الرئيسية تمازيغت حوار مع الناشط الحقوقي الأمازيغي أحمد عصيد

حوار مع الناشط الحقوقي الأمازيغي أحمد عصيد

كتبه كتب في 22 يوليو 2012 - 17:11

على هامش حضوره ضمن فعاليات الندوة الدولية لجمعية الجامعة الصيفية في دورتها العاشرة  حول موضوع تفعيل دسترة الأمازيغية تحديات والأفاق، كشف أحمد عصيد الناشط الحقوقي عن تصوره أتجاه كيفية تنظيم تنزيل دسترة الأمازيغية. وفي هذا الحوار يتحدث المفكر الأمازيغي عن نظرته حول أبعاد تنزيل الأمازيغية داخل المجتمع المغربي، كما يبدي رأيه في النقاش الحالي المرتبط بالحرية الجنسية.

على ضوء مداخلتكم خلال الندوة الدولية ماهي بالضبط التحديات الراهنة و الأفاق المستقبلية لترسيم الأمازيغية ؟

التحديات والآفاق لترسيم اللغة الامازيغية تكمن أولا في صياغة قانون تنظيمي في مستوى الرهانات الجديدة، هذا القانون التنظيمي يجب أن يقوم على تحصين المكتسبات، نظير إلزامية اللغة الأمازيغية كلغة لجميع المغاربة وتعميمها أفقيا وعموديا في التعليم وتوحيدها ومعيرتها، ثم كتابتها بحرفها الأصلي تيفناغ.

هذه ثوابت لا يمكن أبدا التفريط بها وينبغي أن تحضر بوضوح في القانون التنظيمي. ثم من جهة أخرى، يجب وضع أسس لإنجاح التعليم لأنه أساس إدارج الامازيغية في كل مناحي الحياة الأخرى، كون نجاح التعليم سيوازيه نجاح كل الأوراش الأخرى.

 وإلى جانب ذلك، فنحن نطالب بالمساواة بين العربية والأمازيغية في الحقل الإعلامي، إذ لن نقبل  بتاتا بدفتر تحملات وزير الإتصال الحالي الذي يعطي العربية الفصحى معدل 50 في المائة في التلفزيون، ويمنح للأمازيغية والدارجة المغربية والحسانية 30 في المائة فقط. فالأمازيغية لغة رسمية مثل العربية، وبالمغرب توجد لغتان رسميتان الأمازيغية ولهجاتها والعربية ولهجاتها، وعلينا تقسيم الفضاء التلفزيوني والإذاعي بالتساوي بين اللغتين ولهجاتهما. كون هذه التخريجات والتقليعات لا تدعنا أن نخرج من دائرة الميز والتهميش اللغوي و الثقافي. ثم بالنسبة للفضاء العمومي فالمغرب المعاصر يجب أن تصبح له هوية بصرية أمازيغية، واجهة المؤسسات، العلامات الطرقية، عناوين الأزقة والشوارع العمومية، إذ يجب أن تبرز الكتابة باللغة الأمازيغية كذلك.

وأيضا هنالك قطاع العدل والقضاء الذي يجب ترجمة نصوصه القانونية والتشريعية، إلى جانب  نصوص الجريدة الرسمية التي يجب أن تصدر بدورها بالأمازيغية وبالتالي تكوين القضاة والمحامين والسماح باستعمال الأمازيغية داخل المحاكم. وكذلك قطاع الصحة والإدارة الترابية، كلها يجب أن تحضر في مضامين قانون تنظيمي.

وعموما فلقد أصبحت الحركة الامازيغية تعمل وفق تصوران، تصور اقتراح الأفكار العامة والثوابت والتوجهات للحكومة والمعارضة، بهدف صياغة قانون تنظيمي يحترم تلك الثوابت والتوجهات، أو صياغة قانون تنظيمي كامل نصا من الألف إلى الياء. ومن جهة أخرى لا بد من دينامية اللغة الامازيغية في المجتمع، وذلك من خلال تشجيع الإنتاج بها أدبيا وفنيا على جميع المستويات لأن الإنتاج بالامازيغية والتكلم بها هو التوجه الكفيل بإعطاء اللغة الامازيغية ديناميتها الإجتماعية الضرورية في المرحلة الحالية.

يطرح مشكل واقعية ما ورد في الدستور ومدى تنزيله في الواقع الملموس، إذن هل الأمر مرتبط بإشكالية الأجرأة أم تحيين للقوانين  التشريعية والتنظيمية؟ على اعتبار أن البعض يعتبر الترسيم مجرد مطية للتجاوز والركوب على مرحلة الحراك الشعبي.

بالنسبة لي لا أرتاح لمثل هذا الحديث عن الطعم وعن المؤامرات، ولا أتوافق معه لأنه غير موضوعي ومن الناحية السياسية لا قيمة له، بل الخطاب الحقيقي أن هنالك مكاسب ننتزعها بنضالنا جميعا عن طريق الديمقراطية، وهو حال كافة التيارات الديمقراطية في البلاد، إذ لا يمكنك أن تناضل وتبرح في درجة الصفر.

 ولهذا  فما حققه الدستور الحالي يعد مكسبا حقيقيا على الرغم من أنه لم يكتمل، لأن الدستور في النهاية لم يؤسس لملكية برلمانية، إذ لم يؤسس لفصل السلط بالمعنى الحقيقي، وما زال الملك هو الذي يترأس السلط الثلاث، فهي ليست منفصلة، ومازال الدستور يسمح بوجود حكومة لا تحكم فعليا وإنما تنفذ سياسة ترسم خارج البرلمان وخارج الحكومة.

إذن هذا دستور تحفظنا عليه لأنه لم يصل لمبتغى الشعارات المرفوعة في الشارع، المطالب بملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم.

ولكن بالموازاة مع ذلك، حقق بعض المكاسب وبعض الخطوات منها ترسيم الامازيغية، و سمو المعاهدات الدولية رغم الصيغة التي جاء بها والتي تحتوي على إلتواءات ولكن تعتبر مكسبا. وكذلك مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.

ولهذا فيمكن أن نقول أننا حققنا بعض المكاسب ولم نبلغ مطامحنا الأخرى. إذ يمكن أن نقول أن دستور فاتح يوليوز هو دستور مرحلة، يعبر عن ما وصلنا إليه من جهودنا في مرحلة معينة، وستأتي مرحلة أخرى، ولهذا لا بد للنضال أن يستمر إلى أن ننتزع الدستور الذي نستحق.

تتحدث عدد من التيارات الأمازيغية و الهيئات الحقوقية إلى جانب بعض المتتبعين السياسيين مغاربة وأجانب، أن الربيع العربي الذي تعتبرونه ربيعا ديمقراطيا تعرض لإغتصاب من طرف الحركات الإسلامية  الذي خدم مصالحها في الوصول إلى مقاليد الحكم، ما هي وجهة نظركم في هذا القول؟

أنا لا أميل لهذا الرأي نهائيا، ولا أعتبر أن الحركات الإسلامية قد صعدت أو ركبت على موجة الحراك الشعبي، وما يروج لهذا الكلام ليست له دراية بالمجتمعات التي يتواجدون فيها ولا يعروفون أيضا آثار الإستبداد في المجتمع، كون إستبداد الأنظمة السابقة قد أدى إلى نشر ذهنية لا يمكن أن تكون سوى مع التيار الإسلامي.

 بمعنى  أن هذا المد الإسلامي صنعه إستبداد الأنظمة السابقة ومن الطبيعي أن يصعد الإسلاميون، ولكن ماذا بعد صعودهم هل ستذبح الديمقراطية، ونظل ننتقل من استبداد إلى استبداد أكثر سوءا، لا بالطبع، فالنظام الديمقراطي عليه أن يتوحد، وأن يعيد النظر في أساليب عمله، إلى جانب البث في الخلافات الهامشية لكي يزيحها عن طريقه، وينظر إلى ما يجمع بينها الناس المؤمنين بالديمقراطية، لأنهم هم الأغلبية الحقيقية والإسلاميون أقلية منظمة في حين أن الديمقراطيين أغلبية مشتتة، وفي الإنتخابات الأقلية المنظمة هي التي تفوز، وإن كانت لا تمثل الشعب بأكلمه، ولهذا فلا بد من أخذ العبرة مما جرى.

