الرئيسية ثقافة وفن في لقاءات مع محمد رضا وطارق أوشن ورانية حداد : النقد السينمائي العربي الراهن والتساؤلات المشروعة

في لقاءات مع محمد رضا وطارق أوشن ورانية حداد : النقد السينمائي العربي الراهن والتساؤلات المشروعة

كتبه كتب في 27 نوفمبر 2011 - 21:19

يعرف النقد السينمائي العربي منذ سنوات، مجموعة من التحولات التي أملتها ظروف كثيرة، منها مثلا الإمكانيات الجديدة التي تتيحها شبكة الانترنت لإبراز أصوات جديدة، تتمكن من خلق تواصل بينها وبين الجيل الرائد من النقاد، بالإضافة إلي حركية النشر فيما يتعلق بتنامي موجة الصحف المستقلة، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تواكب بشكل أو بآخر جديد وجماليات الفن السابع علي المستوي العربي.
ولأخذ وجهات نظر حول الأسئلة الراهنة للنقد السينمائي العربي، نستضيف ثلاثة نقاد متميزين، من أجيال مختلفة، من أجل البحث عن مدي التقارب أو الاختلاف في تقييم المسار والحصيلة، حيث استجاب لأسئلتنا كل من الناقدة الأردنية رانية عقلة حداد، والناقد المتميز محمد رضا من الولايات المتحدة الأمريكية، والناقد المغربي الشاب طارق أوشن الذي يشتغل حاليا ضمن طاقم قناة الجزيرة الوثائقية في قطر.
ففي سؤال حول تقييم حركة النقد السينمائي العربي، أشار الناقد محمد رضا إلي كونها حركة موجودة بلاشك، تقاوم المتغيرات الحاصلة من حولها، وفي مقدمتها المتغيرات التي تجعل من جمهور اليوم أقل اهتماما بالمواد والمسائل الثقافية مما كان عليه قبل ثلاثين أو عشرين سنة، لكنها حركة فردية لا جامع بينها، باستثناء الكتابة عن الأفلام وذلك تبعا لقدرات متفاوتة، بمعني أنه لا طموح لديها، وترتكن إلي المتاح. فالكاتب في صحيفة ما، تراه يكتفي بما أنجزه رغم أن لديه تحديين اثنين علي الأقل: التقدم في مجاله عبر الاستزادة من معارفه، وهذا لا يتم فقط عبر مشاهدة المزيد من الأفلام الجديدة، ثم التواصل مع الجيل المتوالي من الجمهور.
ويؤكد رضا أن نقاد الجيل السابق والذي قبله، ممن لا يزالون يمارسون النقد، معظمهم توقف، كقدرة علي التواصل، عند جيلهم ذاته من القراء، بينما الجدد بدأوا من نقطة، ومعظمهم توقف عندها فيما بعد، وذلك ما يؤثر علي الحركة النقدية بأسرها.
وفي نفس السياق، أكدت الناقدة رانية حداد أن لدينا في العالم العربي عددا من الأقلام النقدية موضع كل التقدير والاحترام، والتي أسست بدورها لحركة نقد سينمائي عربي، اشتغلت علي نفسها، ومهدت الطريق لأجيال نقدية لاحقة، وللأسف كان جهدها مبعثرا هنا وهناك، وليس في متناول الجميع الاطلاع عليه.
أما الناقد طارق أوشن، فإنه يذهب إلي تأكيد عدم إمكانية فصل حركية النقد السينمائي العربي عن واقع الفعل السينمائي في الأقطار العربية، ففي ظل الاستسهال الواضح لعملية الفعل الإبداعي السينمائي في الدول ذات التقاليد السينمائية الراسخة، وانحسار الإمكانيات الموجهة للقطاع السينمائي في بقية البلدان الأخري، يبدو لنا النقد مسايرا لا مناوشا أو حاثا علي التغيير والتجديد.
ويضيف قائلا: إن الحركة النقدية في حاجة مستمرة إلي مادة خام للاشتغال عليها، وفي حالة غيابها يجد الناقد نفسه أمام وضع صعب، يدفعه إما للتحول إلي الكتابات الانطباعية والإخبارية الصرفة التي لا ترقي إلي مستوي الكتابة النقدية الرصينة، أو الاستنجاد بالكتابة النظرية التي لا تسمن ولا تغني بقدر ما تعيد إنتاج نفسها وتكرار نفس المقولات الجاهزة، غير المؤثرة علي الواقع السينمائي المحلي، إلي درجة أن النقد عند البعض صار انتقادا أو نقدا بالمعني المالي، وهما ظاهرتان تنخران الكتابة النقدية العربية التي يسعي ممتهنوها إلي حضور المهرجانات كسياحة، أو العروض الخاصة كموائد أكل وشراب، في حين تبقي السينما بريئة من أقلامهم، لكن رغم ذلك، ليس الوضع سوداويا في عمومه، بل هناك محاولات جادة تحاول جهد الممكن تقديم مادة يستفيد منها الفاعل السينمائي وعموم الجمهور أيضا، كآلية من آليات تطوير العمل السينمائي وقراءته أو تحليل مضامينه.
