الرئيسية مجتمع نساء التعاونيات يكشفن ” عبودية الأركان” بجبال أكادير إداوتنان

نساء التعاونيات يكشفن ” عبودية الأركان” بجبال أكادير إداوتنان

كتبه كتب في 5 يناير 2023 - 18:19

متابعة: عبدالعزيز جوبي ـ أكادير

في صباح يوم خميس من شهر دجنبر سنة 2022، قطعت سيارة ” الخطاف ” أحزمة الدراركة السكنية الإسمنتية، باتجاه الجبال، محركها المهترئ يرعب الاسماع ويجلب الانتباه من بعيد، فاختياري وسيلة التنقل هذه، وسائقها المختار نابع من المكان الذي سينقلنا إليه، والمهمة التي تنتظرنا.

كان المسعى، جبال الدراركة المهمشة حيث تقبع ” نساء الأركان” اللواتي لم تغير هذه الشجرة من حياتهن أي شيئ، رغم إلتصاق اسم التعاونيات بالنساء، اختيار المختار لم يكن فجائيا، بل لمعرفته الدقيقة بتفاصيل حياة نساء الأركان المنخرطات بالتعاونيات، واللواتي تحولن إلى مجرد إماء في خدمة رئيسات التعاونيات، ولوبيات تشتغل في مجال ترويج وتصدير مواد الاقتصاد الاجتماعي، يستغلون سواعد النساء للاغتناء من مواد يحولونها إلى منتجات غذائية، وأخرى تجميلية، لا تجني منها القابعات هناك بالجبال سوى شضف العيش والحياة الضنكاء.

في الطريق نحول الجبال

كان موعد الرحلة مع المختار يوم الخميس بمقهى بتيكوين بأكادير، حيث ينعقد السوق الاسبوعي، عدة أسئلة جالت بالدهن مع كل رشفة من فنجان مقهى في انتظار قدوم المختار، كيف سيكون اللقاء مع نساء قرويات بالدراركة، هل سيبحن بما يتعرضن له، لاسيما أن مصدر دخلهن الوحيد من تعاونيات تستغل عرقهن لكي تبيع زيوتا سحرية تجمل وجوه أخريات يقطنن بالمدن العصرية؟ هل سيقتنعن بأن هذا القادم الغريب جاء ليرصد معاناتهن وظروف عملهن بتعاونيات الأركان بجبال منطقة الدراركة؟

…في بحر هذه الأسئلة توقفت  “مقاتلة” المختار مصدرة صوتا منبهت جعل كل من في المقهى يستدير لمعرفة القصة ؟إنه الخطاف العارف بجغرافيا المكان وبفقر ساكنته، وبكل قصص مآسيه،  يوصل الناس إلى تخوم الجبال، وستكون الفرصة مواتية معه لمعرفة بعض من هذه القصص، فقد وعد المختار بأن يكون جزءا من هذه الجولة.

تحدث ركاب نقلهم المختار إلى هذا الربع عن غلاء ” المركوب” وارتفاع السعر إلى ضعفين، فزجرهم الخطاف على الفور ما ” عرفتوش المازرط فين وصل قولو الله يرحم الوالدين درنا فيكم الخير” بعد غضبته سرعان ما غير الركاب الحديث عن غلاء المواد الغذائية التي جلبوها معهم من سوق الخميس بتيكيوين، وبعد مدة قطع السائق اللغو ” اجمع ما تعاود أ الصحافي، فليس هناك موضوع استغلال نساء الأركان بالتعاونيات وحده من يؤرق هذه الجبال”.

مع نساء الأركان في محنتهن

ماذا استفادت نساء الاركان من انخراطهم في التعاونيات بالدراركة وبأكادير إداوتنان بصفة عامة؟،هل فعلا  تحسنت وضعياتهن ومستواهن الاجتماعي،هل الولوج للتعاونيات ساهم في تغيير وضعهن وإنقاذ أسرهن من الفقر؟ ،لماذا لايزال البؤس الاجتماعي مستمرا في صفوف نساء القرى اللواتي يشتغلن في تعاونيات الأركان رغم الدعم الذي تتلقاه هذه الهيئات من الدولة ورغم الاستثمارات التي يعرفها المنتوج وطنيا ودوليا.

أسئلة شرد الذهن محاولا تفكيكها لإيجاد أجوبة عليها، وقد دلل ذلك التفكير صعوبة الطريق، واهتزازات ” “مقاتلة” المختار التي تشبه عربة مجرورة، وزع المختار الركاب حول بيوتهم، ليتفرغ إلى هذه المساعدة على إنجاز هذا العمل، فسلك بنا نحو قرية نائية بالدراركة،للوقوف على حقيقة موضوع ” إماء الأركان ” كما يفضل أن يسميهن بديلا عن  “نساء الاركان”،وقد بدت إحدى الدواوير فارغة من السكان، مظاهر الجفاف تستحود على المكان، اللهم بعض أشجار الأركان المترامية، وبعض شجيرات الزيتون، وفجأة انعطفت السيارة فوق مسلك طرقي غير معبد ، مليئ بالشوائب ليستقر به الحال، عند بيت بسيط منعزل، أوقف المحرك وهو يقول ” انزل تخدم على راسك”.

منزل بسيط بني بالحجارة والطوب، مسقوف بالخشب والقصب، خرجت منه مسنة لتستطلع في ذهول من القادم بعدما ملء كلبها المكان نباحا، فاضمة يبدو أنها طوت خمسة وسبعين سنة من عمرها،وسط محيط تغيب فيه كل مقومات العيش غادره الابناء نحو الدار البيضاء ،حيث أنجبوا الأحفاد، فلم يبقى معها سوى ” الشيباني” المقعد غزت كل الامراض جسده، هو حال كل أبناء هذه القرية، هجرها الذكور نحو المدن تاركين النساء والأطفال يتحملن وحدهن مشاقات الحياة الصعبة.

فاضمة السيدة المسنة تتوكأ على عصى، وترتدي لباسا باليا ،جلست في فناء منزلها ،وقد بدت غير مبالية بملاح وجهها الشاحب، قالت وهي تذرف الدموع  :”المرا ديال القرية مضلوما وكل يوم كتألم ،معندهاش مستقبل مسكينة،وحياتها مهمشة ،هي كتخدم بلاصت الراجل ،أنا مسنة،ملقياش بش نعيش ، وباش نشري الدوا، وملي بانت هاد تعاونية ديال أركان،مشيت حتا أنا نخدم على راسي نعاون الاسرة  ديالي،كنخدم من 2004 في “تهراس أفياش”  والحال هانتا كتشوف أولدي  باقي هو هو،صحتي خسرتها”.

تعتبر فاضمة واحدة من المنخرطات بالتعاونية، لكن كل ما تستفيد منه هو “تهراس أفياش”، بمبلغ زهيد عن كل كيلوغرام،  تنهدت فاضمة ثم انفتحت عقدة لسانها فقالت”أنا فخمسة وسبعين

من عمري  تنضرب تلات كيلومترات باش نخدم فالتعاونية معندي لا تأمين صحي ولا تقاعد، ملي كنت مريضة، التعاونية ماوقفاتش معايا فالدوى والسبيطار”.

بعد فترة تساءلت المسنة:”ما الجدوى من كل السنوات التي قضتها  في العمل في تعاونية الأركان الناس درات الطمومبيلات والديور وحنا ما لقينا لا دوى لا خبز نوكلوه للدراري”

بعد الخروج من منزل فاضمة التفت المختار نحوي ليسأل ” اش بان ليك ياك شفتي الفقرغادي على رجليه” لم تركض سيارته بضعة أميال حتى توقفت بمنزل فتاة مجازة في بداية الثلاثينيات من عمرها،  “زكية” هكذا قدمت نفسها، تشتغل في نفس التعاوينة، مند تخرجها من الجامعة وانتهاء دراستها، ضاع جزء من جمالها وشبابها بين” لقرايا القرية”، تكسرالأركان وتقطر الزيت، وتحول المنتوج من أجل نظارة وجوه محظوظة : ” ظروف عملي في الأركان صعبة، نعمل بمقابل مادي زهيد ،نحن لا نتلقى أجرا شهريا ،ولا نستفيد من الدعم الذي تمنحه الدولة للتعاونية،نحن مجرد آلات من لحم ودم نشتغل مثل العبيد ،لا نستفيد شيئا ”

وأضافت زكية  وملامح الحسرة على وجهها، بينما عيونها  كانت مشدودة إلى الأسفل :”كنضربو تمارا على والو، هادشي لي كنصوروه فهاد تعاونية مكافيش حتا للسوق واحد ” .

اعتبرت زكية الحديث حول موضوع استغلال نساء الأركان في التعاونيات خطا أحمر سيضع النهاية لمورد رزقها على بساطته،وأضافت زكية بثقة كبيرة: “معندناش البديل وجينا نخدمو صابرين واخا ثمن قليل” ، زكية تستغرب كيف أن “منتوج  زيت الأركان وصل للعالمية وحنا بقينا فبلاصتنا” وأن “هناك من يستفيد منه ماديا، ويسوقه دوليا ويستثمر فيه ،في حين أن المرأة القروية التي تكد وتقاوم الظروف وتشتغل في التعاونيات ،تتعرض للتهميش والبؤس الاجتماعي “،وأضافت “أن هذا المحصول يعتبر دو قيمة كبيرة نظرا للمكونات التي يحتوي عليها والتي لا توازي طموح الساكنة التي تتوخى منه الشيئ “.

ما العمل وأي مستقبل للتعاونيات والنساء القرويات؟

ويبقى الأمل الوحيد لهؤلاء النسوة بالقرى النائية بالدراركة هو محاولتهن التكتل والانخراط داخل تنظيمات مهنية وتعاونيات فلاحية، تعبيرا عن حاجتهن لمدخول  يعيلهن في كسب القوت اليومي على حساب عرق جبينهن، يتحملن متاعب العمل لساعات طويلة داخل تعاونيات الارݣان، في ظل الفوضى التي يعرفها الفضاء التعاوني الموسومة بالاستغلال، وفي ظل غياب مستثمرين حقيقين في هذا الجانب مما يؤدي إلى ضياع هذا المورد الطبيعي بسبب غياب رؤية واضحة لتثمينه واستغلاله في حلقة التنمية بالجماعات القروية للدراركة،  هذه الفكرة تكونت لدى المختار الذي يقضي الليل بهذا الوسط قبل أن يحرك ” مقاتلته” نحو تكيوين ومركز الدراركة لجلب قوت ابنائه من خلال مهنة سائق عربة لنقل الأشخاص على طريقة ” تاخطافت”.

ففي ظل انعدام فرص الشغل بالعالم القروي، اجتمعت النساء بجبال أكادير إداوتنان بداخل تعاونية راضيات ب” ما قسم الله” معتمدات على مداخيل عقيمة وشحيحة جدا،انطلاقا من الانخراط داخل تعاونية إنتاج الارݣان ،حيث يقضين يوما شاقا داخل مقرها، يجلسن في قاعة واحدة ويشتغلن في جميع مراحل إنتاج زيت الأرݣان ،من “التهراس “حتى استخراج النواة وطحن المنتوج، يتقاضين أجورا بخيسة جدا، لا تعكس المجهود العضلي الذي يبدلنه في سبيل البحث عن لقمة العيش.

وتتعرض المرأة القروية داخل هذه التعاونيات للاستغلال البشع  من خلال المجهود البدني الذي تقوم به طيلة اليوم في العمل ،ويقابله وضع مادي هش ،وظروف كارثية  في التنقل نحو التعاونية ،وانعدام وسائل النقل بالنسبة للنساء اللواتي يبعدن كيلومترات عن مقرات تعاونيات الأرݣان ، ويتنقلن على الأرجل بشكل يومي ،ويتكبدن معاناة وعورة التضاريس بالمناطق الجبلية،وغياب التأمين الصحي.

وكشف باحث في التنمية القروية معطيات حول ظروف عمل النساء القرويات في التعاونيات الفلاحية لانتاج الأرݣان ،حيث قال : “تعيش  نساء العالم القروي حياة غير مستقرة ومتعبة ، يمارسن أعمالا في الغالب تهيمن الفئة المسنة على النساء اللواتي يشتغلن في الاركان مقابل أجور جد هزيلة ،ويكابدن الآلام.

ويطرح موضوع التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء القرويات عدة قضايا  تستوجب النهوص بالمجال القروي والالتفاتة إلى هذه الفئات الهشة ومقاربة النوع وفق عدالة مجالية في توزيع وتنزيل برامج التنمية القروية.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *