الرئيسية مجتمع فقر في سوس ومقاومة حزب الاستقلال..لحسين بين الهجرة والتنميّة:

فقر في سوس ومقاومة حزب الاستقلال..لحسين بين الهجرة والتنميّة:

كتبه كتب في 10 يوليو 2016 - 21:22

من جبال سوس الحمراء إلى جبال الألب الثلجية بفرنسا تمتد قصة حياة جمال لحوسين. هو فلاح ابن فلاح ولد في سوس (قرب مدينة تاليوين). طرد من المدرسة فهاجر إلى فرنسا للعمل في الأفران المشتعلة لشركة الأليمنيوم “بيشيني”.

وخلال مساره الطويل والصعب، التقى جمال بشخصيات سياسية واقتصادية كبيرة في فرنسا منهم وزراء أولين مثل “لوران فابيوس” و”بيير موروا”، ورئيس شركة “بيشيني” للأليمنيوم ورئيس شركة “رونو” للسيارات “جورج بيس”… حيث تفاوض معهم جميعا، الند للند، باسم نقابة “سي إ فدي طي” CFDT بهدف تحسين ظروف عيش العمال المغاربة في هذا البلد.

وبموازاة ذلك لم ينس بلده المغرب، حيث عاد إليه ليؤسس في منطقة سوس جمعية “الهجرة والتنمية”. وهي إحدى أقوى الجمعيات وأكثرها مصداقية في المغرب حيث تعمل منذ 30 سنة على تقديم خدمات كبرى لمنطقة سوس في مجالات الماء والكهرباء والطرق والتعليم والتنمية المحلية مثل زراعة الزعفران وإطلاق مهرجان تاليوين للزعفران.

في 2003 عاش جمال لحسين تجربة فاشلة في الإنتخابات الجماعية بسبب التزوير والفساد. ثم التقى بالملك محمد السادس بعد نجاح جمعيته، كما التقى بالوزير الأول عبد اللطيف الفيلالي وبوزير التعليم رشيد بلمختار لتسهيل فتح مدارس لمحاربة الأمية.

وتتوفر الجمعية على فرع في فرنسا حيث تعمل على تأطير وتكوين وتربية أبناء الجالية المغربية. ويسير الجمعية مغاربة وفرنسيين من خلال نموذج متميز للإندماج وللتعايش بين المغاربة والفرنسيين في زمن تتصاعد فيه موجات الإرهاب والعنصرية.

وكانت الصحفية الكبيرة زكية داوود قد خصصت كتابين اثنين لدراسة تجربة جمعية “الهجرة والتنمية”. واليوم صدرت السيرة الذاتية لمؤسس الجمعية جمال لحسين بقلم الصحفي الفرنسي إيف بورون (عن دار النشر الفرنسية بيبلوسيد).

إنها سيرة بمثابة تحية للمهاجرين المغاربة عموما وللعمل الجمعوي. في الحياة كلنا نهاجر إلى فكرة ما أو إلى مكان ما، كما يقول المفكر الكبير عبد الله العروي.

الحلقة 1

ولدت في قرية “إمكون” الواقعة على هضبة سكتانة، وهي قرية تبعد عن مدينة “تاليوين” بحوالي 45 دقيقة مشيا على الأقدام إذا ما سلكت طرقا قصيرة، ولم يسبق لي أن زرت هذه المدينة قبل سن 16 إلا مشيا على الأقدام. كان الأمازيغ في الماضي يفضلون بناء منازلهم في مقدمة الجبال وعلى مواقع عالية حتى يتجنبوا بناءها فوق أراض قد تكون صالحة للزراعة، وحتى يستطيعوا مراقبة أعدائهم المحتملين.

(…) ولدت في عائلة صغيرة تتكون من عدة أطفال. كنا سبعة بدون احتساب إخوتي الصغار الذين ماتوا، قبل أن أستطيع المشي، لأسباب مجهولة. ومازلت أتذكر من بينهم إبراهيم الذي كنت أقبّله. أنا هو الابن الرابع بعد محمد وفاطمة ولحسن، ويأتي بعدي أنا “لحوسين” ثلاث بنات. في كناش الحالة المدنية لعائلتنا، الذي يعود إلى فترة الحماية، يلاحظ أنهم شطبوا بقلم على جملة: “محمية الجمهورية الفرنسية” ثم كتبوا محلها: “المملكة المغربية”.

في 1958 كان والدي يحمل كناش حالة مدنية يحمل رقم 69، وذلك من مجموع ساكنة تقدر بمئات الآلاف. لم تكن تقضي العادة في تلك الفترة أن يتم الإعلان عن ميلاد الأطفال، وبالتالي ليس هناك تاريخ مضبوط ليوم ولادتي في ذلك الكناش. ولهذا قمت بعملية حسابية خاصة فتأكدت بأنني ولدت يوم 25 غشت.

الباشا الكلاوي يعتقل أبي لأنه قال: “عاش الملك”

في السابق كانت هذه السهول والوديان كلها تسمى “تاليوين”، ولم تصبح لمدينة تاليوين أهميتها إلا عندما قام الكلاوي، الذي كان يبسط نفوذه على جنوب المغرب بكامله، ببناء قصبة في المدينة، وكذا عندما أصبحت تمر عبرها طريق معبدة تربط بين تارودانت ووارزازات. وهكذا ستصبح تاليوين ملتقى للطرق أقيم فيها سوق تزايدت أهميته مع مرور الوقت ثم فتحت فيها مكاتب إدارية.

إبان الاستعمار، لم يكن يوجد في المدن الصغيرة سوى مركز قيادة ومكتب الحالة المدنية. لم يكن هناك أوربيون في تاليوين وكان يعيش بها فقط عدد من اليهود، هم في الغالب من أصول أمازيغية.

(…) ذات يوم، وفي وسط سوق مدينة “تاليوين” قام رجال الباشا الكلاوي باعتقال 8 من رجال المقاومة ووضعوهم داخل أكياس كبيرة من الثوب، ثم تمت خياطة الأكياس حتى يعتقد الجميع بأنهم كانوا ميتين، وبعد ذلك تم تقديم تلك الأكياس وعرضها في الساحة أمام الجماهير. فمات جميع رجال المقاومة مختنقين.

وقد أثارت هذه الجريمة احتجاج والدي الذي نظم، رفقة مقاومين آخرين، مظاهرة رفعوا خلالها شعارات تقول: “عاش الملك” فتم اعتقالهم وسجنوا داخل القصبة الكبيرة بالمدينة.

شرحت لي أمي لاحقا كيف أنها كانت، عند اعتقال أبي، تذهب على قدميها إلى تاليوين، وهي تحملني فوق ذراعيها، وكان عمري بضعة أشهر فقط، لتحمل لوالدي الغذاء، إلا أنها لم تكن تنجح في ذلك دائما، لأنه لم يكن يسمح لها دائما بالدخول إلى السجن.

وتتذكر أمي أن رجال الشرطة كانوا يقولون لها: “رجال عائلتك أناس عنيفون وأشرار. لقد كان زوجك يهتف: عاش الملك. فلتذهبي الآن عند ابنة محمد الخامس الأميرة عائشة لتأتي إلى زوجك وتعطيه ما يأكل”.

يتبع…

* من كتاب: “جمال لحسين – قصة نضال من أجل الهجرة والتنمية” ـ

مشاركة