وبما أن المواقع والمدونات الالكترونية أصبحت من القنوات الحاملة لتواصل نقدي سينمائي عربي مضطرد، فإن السؤال حول مدي امكانية مساهمتها في خلق نقد جاد من عدمه يبقي سؤالا راهنيا ملحا.
في هذا الصدد، تقول رانية حداد بأن المواقع والمدونات الالكترونية خطوة في غاية الأهمية، نسبة إلي المعرفة التي يتم تقديمها من خلالها للمختصين أو المهتمين أو الهواة، في ظل غياب الفعاليات التي ترفد الحركة السينمائية وتغني العملية النقدية، كغياب البرامج التلفزيونية والإذاعية، وغياب المجلات المطبوعة ورقيا، وندرة نوادي السينما التي تعرض من خلالها الأفلام وتتم مناقشتها، رغم أنها وحدها لا تكفي، فهي تقتصر علي جمهور النت، في حين يبقي الجمهور الأكبر هو جمهور التلفزيون، والتأثير الأقوي للصورة من خلال البرامج التلفزيونية، لذلك يجب أن يكون هناك تكامل بين المقروء والمشاهد.
وفي نفس الاتجاه، يري محمد رضا انه ككل شيء تقريبا، الإنترنت له سلبياته وايجابياته. فمن ايجابياته، انه لخص المسافة بين الناقد وبين قرائه، وأوجد للناقد جمهورا جديدا.
في عالمنا العربي، يضيف رضا، عندما تخفق صحيفة أن تنتشر خارج حدودها، فإن الإنترنت يفعل ذلك، فيستقبلها جمهور من المحيط إلي الخليج، إضافة إلي ذلك، يتيح الانترنت للناقد أن يمارس حرية في الكتابة، لا تكون مشروطة من قبل دار النشر. لكن السلبيات متعددة أيضا، ومنها أنها الحل السهل المتراجع عن الطموح الأكبر بوجود مجلات سينمائية متخصصة، وبوجود حركة نقدية شاملة ذات تأثير.
الناقد طارق أوشن اعترف بأنه ليس في حقيقة الأمر متابعا وفيا لما يصدر عبر المدونات والمواقع السينمائية الالكترونية، لكنه يعتقد أنها قد تكون علي الأقل فضاء لتجميع الكتابات النقدية الموزعة علي بقية المنابر، وتقديمها للمتتبع.
أن تكون المدونات حافزا لإغناء النقد السينمائي العربي، أمر مرتبط في الأساس بالقيمة العلمية للمواد المعروضة، وهو ما يشكل وسيلة تمييز مدونة ما عن أخري، لكن الهواية التي قد تطبع غالبية المدونات، تجعل الناقد طارق اوشن يشكك في وقعها الايجابي، فالإقدام علي إنشاء مدونة سينمائية معينة يعد في حد ذاته عملا ايجابيا ينم عن حب السينما، وعن الرغبة في تعلم أبجديات القراءة الفيلمية الرصينة، لكن، بين الحب والرغبة وواقع الأمر فروقات تكبر وتصغر حسب المدونات ومن يقف وراءها.
وفي سؤال مرتبط بمدي كفاية أو عدم كفاية البرامج الإذاعية والتلفزيونية في تمرير ثقافة سينمائية جادة علي المستوي العربي، أشار طارق أوشن إلي كونها ذات طابع إخباري في معظمها، فأغلب تلك البرامج تقوم أساسا بمتابعة جديد الأفلام وأخبار النجوم وزيارة مواقع التصوير أو العروض الأولي.
فهي بذلك، برامج استقرائية أكثر منها تحليلية ونقدية، لكن ذلك لا ينقص من قيمتها، حيث أن للإخبار أهميته أيضا، بل هو بداية ربط القراءة السينمائية بواقع الممارسة الفعلية، وهو ربط يراه طارق اوشن من أهم مقومات التحليل الرصين البعيد عن النظريات الجاهزة، ليقترح الناقد حلا يتمثل في خلق برامج منوعة، يهتم بعضها بالمتابعة الصحفية وبعضها الآخر بالمتابعة المبنية علي تقديم مادة دسمة في قالب خفيف ومهني، يعتمد مقومات استتيقا الصورة، من اجل استقطاب جمهور واسع.
