الرئيسية مجتمع سونا أبغات الكديد..طقوس غابرة من احتفالية الكبش بالمغرب العميق

سونا أبغات الكديد..طقوس غابرة من احتفالية الكبش بالمغرب العميق

كتبه كتب في 18 سبتمبر 2016 - 11:49

كلما اقترب عيد الأضحى بأجوائه الفوضوية وأصواته المنفرة وروائحه الغريبة التي تكاد لا تميز فيها بين صنان الأنعام وعرق الإنسان، إلا وقفزت بي الذاكرة إلى سنوات الصبا وزحمة سوق الأحد بجرادة بغباره وروثه وطقوسه كمكان مخيف لأغلب الوافدين عليه من خفة أيدي النشالين. أو هكذا على الأقل كنت أسوة بأترابي في زمن الطفولة الشقية أتصور هذا الفضاء كمجال للسرقة والاعتداء اللفظي والجسدي، لنؤثث ليالينا بروايات نستحضرها بناء على ما سمعناه ممن يكبرنا سنا أو لنختلق على سجيتنا حكايات حول من تصيدتهم الأيادي الخفيفة وتركتهم دون أضحية.

وكثيرا ما كان يحلو لنا السمر ليلة العيد وقد هدنا الجري مع “دينيفري” أو تعبنا من لعبة “أعمود الليل”، حتى يذكرنا أحد أعضاء العصابة بما كدنا ننسى، “سونا” ذلك الطقس الذي لا يستقيم بغيره عيد الأضحى، وإلا هجمت من دونه على مضاربنا الشامخة ذات التاريخ التليد فرق من دواوير أخرى.

مضت السنون وكبرت ولم أنس في ترحالي وبالرغم من تعدد قراءاتي الأهازيج و أجواء الفرح الطفولي الطافح الذي كان يطوح بي رفقة عصابتي ونحن نطوف على الدور والدواوير وننشد “سونا أبغات الكديد*** والعيد مازال أبعيد، سونا أبغات الكديد *** وأعطيوها ياودي”.

هل كبرت فعلا؟ لم يحصل أبدا بدليل أني أنجزت بحث إجازتي باللغة الإنجليزية بجامعة وجدة حول موضوع “ظاهرة سونا كأحد أشكال المسرح الجنيني بالمغرب الشرقي”. قادني شيء من الجنون إلى استكشاف حقب من التاريخ القديم لهذا البلد، و أيقنت أن المؤرخ البكري (القرن 11 الميلادي) أشار إلى أن “عبادة الكبش” كانت سائدة في مناطق عدة من الشرق والجنوب الشرقي للمغرب.

التهمت بنهم كتب كلود ليفي ستروس، لاسيما “الفكر المتوحش”، قبل أن أعرج على “الضحية وأقنعتها” لعالم الأنتربولوجيا المغربي عبد الله حمودي، ثم، ثم، ثم نسيت…لفني غبش الإعلام وابتعدت عن “سونا’ عشقي الطفولي طويلا، حتى أعادتني إلى حبالها وأنا أتابع من موقعي الصحافي ندوة بأكادير حول ظاهرة “بويلماون”.

كنت أدرك أن للظاهرة تسميات أخرى بحسب المناطق، بين “بوهيظور” و “هرما” و “بوجلود” و “بويلماون” و “باشيخ” في القطر الجزائري و”سونا” طبعا، لكني لم أكن أتصور يوما أن يكون لها كل هذا الامتداد المتوسطي، بل إلى جزر الكناري غربا، ناهيك عن الطقوس المواكبة لها في عدد من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، الامتداد الطبيعي و البشري لساكنة هذا البلد.

أذكر كيف كان يلقي بعض الكبار على مسامعنا بكثير من الاستحسان أحيانا كلما حللنا عليهم بفرقة “سونا” بنعت “أوذاين” (بمعنى اليهود) ولم نكن لنلقي بالا للنعوت، ما دامت بعض النسوة كن يجزلن لنا العطاء في مقابل ما ننفحهن من قطعة سكر موصولة ببعض الدعاء. ثم اشتد الخناق علينا منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي بفتاوى تقول إن من مات خلال الأربعين يوما الموالية لممارسته هذا الطقس سيموت على ملة اليهود، مع ما واكب البرامج التعليمية من هزات ورجات في سياق الزحف الوهابي.

والمغاربة يحتفلون بعيد الأضحى المبارك، أحتفظ بذكرى أطفال مثلي بين دروب و أزقة إنزكان وباقي الحواضر والقرى ممن ينشغلون بإنجاز أجود أنواع جلود التنكر في كرنفال سنوي يوقع هذا العام على نسخته الثالثة من أجل الفرح، ضدا على التكفيريين، ضدا على زحف الظلام.

لحسن إزلكان

مشاركة