكن أمام الابنة إلا الاستجابة لطلبات «لفقيه»، وقد وعدته بأن تكون في الموعد الذي حدده بمعية والدتها التي استفاقت من غيبوبتها عقب حصة الضرب، وبعد أن رشها بماء وبعض الزيوت التي لا يعرف مصدرها إلا «لفقيه» بالطبع.

«ما عرت واش مريضة ولا مسكونة!!!»

سبق وأن كانت تعاني الحاجة الضاوية من الاكتئاب لفترة من الزمن بعد وفاة ابنها في حادثة سير والمعروف حسب الاختصاصيين، أن أعراض الاكتئاب عديدة ومن أهمها فقدان الوزن وفقدان الشهية وإهمال النظافة الشخصية والنشاطات والعلاقات الاجتماعية والتفكير بالانتحار وسيطرة الأفكار السوداوية والتوجس والتوقع بحدوث أمور سيئة، بالإضافة إلى التوتر والشعور بالقلق عدم القدرة على الاستمتاع بالعلاقة الحميمة مع الشريك ، وهذا بالضبط ما كانت تعاني منه الحاجة الضاوية.

كانت المرأة تعاني كذلك من عدم الشعور بالفرح وتنتابها باستمرار الرغبة بالبكاء علاوة على كثرة الشكوى من وجود أعراض جسدية.

نصحها الطبيب الذي لجأت إليه بضرورة زيارة طبيب نفساني لأنها تعاني من مشكلة نفسية وليس جسدية رغم الأعراض الجسمانية التي كانت تشعر بها.

ولأن الاكتئاب مرض قد يطول علاجه، فقد شخص بعض معارفها حالتها بأنها مس من الجن وليس مرض نفسي وعلاجها سيكون بإخراج الجن منها عند متخصص. والمتخصص كان لفيقه «دا الحسين».

«لا أعرف إن كانت والدتي تعاني من مرض نفسي أو «مسكونة» كما يقول بعض معارفنا وكما أقنعنا بذلك لفقيه دا الحسين»، تقول لبنى ابنة الحاجة الضاوية، كل ما أتمناه هو شفاء والدتي التي كان تستعمل أدوية الطبيب النفساني دون جدوى، نحن الآن نجرب إخراج الجني الذي «يسكنها» لعلها تعود إلينا كما كانت. وإذا ما تحقق ذلك سأستجيب لجميع طلباته حتى ولو اضطررت لبيع شقتي».

«ميرا الزهوانية» و«صاحبة زريبة»

نفس التوقيت أي الخامسة مساء وبضعة دقائق. هذه المرة يتغير المكان. شقة ضيقة بحي البرنوصي بالدارالبيضاء،  خصصت لاستقبال حالتين فقط. الحالة الأولى تعاني صاحبتها كحسب تشخيص «المعالجة» المتخصصة في إخراج الجن من النساء فقط من مشاكسة «ميرا الزهوانية» لها، أما الحالة الثانية فقد كانت امرأة شابة تزوجها جني ويعاشرها جنسيا دون موافقتها.

«ميمون» و«ميرا» يزعم بخصوصهما الدجالون والأشخاص الذين يستغلون اضطرابات المرضى النفسي لكسب المال أنهما كافران ينتميان إلى العالم السفلي، وبالتالي يمكن إخراجهما بطقوس خاصة لا يعرفونها إلا هم ومعهم الشوافة حليمة «صاحبة زريبة» أي أنها يخدمها عدد كبير من الجن الأقوياء حسب ما تزعم.

وحتى تحضر «الشوافة حليمة» الجن ميمون والجنية ميرا الزهوانية، كان لابد من ذبح «عتروس» أسود اللون حيوان حسب طلب الجان الذيت يخدمونها فهي تلبي دائما طلبات خدمها حتى ينفذوا طلباتها كما تزعم.  ولطخت المرأة التي تعتقد أن ميرا الزهوانية تشاكسها بالدم، وحرصت على وضع «العتروس» بالسطح حتى ترميه بمساكن الجن، أي مكان مهجور!!!!!!!

يعمد بعض «الفقهاء» إلى إضفاء نوع من التخويف والهلع في نفس الشخص قبل بدء مرحلة إخراج الجن بالكتابة بعد الطلاسم بدم الحيض أو دم المغدور أي دم الشخص المقتول أو الذي توفي في حادثة سير فيزعم أنه بذلك يحضر الجن ليأمره بما يريد.

بدأت طقوس «ميرا الزهوانية» بضرب المرأة بحزام جلدي على أماكن متفرقة من جسدها. كانت «الشوافة حليمة» تختار أماكن معينة من جسمها بحيث كانت تضربها على مؤخرتها وفخذيها ، لكنها كانت تصرخ من شدة الألم.

توقفت حليمة لحظات وهي ترش وجهها بالماء وتناولها قطعة سكر قبل أن تدخل المرأة هذه المرة في حالة من الضحك الهستيري، فبدأت تتفوه بكلام ساقط. استغلت الشوافة الوضع لتقول للحاضرات إنها «ميرا الزهوانية» التي بدأت تتحدث الآن فدخلت في حوار وهمي معها، حيث طلبت منها أن تخرج من جسدها مقابل أي شيء تطلبه، لكنها لم يستجب ودخلت في حالة من الغنج والدلال والحديث الغريب بعض الشيء. فمان من «الشوافة حليمة» إلا أن أخذت السوط وأخذت تضربها مجددا مما تسبب لها في بعض الجروح في مناطق مختلفة من جسدها رغم حرصها على عدم الوقوع في هذه الأخطاء.

هذه المرة تحدثت «مرا الزهوانية» كما زعمت «الشوافة حليمة» وطلبت ذبيحة كبيرة قدرت الشوافة ثمنها بثمانية آلاف درهم وبالطبع ستتكلف بشرائها ولأن اليوم كان ثلاثاء ويليه الأربعاء فلا يمكنها القيام بأي «عمل» يخرج «ميرا الزهوانية» من جسد المرأة لكون الأربعاء هو يوم الجنية «أم الصبيان» ملكة الجان التي لا تحب أن يصول أو يجول في الساحة أحد غيرها.

وهذا ما أخبرت به صاحبة الحالة الثانية التي أوهمتها أنها تعاشر «ميمون»، فقد أوهمتها بأن سبب تأخرها في الإنجاب هو زواجها من «ميمون»، معاشرتها له معاشرة الأزواج دون أن تشعر بذلك إلا في الأحلام، وما عليها أن تعاود زيارتها يوم الخميس أو أي يوم آخر عدا يوم الأربعاء «نهار المنحوس».

استفاقت المرأة من «غيبوتها» أو الوهم الذي سيطر عليها للحظات ، وهي المرأة المتزوجة التي أدت فريضة الحج ولديها من المال الكثير، باتت تعتقد بشدة أنها تعاني من مجموعة من الجن التي تسكنها على رأسها «ميرا الزهوانية».

الأحداث المغربية

مشاركة