الرئيسية مجتمع “تَصَابُونْتْ”.. شُربة من التمر وتسعة أعشاب لمواجهة تقلبات الطقس بالشرق

“تَصَابُونْتْ”.. شُربة من التمر وتسعة أعشاب لمواجهة تقلبات الطقس بالشرق

كتبه كتب في 26 يونيو 2016 - 16:03

تشتهر قبائل زاكورة بإعداد شربة سحرية يطلق عليها محليا اسم “تصابونت”، الشربة التي تكون مستخلصة من التمر المجني بالواحات المنتشرة بسهل درعة، وتعد هذه الشربة الشهيرة في المنطقة، إحدى الوصفات الناذرة عبر تراب المملكة، تزين بها الاسر الزاكورية، موائدها خلال شهر رمضان، ومنهم من يفضل تناولها بعد آذان المغرب مباشرة لما لها من فوائد كثيرة .

عائلة عبد الفتاح وهو أحد ابناء قبيلة “تامكروت”، التي تبعد عن مركز زاكورة بحوالي 18 كلم، في سمر رمضاني، وعاين طريقة اعداد هذا ا المشروب السحري.

انتقاء التمر

ليس كل التمر صالحا ومؤهلا لكي يكون المادة الاولية لهذه الشربة الزاكورية، فعائلة عبد الرحمن، وبحكم تخصص رب الاسرة في بيع التمور وتسويقها للراغبين في اقتناءها، فهو على دراية تامة بكل أنواع التمر الموجود في الواحات المنتشرة بضفاف واد درعة، يقول عبد الفتاح.

التمر المستعمل في الشربة لا يخرج عن نوعين، فالاول يدعى “الخْلْطْ”، و بلغة أهالي المنطقة ” سِيرْ”، ويتم جنيه من الاشجار في نهاية يوليوز وبداية غشت من كل سنة، ويكون وإنتاجه وفيرا، سعر الكيلوغرام منه يختلف حسب المنتوج وجودته،  ويباع بأثمنة تتراوح مابين 10 و18 درهم للكيلوغرام الواحد، والشجرة التي تعطي هذا النوع من التمر، يكون شوكها رطبا وليس حادا، وجريد نخلها أملسا، وسهل القطع.

والنوع الثاني من التمور يدعى “بوسْتحمِّي” ، وهو أغلى من الاول وأحسن جودة ، وثمن الكليوغرام منه قد يتراوح مابين 20 و 40 ردهما حسب نوعية السلعة، وحتى النخلة التي تعطيه تتميز بالارتفاع الكبير،  بل إن بعض الفلاحين ومالكي الواحات يعمدون إلى الاستغناء عن جني بعض الغلات منه لكونها تتواجد في ارتفاع شاهق قد يعرض المكلفين بالجني للخطر في أية لحظة وخاصة وانهم يشتغلون في ظروف عمل تنعدم فيها شروط السلامة، وتتميز اشجار نخيل “بوستحمي” بكونها صلبة ولا تتأثر بعوامل المناخ وطول الزمن، ولذلك اتخذ الاهالي جذوعها كأعمدة لتسقيف منازلهم، وتمنح لهم الرطوبة الكافية في الصيف والدفء في الشتاء .

“خميرة” من تسعة أعشاب

وبعد انتقاء التمر وغسله، يصل دور المرأة، فعائلة عبد الفتاح، لا تخرج عن التقاليد الموروثة، فهي الضامن الوحيد لغرس قيم الارتباط بالارض وبالمنطقة رغم قساوة الظروف المناخية، تتولى السيدات في عائلة عبد الفتاح مهمة اعداد “الشربة” كل يوم قبل حلول موعد الافطار بساعات، فتكون البداية بإعداد “الخميرة” السحرية، التي تمنح للشربة مذاقا خاصا.

وتتكون هذه الخميرة من تسعة أعشاب اغلبها تنبث في بيئة صحراوية، و هي بالتوالي “تِيضْمَاسْ، تاوْسْرْغِينْت، العنبْر، تَارَا، الوْرد، رِيحَان، فْلِيُّو ، تِيمِيجَّا، الكُوزَا، ويضاف اليها ثلاثة تمرات من نوع ” جِّيهْل” وهو احد انواع التمر الممتاز بالمنطقة ” ، وتوضع هذه الاعشاب في قنينة ماء بارد من سعة خمس لترات، و بعدها تعد العجينة ويلزمها لهذا الغرض كيلو من التمر تعجنه بعلفه جيدا حتى يصبح مزيجا لزجا، ثم تأخذ غربال الدقيق وخاصة المصنوع من خيوط الألمنيوم و دلو عادي، و تقوم بوضع الغربال فوق الاناء وبعدها تأتي عملية غربلة عجينة التمر ، والمادة المقطرة المحصل عليها تضاف الى الأعشاب داخل القنينة، وتوضع جانبا ليومين او ثلاثة قبل استعمالها كخميرة .

