الرئيسية مجتمع أسر من سوس: القاصدي…باني الدعامات الأولى لاقتصاد سوس الحديث

أسر من سوس: القاصدي…باني الدعامات الأولى لاقتصاد سوس الحديث

كتبه كتب في 10 أبريل 2023 - 01:55

برزت مجموعة من الأسر السوسية في الجانب العلمي والتحديث التكنلوجي ، بعدما تحدى أفرادها واقعها المرتبط إما بالقيود القبلية المنغلقة على ذاتها، رافضة التحديث أو الانفتاح على المحيط الجديد الذي خلقه الاستعمار، كما رفضت هذه الأسر الانفتاح على التعلم والتمدرس خوفا على ابنائها من المستعمر الذي كان يرسل الشباب المتمدرس إلى الجيش.

الحاج القاصدي، هو محمد أحمد أوبيهي ولد سنة 1929، وعرف بين أصدقائه ب”القاصدي” لأنه كان يحكي القصص، وينشد القصائد لهم، فأطلقوا عليه القاصدي، وأعجب بهذا اللقب، فاتخذه كنية لأسرته.

وضع القاصدي أول لبنة للاقتصاد بسوس، بل كان من أوائل الأسر التي كسرت هذه القيود، انتفض على العادات المنغلقة على الذات، وخرج من جلباب أبيه، ليستنشق هواء الانطلاقة الجديدة للمجتمع، تمدرس ، وتعلم وارتقى إلى أن أصبح معلما، ثم ما لبث أن غير الاتجاه ليصبح موظفا ببنك.

لم يكن القاصدي، موظفا فحسب بل انخرط في العمل الوطني في عز شباب، انخرط في حزب الاستقلال، وكان يقوم بتوزيع المناشير وإيصال الرسائل، واعتقل وتعرض للتعذيب من طرف المحتل الفرنسي سنة 1952، وقضى سنة ونصف رهن الاعتقال، بعدها نفي إلى إفران الأطلس الصغير فقضى به ستة شهور، ليعود إلى أكادير حيث قضى مرحلة فراغ وعزلة اجتماعية، لأنه ظل تحت رقابة قوات الاستعمار المستعدة لاتهام كل من خالطه بالعمل الوطني.

بعد فترة سيغير القاصدي الاتجاه، فأصبح موظفا في شركة “بريل” لتوزيع البنزين، وتمكن خلال فترة عمله بها من ادخار مبلغ مالي، سيمكنه من وضع رجله في عالم ” البيزنيس”، ليخطو أولى خطواته في عالم الاقتصاد.

تمكن هذا السوسي المنفتح، من إرساء أولى لبنات الاقتصاد السوسي، وخلخلة المنظومة التجارية بسهل سايس، التي برع فيها الفاسيون، كان الرجل المؤسس الأول لغرفة التجارة والصناعة بشكل شخصي قبل أن تصبح مؤسسة بهذا الشكل القانوني للغرف المهنية التابعة للدولة.

كان والد القاصدي، تاجرا معروفا بأكادير أوفلا يعقد شراكات بسيطة في تجارته “السمك، الأجبان…” يرفض تعليم أبنائه، ويحذرهم من التعلم، ومن المدرسة وكل ما يأتي منها، لا سيما تلك التي يدرس بها الفرنسيون والأجانب، يخاف هذا التاجر البسيط، أن يتعرض أبناؤه “للتنصير”. غير أن القاصدي منذ صغره، كان يرى عكس توجهات والده، فقام سرا بتسجيل نفسه في المدرسة، وحين علم الوالد أحمد أوبيه بأن ابنه محمد ضمن قائمة التلاميذ لأول موسم دراسي بأول مدرسة أحدثت بأكادير، أصيب بنوبة غضب حادة، وضرب محمد ضربا مبرحا، محذرا إياه بأن يعدل عن مدرسة الأجانب التي لم يأتي منها إلا الشر.

رغم حصة التعذيب التي تلقاها القاصدي من أبيه، ظل عازما على شق طريقه رافضا “العيش في جلباب أوبيهي”، فكان يقطن بأكادير أوفلا ويضطر لقطع المسافة بينها وبين تالبرجت يوميا مشيا على الأقدام، لمدة 3 سنوات، متحملا غضب الوالد إلى أن حصل على الشهادة الابتدائية، ثم درس بمعهدين فرنسيين بالمراسلة، بعدها دخل المدرسة البحرية وكان الأول من دفعته.

مع مرور الوقت وتقبل السوسيين لمسألة تعليم أبنائهم، أقنع محمد القاصدي أباه بضرورة تعليم إخوته وخصوصا أخواته، وبشق الأنفس، قبل الحاج أوبيهي ما كان من أشد معارضيه، لكن بشرط صارم، وهو أن يتكفل القاصدي بأخواته ماديا، وأن يراقب حركاتهن ويرعاهن.

لم يكن أشقاء الحاج القاصدي أقل اهتماما بالعلم، فقد تمكن شقيقه الحبيب من الحصول على الإجازة في الحقوق، وأثبتت أخواته جدارتهن ونبوغهن، ففاطنة حصلت على إجازة في الحقوق، واعتبرت أول فتاة تحصل علي الإجازة، وتمكنت من أن تصبح فيما بعد مستشارة للوزير الأول محمد كريم العمراني، أما عائشة فقد تمكنت من أن تصبح أول مديرة لمدرسة خديجة أم المؤمنين بأكادير حتى أطلق عليها اسم “مدرسة القاصدي”، فيما حصلت كلثوم على إجازة في الإنجليزية بالدار البيضاء لتكون الأولى على الصعيد الوطني، في وقت كان تدريس الفتيات أمرا غير مقبول.

أنشأ القاصدي مقاولة في الصباغة مع شريك له يسمى عبد الله أولحسن، وتركه ليديرها، وانتقل رفقة أسرته إلى مراكش ليعمل في شركة البنزين “بريل”، بعد فقدانه لأمه في الزلزال الستيني الذي ضرب قصبة أكادير أوفلا، مخلف آلاما وحسرة في نفسه، وعاد بعد فترة إلى أكادير حاملا معه مدخرات مكنته من أن يصبح المزود الرئيسي الجنوب بالبنزين مستفيدا من التجربة التي خاضها بمراكش.

يحكي البشير أحشموض الذي عايش الحاج القاصدي، أن هذا الأخير تمكن من تأسيس “مجموعة الستة” واضعا اللبنة الأولى للاقتصاد بسوس، بشراكة مع ” الحسين أشنكلي، الحاج ابراهيم بنصالح، الحاج عبد الله الذهبي، الحاج علي بونيت، والحاج الحسين تدرارين ” وقد أصبحت المجموعة من قياديي المشاريع الاقتصادية بسوس، ولا يمكن تفتيت هذه البنية الاقتصادية الحديثة بالحديث عن واحد منهم بمعزل عن الآخر.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *