الرئيسية حوارات التكنولوجيا من أسباب انفتاح المراهقين على التجارب الجنسية

التكنولوجيا من أسباب انفتاح المراهقين على التجارب الجنسية

كتبه كتب في 9 ديسمبر 2012 - 14:21

كيف أصبح المراهقين يفصحون بكل حرية عن علاقاتهم الجنسية في محيطهم الاجتماعي؟ .. وكيف يمكن تقديم المعارف الضرورية للمراهقين حول التربية الجنسية؟ .. أسئلة وأخرى يجيب عنها الأستاذ الخمار العلمي في هذا الحوار من واقع تجربته كعالم اجتماع متخصص في سوسيولوجيا التربية. كما يعرض الحوار أيضا إلى الدعوة الصريحة من عالم الاجتماع إلى القيام بدراسات موضوعية وعلمية بعيدا عن ثقافة الطابو الجنسي كوسائل لاستقراء آراء المراهقين حول موضوع العلاقات الجنسية من الناحية الأخلاقية والاجتماعية، والدينية والنفسية واستبطان مواقفهم ومدى قدرتهم على اتخاذ القرارات المناسبة لمرحلتهم العمرية.

 كيف يمكن تقديم المعارف الضرورية للمراهقين حول الجنس، خاصة وأن المراهقين يكونون أسرى تصورات خاطئة حول الدافع الجنسي ؟

 يتضمن السؤال ثلاث قضايا إشكالية كبرى. تتعلق الأولى بقضية جوهرية، وهي المفهوم المجتمعي للمراهقة، فكل مجتمع له تصوره ومفهومه لمرحلة المراهقة، فالمراهق في المجتمع المغربي ليس هو نفسه المراهق في المجتمعات الغربية. حيث نجد فئات للمراهقين في المغرب. هناك المراهق الحضري، والمراهق الذي ينتمي إلى العالم القروي، وهناك المراهق المتعلم والمراهق الأمي، وكل فئة من المراهقين المذكورين لها تصورها للأشياء وفق موقعها الاجتماعي، ومكانتها المعرفية. مثلا نجد المراهق في العالم القروي لا يعيش مرحلة مراهقته بمعناها البيو-سيكولوجي والسوسيو-علمي السائد، فهو يمر من الطفولة إلى الرشد بشكل سريع، ويتحمل مسؤوليات جسام. أما المراهق في المناطق الحضرية غالبا ما يعيش مرحلة مراهقته بشكل طبيعي.

القضية الثانية تتعلق بتصور العلوم الاجتماعية حول مرحلة المراهقة التي تشمل مرحلتين خاصة، فالانتقال من مرحلة الطفولة إلى المراهقة لا يكون بشكل مباغت أو مباشر. علماء اجتماع التربية يسمون المرحلة الفاصلة بين الطفولة والمراهقة بفترة المراهقة المبكرة أو المراهقة المراقبة والخاضعة لهيمنة الوالدين Adonescence ، حيث يشعر خلالها المراهق بالرغبة في الاستقلال، ويدافع في الوقت نفسه عن التبعية، كالتعبير عن ذوقه في نمط اللباس الخاص والموسيقى وأنشطته الخاصة مع عدم قدرته في الوقت نفسه على الاستقلالية عن والديه في تلبية هذه الأمور خاصة في جانبها المادي لعجزه عن ذلك. وهذه الحالة تكون بسبب تبعية تدبير موارده ومقتنياته لوالديه، وهو الأمر الذي يفرض على الآباء التعامل مع المراهقين خلال هذه المرحلة الحساسة بنوع من المرونة، كتمتيع أبناءهم بحرية الاختيار مع فرض رقابة لينة وبذلك تتميز هذه الفترة من المراهقة عن الفترة اللاحقة التي تعد الشخص لفترة لمرحلة العبور نحو سن الرشد حيث يكتمل نموه البيولوجي ويتعقلن نموه النفسي والاجتماعي مما يؤهله لولوج عالم الراشدين أو يصبح في لغة الفقهاء مكلفا شرعا.

أما المستوى الثالث فيتعلق بالتصور الاجتماعي السائد، فكل فئة مجتمعية لها تصور خاص حول مرحلة المراهقة، فمثلا مراهق الفئة الميسورة أو المحظوظة يعيش مرحلة مراهقة مخالفة لنظيره بالطبقات المحرومة والفقيرة.

أما مراهق الطبقة المتوسطة باعتبارها الشريحة الأكثر اهتماما بمراهقيها، فتطور بنيته النفسية. زيادة على التحولات الأنثروبولوجية التي يعرفها مفهوم المراهقة وبناء الشخصية والتحول من أنا الطفولة إلى أنا المراهقة حيث الاستقلالية والاعتزاز بالذات ومواجهة الآخرين يجعلنا نواجه مايسميه علماء النفس و الاجتماع بأزمة النمو التي تتطلب معارف متعددة على المستوى البيولوجي والسيكولوجي والسوسيولوجي.

أما طريقة التعامل مع المراهقين خلال هذه المرحلة الحساسة والتي تعرف تحولات على مستوى الجهاز العصبي للمراهق وتحولات بيوسيكولوجية عميقة، فهي تفرض علينا المعرفة الدقيقة بحاجات ورغبات هذا المراهق، لأننا غالبا مانهتم بالحاجة ونلغي الرغبة، لذلك يلزم عدم إغفال تلبية حاجات المتنوعة والمتجددة، أما الرغبات فيلزم الاحتراس إذ قد يكون بعضها مضرا لذلك يتعين ضبطها ومراقبتها من طرف الوالدين والمربين عموما. فالحاجة إذا لم تحقق تؤدي إلى الضرر أو المرض مثل الحاجة إلى الأكل والرياضة والحرية أما الرغبة فمنها ما هو نافع مثل الرغبة في تعلم الصناعات والقراءة وقد تكون مضرة مثل تقليد بعض الراشدين في التدخين وخاصة الآباء باعتبارهم قدوة لأبنائهم لذا عليهم أن يكفوا عن التدخين إن كانوا من هذا الصنف أمامهم كي يجنبوهم الرغبة في التقليد.

 أصبح المراهقون يفصحون بكل حرية عن علاقاتهم الجنسية في محيطهم الإجتماعي، بماذا نفسر انفتاح المراهقين على تجاربهم الجنسية ؟

 يرجع ذلك إلى عدة عوامل، فمراهق اليوم يختلف بشكل كبير عن مراهق الأمس الذي كان يخضع لقيم وتقاليد وتنشئة أسرية واجتماعية ومدرسية مخالفة تماما لمراهق اليوم. مراهق الأمس لم تُتح له فرصة استغلال الإمكانيات الهائلة للثورة المعرفية والتكنولوجية والمعلوماتية. أما مراهق اليوم فولوجه للمعلومة عبر وسائط الاتصال الحديثة المتناهية الدقة والمتجددة أتاحت له التواصل مع مراهقي العالم. الشيء الذي يجعل تداول المعارف الجنسية يتم بشكل سريع، وذلك عكس مراهق الأمس الذي كان يعاني من محدودية وسائط الاتصال المرئية والمكتوبة والمسموعة. وهو الأمر الذي جعل حجم المعلومات والمعارف الجنسية عند مراهق اليوم يفوق في أحايين كثيرة معارف والديه الذين يستبطنون مفهوما تقليديا عن مفهوم المراهقة، ويتحدثون لأبناءهم انطلاقا من تجاربهم الشخصية رغم أن تجربة الماضي ليست هي تجربة الحاضر. إن المعارف الحديثة تُحتم على الآباء ضرورة الانخراط في حقل المعرفة المعاصرة والإطلاع على وسائل الاتصال والتكنولوجيات المتطورة حتى يكونوا شركاء لأبناءهم في تداول المعلومات والمعارف الجنسية التي تؤهلهم ولوج قارة الجنس بسلام وبأسلحة علمية ويقظة ومسؤولية

 ماهو دور كل من الأسرة والشارع والبيئة المحيطة في تنمية التصورات الجنسية عند المراهقين ؟

 الأمر يتعلق بوضعية معقدة، فالأسرة لها تصورها الخاص حول الجنس باعتبارها القوة الشرعية التي لا تؤمن بالممارسة الجنسية خارج الأسرة، ومن ثمة فالجنس حسب هذا التقليد يبقى أمرا محرما لدى المراهقين إلى حين بلوغ رشدهم ودخولهم عالم العلاقات الزوجية. حسب هذا التصور يبقى الجنس ملاذا شخصيا للمراهق خارج الأسرة. أما الشارع فيقدم تصورا آخر مخالفا لتصور الأسرة، حيث يمكن للمراهق من ممارسة حياته الجنسية خارج مؤسسة الأسرة وخارج المفهوم الشرعي، وهو مايفتح الباب أمام السلطة الاجتماعية. للمجتمع سلطة آخرى من خلال انتشار البغاء والتجارة والمقايضة بالجسد، وهو ما ساهم في خلق وضع اجتماعي جديد يمكن المراهق من ممارسة رغباته البيولوجية من خلال مؤسسة بديلة دون الرجوع إلى مؤسسة الأسرة. أما المستوى الثالث المرتبط بمحيط المدرسة أو المجتمع المدني أو السلطة الأخلاقية يقدم للمراهق تصورا عن المشاكل الصحية المرتبطة بالممارسة الجنسية خارج مؤسسة الزواج كالإصابة بالأمراض المنتقلة جنسيا. هذه السلطة تُمزج بين الأخلاقي والعلمي عبر الحديث عن آليات الوقاية الصحية (موانع الحمل والعوازل الطبية)، لذلك فالأمر يعتبر دعوة أخلاقية لتجنب الممارسة الجنسية خارج مؤسسة الأسرة، ودعوة للحفاظ على السلامة البدنية والنفسية في حالة الممارسة الجنسية. عموما تنمية التصورات الجنسية عند المراهقين يجعلنا أمام ثلاث سلط. كل واحدة لها موقفها وتصورها، فالأب داخل الأسرة (السلطة الشرعية ) يدعو إلى تجنب الجنس أو الحديث عنه بشكل قطعي. أما الأستاذ أو المعلم(السلطة الاخلاقية والعلمية)  يدعو المراهقين إلى تجنب  ممارسة الجنس أو الاستعانة بوسائل الوقاية المتاحة في حال حدوثه.

إن السؤال المطروح هو لماذا نُهمل موقف المراهقين أنفسهم عن الجنس والممارسة الجنسية ؟.

 والجواب عن هذا السؤال يقتضي منا الجرأة و القيام بدراسات موضوعية وعلمية بعيدا  عن كل طابو جنسي  أو احتقار معارف المراهقين أنفسهم، وذلك من أجل التعرف على آرائهم حول الموضوع من الناحية الأخلاقية والاجتماعية، والدينية والنفسية ومواقفهم ومدى قدرتهم على اتخاذ القرارات المناسبة لمرحلتهم العمرية ومدى قبولنا لخصوصيتهم وفردانيتهم في الحياة واختلافهم عنا تصورا ورؤية وموقفا.

الخمار العلمي

أستاذ التعليم العالي في سوسيولوجيا التربية بالمدرسة العليا للأساتذة

حاوره : محمد كريم كفال

مشاركة