الرئيسية اراء ومواقف كشف الفضائح: هل من خصوصية للشخصية العامة؟

كشف الفضائح: هل من خصوصية للشخصية العامة؟

كتبه كتب في 27 سبتمبر 2016 - 23:59

ذ.الكبير الداديسي

كثير من الناس يخطئون ويجرمون كل يوم ولا ينتبه لهم أحد ، مقابل ذلك تصبح  أعراض وخصوصية الشخصية  العامة  على كل لسان لخطأ قد يكون بسيطا،  إنها الديمقراطية الحديثة التي تضع الشخصية العامة المشهورة  كالوزراء والنواب البرلمانيين ومسؤولي الأحزاب السياسية والموظفين العامين، والفاعلين الجمعويين، والرياضيين والأدباء والمفكرين… تحت المجهر  وتجعل العيون تتربص هفواتهم وأخطاءهم ، وتجعلهم محط انتقادات يومية من وسائل الإعلام تنشر أسرارهم، وتنهش أعراضهم وأعراض أسرهم ، وتحتم عليهم قبول النقد بكل سعة صدر وترحيب فقط لأنهم شخصيات عامة انتخبت أو عينت وكلفت بخدمة الشعب والوطن . ومن تم فمن حق الشعب ومن حق من انتخبهم أن يراقب تصرفاتهم وعليهم  أن يقبلوا تلك الانتقادات … خاصة أمام تخلي المؤسسات الرسمية (حكومة، قضاء، برلمان…)  على مراقبة ومحاسبة المسؤولين … فكان طبيعيا أن يسحب الشعب سلطة الرقابة من المؤسسات ليمارس ضغطا على الشخصيات العامة، وطبيعي أن تكون رقابة الشعب أقسى، وتشهيره في الحدود القصوى .. في حق كل من ترك المسؤولية واتبع الملذات والشهوة …

تبدو المسألة شبيهة بتناقض قانوني ، ففي الوقت الذي تنص العديد من الدساتير والقوانين المحلية والمواثيق الدولية على احترام خصوصية الأفراد والجماعات  وتمنع انتهاك تلك الخصوصية والتدخل في الحياة الخاصة  للأفراد و الأسر والاطلاع على  مراسلاتهم. وتعاقب من ينتهك خصوصية وحرمات الغير بغير موجب قانوني… نجد خصوصيات الشخصيات العامة مباحة  ومشرعة الأبواب للجميع، وغالبا ما تكون قضايا الفساد السبب الرئيسي للنبش في الحياة الخصوصية للشخصيات العامة، وتشريحها وعرضها للجمهور… ويبقى الفساد الأخلاقي وقضايا الآداب والخيانة الزوجية الأقوى تأثيرا، والأسرع تداولا، الأكثر تحريكا للانفعالات وردود الأفعال…

فقد سجل التاريخ المعاصر أحداثا  وقعت  لشخصيات عامة فقلبت حياتهم رأسا على عقب: ففي الوقت الذي تتعرض ملايين الفتيات في العالم للتحرش والاغتصاب كل يوم،  كان تورط بعض الشخصيات العامة كفيلا بالعصف بتاريخهم وحياتهم المهنية . فتحرش ستراوس كان  وهو المدير العام لصندوق النقد الدولي أكبر مؤسسة مالية  عالمية  ، والمرشح للفوز برئاسة فرنسا بعاملة التنظيف الغينية الأصل في فندق سوفيتل بمانهاتن  هوى به من القمة ليحيله شخصية ذليلة مجردة من كل صلاحياتها أقصى ما تحلم به كسب العطف والتعاطف. وكاد تحرش بيل كلينتون بمونيكا لوينسكي، وهو رئيس أكبر دولة في العالم، يعصف بحياته السياسية ، وكان كشف خيانة الملياردير لاعب الغولف تايغر وودز لزوجته سببا في إبعاده عن الأضواء وتوقيف مشواره الرياضي… وحوّل تحرش الملاكم  المغربي حسن سعادة بعاملتي نظافة حلم بلد إلى مسخرة أولمبية والأمثلة على تأثير الفضائح الأخلاقية على حياة المشاهير  كثيرة ومتنوعة …

واليوم في المغرب – والمناسبة انتخابات تشريعية ، وغالبا ما تكون الانتخابات مناسبة للنبش في الحياة الخصوصية للسياسيين –  لا حديث إلا عن فضائح بعض الشخصيات العامة لعل أهمها:

  • الكوبل الوزاري: وزير متزوج يتعلق بوزيرة مطلقة، وتتطور علاقتهما لتنتهي بالزواج بعد تداول العديد من المواقع والأقلام لهذه العلاقة التي انتهت بخروجهما من الحكومة .
  • الكوبل الدعوي: داعية عضو في رابطة علماء المسلمين ومتزوج يضبط في حالة تلبس وخيانة زوجية مع ناشطة وداعية وواعظة، وهما معا قياديان في هيئة دعوية ليجدا أنفسهما بعد كشف أسرار تورطهما مجبرين على الزواج.
  • الكوبل البرلماني : برلمانيان : عضو في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية وأصغر برلمانية من نفس الحزب ، لكل منهما أسرته وحياته الخاصة  تنشر الصحافة أسرار علاقتهما . وتضع مستقبل حياتهما المهنية والأسرية في مهب الريح.

