الرئيسية ثقافة وفن الروائي محمد الاحسايني يمتطي صهوة” فارس من حجر”

الروائي محمد الاحسايني يمتطي صهوة” فارس من حجر”

كتبه كتب في 22 أغسطس 2012 - 16:29
صدر حديثاً عن دار القرويين بالدار البيضاء رواية فارس من حجر، سادس نص سردي للروائي محمد الأحسايني.الرواية في 196 صفحة من الحجم المتوسط:   25 فصلاً.
وكان  قد صدر للمؤلف الأعمال السردية التالية:
ـ المغتربون.
ـ مذكرات كلب غير عابئ ولا مخدوع.
ـ عناصر منفصمة.
ـ إصحاحات من سفر القطيعة.
ـ الأزمنة السبعة.
مقتطف من النص الروائي:
تجمع الأهالي حول كومة الحجر يخوضون في كلام مسهب حول زمن المسخ، زمن بوحمارة الكذاب. اندفع قوم من القرى المجاورة يصرخون، يصححون الرواية: “سوف يخرج بوحمارة الدجال عند اقتراب الساعة”.
تزعم أمغار، ومعه أتباع ومريدون، رواية الخروج، ورواية بوحمارة. قال على مرأى ومسمع:
– المانع من خروج بوحمارة حالياً هو أنه منهمك في خياطة برذعة حماره. ثم أخذ يسرد علينا رواية الخروج بـ الأمازيغية، أدركت بموجبها أنه كلما أتم نسج برذعة حماره، كل مساء، عقد العزم على الخروج في صباح اليوم التالي، ولكن مساءاته لا تصنع صباحات، إذ ينسى في كل مساء، أن يضيف إلى عزمه عبارة إن شاء الله فتنتقض خياطة البرذعة، وهكذا إلى ما شاء الله… ما كاد أمغار ينهي حديثه، حتى تفرق الحشد في المسالك الحلزونية نحو القرى المجاورة، كأنْ لم يحدث شيء ما، وكأنما أمغار بدوره، لم ينبه ذاكرة، ولا أثار سؤالاً.
بهذا الحديث اللولبي، اللانهائي، سلب أمغار من أهل الكصر ومني بالذات، تلك الإرادة الحازمة التي يمكن أن يتحلى بها أي إنسان يبحث عن الحرية في عالم غامض. انتابني التساؤل، واعترتني الدهشة، أثناء الوصول إلى ذلك البلد الذي كان أحمد لا يزال يحدثني عنه حتى تلك اللحظة، ويحكي لي عن الكصور الرائعة التي يهش ساكنوها للضيف دون تراجع، ويهمسون أحلامهم لـ الشمس، والقمر، ولـ النجم المداري. وبغير ذلك؛ فهو إقليم نظيف ! لأن الشمس بمقدار ما تُلهم إنسانه بالشجاعة والإخلاص، بمقدار ما تذكي فيه روح الأناقة، والترفع.
لما داعبتني ومضة من وعي، تساءلتُ:
– “هل ينطق الحجر” ؟ أجابني صوت داخلي بصرامة:
– “نعم، الحجر يصيت إلى حد الوميض” !
قال لي ذاتُ الصوت:
– “على الحجر تسطر الأفراح والأتراح، الحجر ينطق”.
أحاط الغموض بـ الفارس الحجري، وتضاربت حوله أقوال أهل الكصر إلى حد ما، ولكنهم يكادون يتفقون على أنه كان مجرد كومة ثلجية عصية على الذوبان، تحتها منبع ماء زاخر، متجمد لشدة برودته، ثم بعد زمن غير معدود، انبثق من الكتلة الثلجية فارس شديد البأس، وسرعان ما تبنته القبيلة ونسبته إليها، بشرط أن يدافع عنها ضد أعدائها المتربصين بها في كل مكان، وكل آن. لم يكن له من مهنة، أثناء حياته، حسب رواية أهل القبيلة، وقبل أن يتجمد، سوى الاحتطاب بالنهار، والصيد في المواسم المشروعة، مع احترام كافة القوانين، وأعراف القبيلة المتعلقة بأوقات الاحتطاب، والصيد، والمسطرة في ألواح من طين.
كان الكصر لايزال، لما وضعنا أولى خطواتنا في حماه، يزخر برجال يتجمعون، إما لقطف الثمار، أو لسقي واحات من البرسيم، والباذنجان. وإذ لمحونا، أسرعوا لينفردوا بـ أحمد يهنئونه على القدوم. تركني جانباً، وخلص إليهم، فأحاطوا به من كل جانب هاشين باشين إليه في وداد لم أعهده سوى في الحكايات المشوقة، بينما انتحيت جانب نخلة أستريح من عناء السفر.
الجو جاف، وممتع إلى الحد الذي وددت فيه، أن لو كان معي لؤلؤ لأطلقته، يستمتع بجو نادر المثال؛ إن شاء، عاد إليّ؛ وإن شاء، انطلق في الفضاء حراً يسبح مع الطير في السماوات.


مشاركة