الرئيسية ثقافة وفن من سوس إلى سايس : عادات رمضانية متأصلة

من سوس إلى سايس : عادات رمضانية متأصلة

كتبه كتب في 28 يوليو 2012 - 22:12

اختار السفير الإنجليزي خلال السنة الماضية 2011 منطقة سوس للتعريف بعادات وتقاليد المغرب للسياح الإنجليزيين، إطلاق حملة للتعريف بالعادات المنتشرة في رمضان. وقال السفير أن السياح البريطانيين يشاهدون في رمضان حركة غير عادية للسكان قبل ساعة الإفطار دون علمهم بحقيقة ما يقع، كما ينتابهم حب استطلاع وحيرة من أمرهم مع إطلاق المدافع المعلنة عن بداية الغفطار مع ما يرافقها من هرولة للصائمين.

فمنطقة سوس تختلف في عاداتها من منطقة لأخرى، تبتدئ بالحرص على اقتناء الزي المحلي من جلباب وبلغة…وتنعكس على المائدة السوسية المحلاة بالمنتوجات المحلية من اركان وأملو، العسل بمختلف انواعه الذي تنتجه المنطقة ” إيموزار إداوتنان، هوارة…”وأكلة ” تاكلا” وهي عبارة عن سميدة الذرة المطبوخة ينقع وسطها بالعسل وهي منتوجات صحية ومغذية للجسم.

“أسكيف” أو الحريرة تشكل ” لونتري”

في ليالي رمضان يجتمع الذكور في بعض الأحيان بالمنازل في حلقات صغيرة، يتبادلون الأحاديث الممتعة وذكريات رمضان ويتسامرون إلى ساعة كحددة غير متأخرة كثيرا، ويفضل أغلبهم خاصة من التجار تناول وجبة السحور، ثم أداء صلاة الفجرن ثم ينطلقون مباشرة إلى محلاتهم وبدء يومهم مبكرا،

وإذا كانت الأكلة المشهورة وطنيا ومعبودة الجماهير “الحريرة”، فإن بعض أهل سوس يتناولون «اسكيف»: حساء يحضر إما بالقمح أو الذرة أو الشعير يصاحبه التمر ويؤخذ بعده كأس من القهوة، ويفضل أهل سوس تناول العشاء خاصة  «الطاجين» مصحوبا بالشاي.

أما النساء في بوادي سوس، يقمن على جانب اشغالهن خارج البيت بإعداد الفطور والعشاء في آن واحد، وسنجد الغالبية العظمى من البيوت السوسية، تحرص على تحضير بعض الأطباق والأطعمة الأخرى بصورة يومية كأصناف معينة من الخبز والحساء والطاجين ،فضلاً عن أن جميع الأسر تحرص على أن يتضمن فطورها الحساء والقهوة.

وتقوم بعض الأسر الموسرة أو الأقل مستوى بإرسال وجبة طعام إفطار إلى المسجد ليفطر المصلون عليها ويقرؤون الفاتحة على أرواح أعزاء الأسرة الذين رحلوا وهو تقليد لازال مستمراً وراسخاً.

وجرت العادة في رمضان على أن ينتظم الرجال داخل المساجد في حلقات قراءة قرآنية مصغرة فيقرأ أولهم بعد صلاة الظهر القرآن ثم يتناولها آخر، وهكذا إلى أن يأتي الدور على الجميع.

أكلات رمضانية تاوناتية ” بيو”

بإعلان حلول الشهر الكريم، تعرف مدينة تاونات حركة دؤوبة، ليلها كبنهارها، أجواء روحانية تفتقدها على مدى أحد عشر شهرا.  تكاد لا تختلف العادات الرمضانية في تاونات عن المدن الأخرى في المغرب، باستثناء بعضها التي تكاد تنقرض.

أيام قبل حلول هذا الضيف العزيز، تتغير طبيعة الحياة في البيوت: تنظيف البيت، إعداد الأكلات والحلويات المعروفة من شباكية، سلو…وشراء مستلزمات الشهر. لكن المميز في ليالي رمضان بتاونات تفضيل قضاء فترة ما بعد الإفطار في المساجد لصلاة التروايح، وعيادة المرضى وصلة الرحم.