والملاحظ أن الرأي العام – وأن كانت تتحكم في توجيهه دواليب السياسة والإعلام ومصالح اللوبيات المسيطرة – غالبا ما يزداد سخطا فيستهجن هذه الأخطاء ويبالغ في تقريع الشخصيات العامة عندما تكون تلك الأخطاء مناقضة للخطاب والشعار الذي تروج له تلك الشخصيات : هكذا كان مصير  دومينيك ستراوس كان  – المحسوب على اليسار وإن نجا من قضية فندق كارلتون التي شكلت أول قضية (تسيير أعمال القوادة) في تاريخ القضاء الفرنسي  – السقوط المدوي في قضية تحرش عصفت بكل مساره السياسي والمهني، وكذلك تفاعل الشعب الأمريكي مع قضية مونيكا لوينسكي لأن  الرئيس استغل وضعه الاعتباري ومكانته السياسية … ولذلك أيضا كان تفاعل الشعب المغربي مع كوبلات العدالة والتنمية بقوة ، فقط لأن الأفعال المنسوبة إليهم تقف على الطرف النقيض من خطاباتهم، فظهروا للعامة  بمظهر المنافقين الذين يفعلون عكس ما يدعون، وبصفة الشخصيات التي تجتمع فيها كل الأمراض النفسية من السكزوفرينية الموسومة بالازدواجية في التفكير والانفصام في الشخصية، إلى السكوباطية (التواقة إلى الكذب السرقة، النفاق وإيذاء من حولها لإرضاء غرائزها دون الشعور بالذنب ) إلى المعتوهة التي لا تقدر عواقب أفعالها …  فكان ضبط داعيتين في وضعية مخلة بالحياء وكل خطابهما متمحور حول العفة ، غض الطرف، منع الاختلاط معاقبة الزاني… وكان ونشر غسيل خيانة وزراء وبرلمانيين يمثلون حزبا يدعي المرجعية الدينية  زلزالا مدويا لا يقبله العقل ، وانفجارا مهولا لا تضبطه قيم وأخلاق ، ولا يراعي حرمة المؤسسات الدستورية للبلد، ولا مشاعر العامة التي تمثلها تلك الشخصيات والتي اختارتها لتشرّع/ تنفذ  وتدبر الشأن العام.

 هذه النماذج وغيرها ، تفرض  بـإلحاح مناقشة أين تنتهي الحياة الخاصة للشخصية العامة؟ وهل للشخصية العامة حياة خاصة أصلا؟؟ فقد تتاجر الشخصية غير العامة في العقار وتمتلك ما تشاء من الأطيان، وترفل في آخر موديلات السيارات ولا يأبه لها أحد ، فيما الشخصية العامة مراقبة في الشاذة والفاذة، وإن اقتنت عقارا أو سيارة فارهة بأموالها الخاصة، فإن الرأي العام لا يرحمها  ولا يرى في مصدر تلك الأموال إلا فسادا ، تبييضا للأموال أو استغلالا للنفوذ… وعلى الشخصية العامة – وهي التي تتقاضى راتبها من أموال الشعب – أن تفهم أن ذلك ضربا من الرقابة ، لذلك فهي مطالبة أكثر من غيرها بقراءة عواقب أفعالها ، واتخاذ الحيطة والحذر في كل خطوة تخطوها…

 صحيح أن الكثير من الشخصيات العامة من السياسيين والمنتخبين – خاصة في الدول المتخلفة- يستغلون ثقة الشعب للارتزاق والكسب غير المشروع ، والغنى السريع فيترقون في سلم الغنى سريعا…    لذلك يبدو للبعض ضرورة التشديد في  مراقبتهم ، وترصد حركاتهم وسكناتهم ، وكشف أسرارهم متى ما تورطوا في فضيحة ما … ومن تم  لا يقبل أبدا  أن تتورط الشخصية العامة في قضايا الفساد بكل أشكاله وتجلياته ، وخاصة قضايا الآداب والأخلاق وهي الموكول إليها تخليق الحياة العامة. فبما إنها شخصية عامة مشهورة و في مركز القرار فإنه يفترض فيها أن تكون قدوة للشباب  ويفترض فيها أن تظهر  للعلن وكأنها تقارب الكمال وتوجب عليها الظهور بمظهر المعصوم من الخطأ، البعيد كل البعد  عن الخطأ وأن  تلتزم اجتماعياً ومهنياً بأخلاقيات معيّنة ومحددة، وأن تترفع  عن الجانب الحيواني الذي يسكن كل إنسان …

لكن مهما تعددت الآراء والمواقف، ومهما كان الإجماع حول ضرورة كشف المفسدين، والتشهير بهم ليكونوا عبرة لغيرهم   فإن خيوطا دقيقة جدا يجب أن تفصل بين كشف الفساد وحماية الخصوصية الفردية،  فمن حق المرء أن يسأل هل خطأ  فرد يستوجب كشف عورته وعورة أسرته وأقاربه للملأ؟؟ وهل خطأه – وهو مسؤول – يبيح النبش في طفولته وأصله وفصله  وتاريخ أجداده وآبائه؟؟ مقابل ذلك ألا يستحق كل ذلك التشهير  ما دام قد خان أقرب الناس إليه (الزوج أو الزوجة) و تورط في قضايا الآداب دون أدنى مراعاة لشعور أبنائه وآبائه أسرته، ومن فعل ذلك  سيكون من السهل عليه أن يخون الغرباء، ويخون الوطن والأمانة التي ألقيت على كاهله، لذلك يبدو مقبولا ألا تكون للشخصية العامة خصوصية، ومن أخطأ من الشخصيات العامة فعليه تحمل مسؤولية خطأه ومن تم التشهير به دون وجه حق أو بنية مبيتة،  فالقضاء  هو الملجأ الوحيد لضمان الحقوق.

 

مشاركة