الرئيسية مجتمع تيزنيت :هذا ما كتبته “الأحداث المغربية” عن “أبوقال وتــاي” مند ثمان سنوات

تيزنيت :هذا ما كتبته “الأحداث المغربية” عن “أبوقال وتــاي” مند ثمان سنوات

كتبه كتب في 16 أغسطس 2016 - 23:02

” أبوقال وتاي” أو بوقال عاشق الشاي، متشرد سارت بذكره الركبان بتيزنيت، يعيش منعزلا عن العموم غير أنه يصادق القطط بشكل غريب، يحب وضع الخواتم والدمالج بأصابعه ويديه، وكنس شوارع المدينة، كما تحتنفظ ذاكرته بملهمته ” رقية”، وبعلبة السجائر ” كازا” ب” 16 ريال” وبطيف العيساوي مولاي امبارك، ولا زال يحمل لبنات الآجور لقبره ليلا إلى الآن وفاء لذكراه.
أكادير: الأحداث المغربية
رغم تعدد مواهب مدينة تيزنيت ورجالاتها في كل المجالات، استطاع أبوقال وتاي أن يضاهيها شهرة، وحتى وإن كان مجرد متشرد، يستحوذ على ركن من حي قصبة ” إمزيل” بالهواء الطلق ة، ويتخذ منه مقاما له. أبوقال وتاي أو بوقال الشاي كنية لزمت المتشرد محمد مند قدومه إلى تيزنيت سنة 1973 من منطقة مجاط، صواحي تيزنيت مرتديا سلهاما، ويحيط خصره ب” الشكارة” التقليدية ” أقراب” لحفظ كل ما يحتاجه في تنقله. ارتبطت كنيته بالشاي بسبب ولعه الكبير بشربه، فكان يطوف الأحياء والمقاهي ولا يمل من طلب الشاي. ساعيا مده إياه لاهتا لا يقوى على مفارقته.
اشتهر هذا الشخص مند حلوله بالمدينة إلى اليوم فصلا عن ولعه بالشاي، بثلاث لازمات دأب على التمسك بها وجعلت اسمه يتردد بين الصغير والكبير، وبين النساء والرجال على السواء.

الأولى ابتلاؤه بتنظيف شوارع المدينة، وجمع أزبالها وسط الحاويات، حتى أصبح البعض يلقبه ب” البلدية”، والثانية ولعه الشديد بوضع الخواتم في كل أصابعه، والدمالج بكلتا يديه، وبسبب ذلك كسب صداقة نساء الأحياء أكثر من الرجال فدأبن على مناداته لتنظيف الهوامش المحيطة بدورهن، أو جلب الماء من السقايات لبيوتهن، ولا يتوانى أبوقال وتاي في الخدمة، ويشترط أن تمده ربة البيت التي تطلب منه تلك الخدمة خاتما أو دملجا مقابل ذلك، يضعه بكل فرح إلى جانب الدمالج أو الخواتم ، وقد اختفت أصابعه، ويديه من الكوعين حتى المرفقين بهذين النوعين من الحلي المفضلة لديه لأسباب تبقى غامصة.
اسم ” رقية” بدوره يحدث رجة في دواخل أبوقال ويبدو أنه يذكره بعلاقة حميمية قديمة، أو بطيف امرأة استحوذ على فؤاده، لذلك تستعمل النساء بمكر هذا الاسم كلما أبدى أبوقال رفضا أو تلكأ وترددا في الخدمة، فتخاطبنه ” سير لا نقولها لرقية” أو ” قالت ليك رقية”…
بلية أخرى مثيرة يتشبث بها أبوقال وتاي، وتتمثل في مداومته على ارتداء الجلباب فيحزم حوضه بحبل ليتمكن من وضع القطط التي يصادفها أسفل جلبابه، يحيطها بعنايته، فيصيح خصره وبطنه مثقلا بالقطط، ويطعمها حتى أصبحت أكثر معرفة به ، تستسلم له بكل دعة ليلتقطها ويدخلها بين بطنه وتلافيف جلبابه بكل دعة وأمان.
فضل أبوقال وتاي معاشرة القطط وآترها على معاشرة بني جنسه الآدمي فكان كتوما، غير أن اثنين استطاعا أن ينال إعجابه وأثرا في حياته، العيساوي مولاي امبارك الذي غادر إلى دار البقاء إثر لدغة ثعبان، وحاليا مصطفى أمعمر الذي يشتغل بالأمن الخاص بأحد ملاهي المدينة. فقد ظل العيساوي مولاي امبارك أحد حلايقية تيزنيت يجمع له عند إنهاء كل حلقة قدرا ماليا تزيد أعداد دريهماته أو تنقص حسب ما بجود به المتفرجون كل يوم، وإن كان محمد أبوقال لا يعرف إلى يومنا عد النقود، كما لا زال لا يعرف من السجائر سوى ” كازا” ولا زال يحتفظ في ذاكرته بثمن العلبة في حدود ” 16 ريال” فلا يتردد الآن في القول ” كازا 16″ عندما يطلب أحد أن يناوله سيجارة من هذا النوع من الدخان.
توفي مولاي امبارك العيساوي في إحدى الصباحات فكان يوم عزاء حقيقي عند أبوقال الذي فقد سنده، فحمل إلى قبره الأحجار والآجور قصد بنائه، وحتى وأن موت العيساوي مرت عليه سنوات فلازال ابوقال إلى اليوم يحمل لبلا إلى المقبرة الأحجار ولبنات البناء، وقد يقصي ليلة بأكملها في حملها من أمام بيوت السكان نحو المقبرة، وكثيرا ما استيقظ الأهالي فوجدوا ما جلبوه من لبنات البناء إلى جوار بيوتهم قد نقله ابوقال بالليل إلى المقبرة وفاء لذكرى مولاي امبارك. أما اليوم فيلوذ أبوقال طلبا للحماية والغذاء لحضن رجل الأمن الخاص مصطفى امعمر الذي ابتلي بدوره بموهبة الاعتناء بالمشردين والحمقى وتغذيتهم والعناية بهندامهم والدفاع عنهم ضد من يضطهدهم.
لم يبرح أوبوقال وتاي تيزنيت مند أن وطأتها رجله سنة 1973 إلى الآن سوى مرة واحدة عندما اعتقل وسجن بعدما رمى استاذا بحجر طائش وكان يهم ضرب أحد الشبان الذين يعتدون عليه، وقد حمل إلى سجن بولمهارز بمراكش حيث انتزعت منه خواتمه ودمالجه، ولبث هناك مدة، وتشرد بشوارع المدينة بعد إطلاق سراحه، إلى أن استقدمه أحد أبناء المدينة عندما صادفه هناك، وغير ذلك لا يغادر تيزنيت سوى مرة واحدة في السنة ليقصي أياما بموسم سيدي أحماد أو موسى بمنطقة تازروالت.
إدريس النجار و محمد بوطعام – الأحداث المغربية

مشاركة