وتعرف بعض المناطق بإقليم تاونات عادات غذائية خاصة لم تتأثر بالعادات الحديثة، تميز المائدة وتجعلها معرضا للأكلات الطبيعية.

إذا كان من الضروري العودة للطبيعة…فقد كان لتاونات في رمضان نظام وطبع خاص في ثقافة التغذية بالفطرة، تميز بأكلات صحية طازجة جبلية خاصة نذكر منها: البيصارا، وهي الفول اليابس والمجروش،  ربة البيت تقوم بطبخها في إناء من الطين ( الديابه ) على نار حطب هادئة، يضاف إليها أحيانا الليمون المخلل، وأوراق اللفت الخضراء ( الشرودة )، وزيت الزيتون والكمون أو الفلفل الحار ويقدم في وجبات إفطار رمضان، لكن هذه العادة الغذائية انقرضت إلى حد ما، ولم تعد تتشبث بها سوى بعض الأسر المحافظة على تقاليدها الجبلية، لاسيما أسرة الفنان الحاج محمد العروسي الذي لا يلين له الفطور في شهر رمضان الا والبيصارة على مائدة إفطاره.

 ولا تكاد تخلو مائدة تاوناتية من السفنج،  المسمن، البغرير…كما أن اللوز و”الشريحة”. يتربع السمك على عرش الوجبات المحضرة في وجبة الفطور خاصة المشوي أو ” الطجين”، وقد يفضل البعض طبق ” البيصارة” كبصمة تميز المائدة التاوناتية وكأسلوب لتغيير روتين ” الحريرة”، بالإضافة إلى العصائر والألبان والتمور والتين كالنابوت، الفـاسي، المري ، الغندال ، السبتي ، الحمري، كرش اجمل..

لا زالت ببعض دواوير وجماعات إقليم تاونات أسر تتشبث بعادات قديمة في الأكل من قبيل طبق “المنقوبين” المقدم بعد وجبة الإفطار، فقد كان من الضروري تواجد الفول والزرع والزيت والزيتون والقرع الأحمر والتين المجفف في كل البيوت، وكان من السهل تواجد هذه المواد باعتبارها من منتوجات ” البلاد” في كل بيت نظرا لكونها من انتاج الإقليم.

وبأغلب جماعات تاونات كانت الأسر تحرص على تحضير الرايب المحضر في البيت، تفضل الأسر تناوله في السحور، إلى جانب لحم الدجاج البلدي والبيض البلدي المسلوق و”التريد ” المهيئ بطريقة خاصة، يطبخ على ظهر قدور شبه مستديرة من طين الصلصال ليعطي رقائق شفافة جدا من الخبز يتم اعداده في رمضان مع مرق الدجاج البلدي أو الارنب الوحشي والحمام.

أما الحربيطة، فهي وجبة مهمة على المائدة في رمضان، يتم إعدادها من الحساء المكثف بأجزاء من حبيبات الزرع مع قطع اليقطين ( القرع الحمراء )، بالإضافة إلى ذلك، تحرص الأسر على تواجد “الزميطة”  وهو نوع خاص من حبات الشعير الأخضر الذي يقطف على شكل سنابل، تعرق في أفران طبخ الخبز ” الفورنة”، يطحن ويغربل لتأكل الزميتة بخلطها مع زيت الزيتون أو تغمس في التين الأخضر. وبعد استخراج الزميطة يتبقى ( التيشة ) ، التي يمكن طبخها مع الحليب.

بخصوص السحور، تنصرف بعض  النساء لإعداد الوجبة الليلية، ومن الأكلات التي  يتم بها تزيين المائدة ، البطبوط أو المخمر الذي يطبخ في ” الفراح” وهو مقلاة تقليدية.وقديما كانت الأسر التاوناتية في بعض الجماعات تفضل تناول التين والزبيب مع بعض اللبن أو الرايب مع السمن البلدي.