والحراك الديمقراطي أسقط عدد من الحكام،  ولكن لم يسقط الأنظمة بالكامل وسمح ببعض النزاهة في الانتخابات، وإذ توفرت النزاهة فإنه من المنطقي  أن يبرز التيار الاسلامي الذي ظل يقدم نفسه للمجتمع منذ عقود أنه ضحية للإستبداد ومحروم من الممارسة السياسية، لكن إذا حصل تكثل لدى القوى الديمقراطية السياسية والمدنية فسيكون هؤلاء الإسلاميون أقلية. وبالتالي يمكننا أن نجتاز هذه المرحلة بسلام مع الحفاظ على ثوابتنا الديمقراطية والحفاظ على مكاسبنا، لأن المكاسب المحققة والتي نحظى بها في المغرب ناضل من أجلها اليسار، وقدموا تضحيات كثيرة لبلوغها، من اضطهاد وأعتقال وتعذيب ونفي وقتل طيلة عقود طويلة من الزمن، ولهذا فلن نسمح أن يمس بها التيار الاسلامي أو أي تيار آخر يريد أن يعود بنا إلى الوراء.

 وهذه هي القاعدة التي يجب أن نضعها نصب أعيننا، وأن نعمل بشكل متكتل وأن نعمل باستمرار وتنسيق لتحقيق مكاسب أفضل ونبدو كقوة أكبر، وهو الأمر الحاصل لدى التيارات الاسلامية من تكثل وتعاضد بين العدل والإحسان والسلفيين وحزب العدالة والتنمية، رغما عن أنهم متناحرون من الناحية الإيديولوجية، ولكن حصلوا رغم هذا التكتل ورغم تصويت السلفيين وعدد من أهل العدل والإحسان الذين تظاهروا بأنهم يقاطعون الانتخابات. بحيث صوت عدد منهم لصالح حزب البيجيدي، ورغما عن ذلك لم يحصلوا إلا على مليون ونصف صوت، وهذا يدل على أنهم ليسوا أغلبية ووزنهم الجماهيري ليس بالشكل الذي كان يتصور له من ذي قبل، فالآن السلفيون يحاولون خلق حزب جديد وهذا سيضعف البيجيدي في الانتخابات، وربما تظهر أحزاب وقوى أخرى في التيارات الإسلامية مما سيجعلها متفرقة، لكن التيار الليبرالي والإشتراكي اليساري والتيار العلماني عموما، ينبغي عليه أن يتكتل مدنيا وسياسيا لكي يواجه تحديات المرحلة.

كيف تنظر لمستقبل الأمازيغية، بالنظر إلى حصيلة نضالات الحركة الأمازيغية ورهاناتها المستقبلية ؟

مستقبل الأمازيغية بالمغرب بدون شك سيكون مستقبلا زاهرا، إذ أصبح قدوة لجميع اللأمازيغ في شمال إفريقيا، الليبيون يطمحون أن ترسم لغتهم في الدستور الليبي، ونفس الأمر بالنسبة لأمازيغ تونس والجزائر الذين يريدون اللحاق بالركب.

 إذن، الآن نعيش نهضة الوعي الأمازيغي المصاحب لهذا الحراك الشعبي الذي عبر عن نفسه بقوة في الشارع، وفي عدد من البلدان، ورافقه أيضا نوع من الطموح نحو لعب دور رئيسي في المسرح السياسي والمدني.