طريقة التحضير

تهيء الزاكوريات  ما يطلق عليه المحليون (ربع عبرة ) من التمر أي ما يعادل 5 كلغ وتوضع في قصعة من الطين يطلق عليها المحليون “تازلافت” .

ويقول عبد الفتاح :”للنساء طريقة خاصة في عجن التمر،  فهن اكتسبن مهارة كبيرة بحكم ممارسة هذا العمل منذ صغرهن، وامام أعين الجدات ثم الامهات، ومن تم تأخذ السيدة القصعة ويفضل جلسة القرفصاء حتى تستطيع التحكم فيها، ثم تبدأ في العجين حتى يصبح كتلة متراصة تشبه الى حد ما “الصابون البلدي” وحينها توضع جانبا في القصرية ، وتبدأ السيدة بسحب كميات قليلة الى الوسط وهنا يجب استعمال ماء بارد ليتم عصر الكمية المسحوبة

المرحلة الاخيرة

يوضع الغربال او مايصطلح عليه محليا “بوصراي” فوق دلو ، ومن تم توضع العجينة المستخلصة والتي أضيفت اليها الخميرة ، وبعدها تقوم المراة بالفرك والدلك، ويبدأ التقطير الى الاسفل لتبدأ بوادر ظهور سائل أبيض مائل الى الاصفر، وتعم رائحته العطرة المكان، وبمرور الدقائق تنتهي العملية وما تبقى فوق الغربال يصلح لأشياء اخرى لايصدقها الى من استعملها فهي تستعمل كقناع للتجميل .

الفوائد على لسان أهل المنطقة

يؤمن الزاكوريين بقدرة المشروب السحرية على اطفاء العطش ، ويعتبرونه دواء للمرأة الحامل يكسبها الطاقة اللازمة وما يتطلبه الحمل من مجهود، اضافة الى ما يمكن ان يوفره المحلول السحري من نشوة كبيرة لذا السيدات اللواتي لاتخلو مجالسهن منه ، وعلى هذا الاساس فهم يطلقون عليه ” خمر النساء”، ولا يمكن تصور اعداد مائدة عند قدوم ضيف لدى الاسر بالمنطقة بدون تواجد هذا المشروب ، ويصلح في الشتاء والصيف وفي كل الاوقات .

الطريقة العصرية

تطورت الاسر “الزاكورية” وواكبت العصر ، فاستغلت التكنولوجيا الحديثة في أدوات المطبخ ، ومن هذه الامور اعتمادها على الخلاط الكهربائي لانجاز الشربة في ظرف قياسي ، وفي هذه الحالة يتم تعويض الخميرة بالحليب، ويقشر التمر ويفرغ من العلف المتواجد وسطه ، ثم يضرب في الخلاط جيدا ، وتصبح الشربة جاهزة في ظرف وجيز ، وتوضع فوق الموائد بحلول ساعة الافطار في انتظار اعلان آذان المغرب.

الفوائد

اعتماد “الزاكوريين ” على التمر في غذائهم لم يكن من محض الصدفة ، فحتى العلم سار في هذا النهج ، واكدت الدراسات الحديثة بأن التمر يعمل على تنظيم نسبة السكر في الدم ، فتناول ثلاث حبات أو سبعة في الصباح الباكر يكفي لضبطه، كما أنه يساعد على تقليل الشهية، و يُستخدم في علاج بعض الأمراض كالإمساك والتخفيف من آلامه، وله أثر كبير لمعالجة مرض فقر الدم ( الأنيميا ) لإحتوائه على نسبة عالية من الحديد، كما أنه يَمد الجسم بالطاقة و النشاط،  و يسهل عملية الهضم، و يُـقوي الجهاز العصبي لإحتوائه على معادن مهمة كالبوتاسيوم و المغنيسيوم و الصوديوم و الفسفور و الحديد و الكالسيوم .

و يُعطى للمرأة الحامل لتسهيل الولادة، لإحتوائه على هرمون بيتوسين الذي ينظم نوبة الطلق ، كما أنه يُعالج الإلتهابات التي تنتج من الإصابة بمرض الروماتيزم، و يحمي تناول التمر الأمعاء من الإصابة بمرض السرطان و يَعمل على حفظ رطوبة العين وبريقها، ويقوي الرؤية ، و أعصاب السمع،  و يُساعد على إدرار البول وتنظيف الكبد و غسل الكفى.

سعيد مكراز

مشاركة