وتتشبث الأسر التاوناتية ببعض الطقوس ليلة الخامس عشر من رمضان من قبيل ضرورة شراء الدجاج البلدي وذبحه ليلة الخامس عشر من رمضان وليلة القدر، وإعداد الكسكس والتشيشة… تعمد النساء مثلا ليلة القدر في تاونات إلى إعداد الكسكس بالخضر أو الزبيب والبصل وإرساله للمساجد، ويتم قبل ذلك  إخبار سكان الدوار بالانضمام في مجموعات بعد صلاة التراويح  باعتبارها كصدقة تتنافس الأسر في إعداد هذه الأطباق.

وهناك عادة متأصلة يحرص عليها حي احجر دريان، أحد الأحياء القديمة بتاونات خاصة ليلة القدر تتنافس النساء في إعداد الكسكس بإتقان، وعند صلاة التراويح تمتلئ إحدى الغرف بأطباق الكسكس ” كصعات”. وبعد استراحة يأخذها المصلون يتجمعون حول الكسكس، ويتم منح الأطفال الذين يلعبون خارج المسجد نصيبهم.

…شهيوات بأنامل فاسية

تتفنن المرأة الفاسية في تحضير ” الشهيوات” خلال شهر رمضان، وتحرص على إرضاء أذواق أفراد العائلة. “سلو” و”البريوات” و”كريوش” و”الشباكية” و”القراشل” و”الفقاص” و”الزميتة” و”كعب غزال” و”غرييبة”..حلويات رمضانية تميز المائدة الفاسية وتعدها المراة أسبوعا قبل حلول شهر رمضان الكريم.

“الحريرة الفاسية” تعتبر وجبة أساسية يتناولها الفاسيون بشكل يومي وقد يستبدلها البعض بحريرة “العصيدة” أو “السميدة” أو “التشيشة” بالحليب أو القمح مفروم. وتتشبت الأسر الفاسية بتقاليد الإفطار في هذا الشهر العظيم من قبيل دق الطبول وإطلاق للرصاص للإعلان عن قدوم ضيف عزيز “شهر رمضان”.

وإن كانت الحريرة سيدة موائد إفطار الفاسيين، فموائد السحور لديهم تكون عادة خفيفة بعدما يكونون تناولوا وجبة عشائهم الذي قد يكون لحما أو دجاجا أو أطباق بشهيوات مختلفة. ويعمدون إلى اختيار الخبز المقلي بالبيض أو “السيور” و”الرايب” و”الجبن” و”الفلو” و”بغرير” و”الملاوي” و”الحرشة”، أطباقا لسحورهم الذي يختلف باختلاف الدخل والوضع الاجتماعي في حين تختار أسر أخرى “الروز” بالحليب. وفي وجبة السحور تفضل بعض الأسر تناول الوجبات الدسمة خلال السحور مثل “الدجاج بالمرق” أو “التفاية واللحم” و”الكبدة مشرملة” و”المخ بالبيض والثوم” و”بسطيلة” و”المحنشة”، فيما تفضل عائلات أخرى “الحليب باللوز والزهر” والحلويات و”التمر محشو باللوز أو الجوز مائدة مفضلة خلال السحور لخفتها على المعدة وثقلها بالفيتامينات.

وتحافظ الكثير من الأسر الفاسية العريقة، على عادة تناول فطور اليوم الأول من رمضان في منزل كبير العائلة الذي قد يكون الجد أو الأب أو العم أو الخال أو الأخ الأكبر. وهي عادة مهمة لصلة الرحم والحفاظ على تجانس العلاقات الأسرية، بالاجتماع على مائدة وجبة غذاء يوم الجمعة دليل “جمع الشمل”.

ويحلو السمر في رمضان بفاس،  بعد تناول وجبة الفطور يعمد الكثير من الشباب خاصة من الذين لا يقصدون المساجد للصلاة إلى الاجتماع في المقاهي لممارسة مختلف الألعاب الترفيهية للترويح عن النفس. فيما تختار النساء بعد فراغهن من الأعمال المنزلية، للسمر بجانب أبواب المنازل التي تتحول إلى حلقيات للحكي والفكاهة، كبديل عن روتين تتبع البرامج التلفزيونية التي تقدم مسلسلات وسيتكومات …

أمينة المستاري

مشاركة