 ولهذا  ينبغي أن نعتبر أن الامازيغية مقبلة على مرحلة جديدة من تاريخها، بدأ بالترسيم في الدساتير ثم التعليم في المدارس، ثم  وفرت الإنتاج الإبداعي والمعرفي داخل المجتمعات، كل هذا وذاك لكي نتعايش مع المكونات الأخرى تعايشا سلميا متسامحا.

ماهو تقييمكم للنقاش الحالي حول الحرية الجنسية بالمغرب الذي أثار جدلا واسعا ؟

هذه المسألة تتعلق بهذا التناقض الموجود بين الدستور والقانون الجنائي. وهو الأمر الذي لم يعد مقبولا اليوم بعد مراجعة الدستور وتنصيصه على الحريات وعلى حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها في العالم، إلى جانب أن منظمومة حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئ، وبالنظر إلى مضامين القوانين الدستورية فهي لا تتطابق مع القانون الجنائي الذي يجرم عددا من الحريات المتعارف عليها عالميا، في حين أن المحافظين هم بصدد قراءة الدستور برؤية سلفية تتعارض مع مضامين نصوصه محاولين إقتيدنا نحو الإيهام، أنه من خلال إستعمال مفهوم إسلامية الدولة فإننا دولة دينية محضة، وهذا أمر غير صحيح لأن المقصود من إسلامية الدولة في الدستور يفيد أن الإسلام في المغرب دين معظم المغاربة وليس مرجعية، لأنه غائب في العديد من مناحي الحياة الأخرى حيث تعتمد قوانين وضعية.

ولهذا فيجب التفكير في مطابقة الإسلام مع متطلبات التحديث وتأويله وفق منظومة حقوق الإنسان الدولية، لأن ممارسة الجنس خارج الزواج معمول بها على نطاق واسع والمجتمع متسامح معها.

أما الناس الذين يمارسون الخطابة الدينية ويعطون لأنفسهم الحق في تهييج الجمهور ضد حقوق الإنسان هم دعاة فتنة. وعندما يتنكرون لمنظومة حقوق الإنسان ويريدون جرنا لمنظومة الدولة الدينية التي لا توجد اليوم، فعندما ينطق قائل جاهل بأنه الشرع يقول أقتلوا من لا غيرة له، فإن المسألة تعتبر عملا خطيرا وقودا للتحريض على القتل لابد من المعاقبة عليه وإحالته ملفه على القضاء ليقول فيه كلمته، لأنه ليس مسموحا أبدا لأي كان بأن يحرض على التحريض والقتل والإعتداء من اجل إسكات خصومه السياسيين لأنهم فقط يختلفون عنه في وجهات النظر والموقف الفكري او السياسي.

فمن حق أي كان أن يبدي من الحجج و البراهين لكي يفحم به رأي الآخر، ولهذا السبب كان التحرك من لدن منظومة حقوق الإنسان والتضامن مع الصحفي المختار الغزيوي الذي لحقه هذا الإعتداء من طرف  خطيب متهور وجاهل ليس بفقيه ولا عالم دين متخصص،  بل هو شخص ترامى على هذا الحقل من باب الخطابة والرغبة في إثارة الفتن.

 ونحن نرفض أن يكون لبلدنا هذا المصير، فإذا كانت بلدان الشرق قد أصبحت أسيرة هذا النوع من الدعاة الجاهلين فلن نقبل أبدا لبلدنا أن يقع  في هذا المصير المشئوم.

ومن جانبي، فأنا من المؤيدين لهذا المطلب الذي أعتبره مطلبا مشروعا يطابق الواقع المعاش في مجتمعنا التي توجد فيه ممارسة جنسية خارج نطاق الزواج بشكل طبيعي وسلس. وأعتقد أن النقاش الحالي هو نقاش صحي كون المجتمع المغربي يعيش مخاضا نحو التحول من مجتمع تقليدي صوب مجتمع تحضر فيه الحداثة والدمقرطة، لأن نابع من الحاجات الجديدة التي تعكسها تحولات المجتمع المغربي.

حاوره يوسف عمادي

مشاركة