أما الناقد محمد رضا، فيضيف في هذه النقطة أن المتوفر من البرامج حاليا ليس كافيا، لكن الجيد، وهو قليل نادر بحكم رغبة كل قناة تلفزيونية أن تؤكد توجهها لمن لا يريد التفكير، مهم وضروري. هناك، كما يقول رضا، قنوات تسند إلي النقاد عملية تقديم تلك البرامج، لكنها تبقي قليلة. وإذا كان الناقد متميزا، فالبرنامج يكون جيدا ويصبح بالتالي قادرا علي انجاز مهمته ورسالته.
وفي نفس توجههما تقريبا، أكدت الناقدة رانية حداد انه في الحقيقة ليست هناك برامج إذاعية أو تلفزيونية تقدم ثقافة سينمائية جادة في الوقت الراهن، إلا فيما ندر، فالبرامج المتوفرة عادة تقدم أخبار النجوم والمهرجانات، أو تعتمد حجم إيرادات الفيلم كمعيار للجودة، وذلك ما يجعلنا في حاجة إلي برامج تناقش قضايا سينمائية، وتناقش أفلاما ذات مستويات عالية، شكلا ومضمونا، من بلدان متنوعة، حتي يتمكن المشاهد من التعرف علي أساليب وأنماط وثقافات غير أمريكية أو عربية فحسب.
وإذا كانت المهرجانات من الوسائل التي تساهم أصلا في خلق سوق سينمائية، ذات مقاييس تختلف من مهرجان إلي آخر، فإنها في العالم العربي متعددة، وتتناسل عددا من سنة إلي أخري، تارة تحت يافطة تيمة معينة، وتارة أخري تحت جبة الانتماء القاري او الجهوي، دون نسيان مهرجانات وطنية للأفلام المحلية، ونزوع بعض البلدان العربية مؤخرا إلي تنظيم مهرجان ذي صبغة دولية، كما هو الشأن بالنسبة لمهرجان مراكش أو مهرجان الإمارات العربية المتحدة.
لكن الذي يمكن أن يختلف حوله النقاد، هو نوعية التقييم التي قد تصدر عن هذا أو ذاك حول القيمة المضافة التي من الفروض أن تضطلع تلك المهرجانات بإضافتها، وبالتالي إلي أي حد يحضر النقد السينمائي موازاة مع المهرجانات السينمائية العربية؟
تجيب رانية قائلة: إذا وضعنا حضور النقد السينمائي في ميزان مع المهرجانات السينمائية العربية، فإن كفة المهرجانات هي التي سترجح، وإذا اتفقنا أن البرامج السينمائية علي الفضائيات لا تقدم نقدا للأفلام المعروضة في المهرجانات بقدر ما تقتصر التغطية علي إجراء المقابلات الشخصية مع أبطال ومخرج العمل، فإنه حتي علي هذا المستوي يتم التركيز علي عدد محدود من المهرجانات العربية، وفيما يتعلق بالكتابات النقدية المواكبة للمهرجانات، فإن حضورها يبقي متواضعا.
أما الناقد محمد رضا فاختصر الجواب حول هذا السؤال في الإقرار بمسألة ضرورة حضور نقاد السينما للمهرجانات، فذلك الحضور هو مواكبة لآخر وأفضل الانتاجات التي لا موزعين لها في العالم العربي، لكن للأسف لا الصحف تكثرت بمساعدة النقاد علي تحمل تكاليف الحضور، ولا المهرجانات في معظمها تهتم بدعوة النقاد، وكأن تلك المهرجانات ليست مصنوعة لهم.
ومن زاوية معاكسة نوعا ما لوجهة نظر الناقد رضا، يعتقد طارق أوشن أن النقاد يبررون حضورهم في المهرجانات السينمائية بكونها تمكنهم من الاطلاع علي الأفلام الجديدة، أو بكونها تمنحهم فرصة للتلاقي وتبادل الآراء، وغيرها من الأجوبة الجاهزة التي ألفنا سماعها من معتادي التهافت علي دعوات الحضور، لكن واقع الأمر يبرز أن مهمة الناقد هي متابعة الجديد، دون انتظار ما قد تجود به بعض المهرجانات، خصوصا وأن هذه الأخيرة لا تقدم الجديد إلا نادرا، كما أن التلاقي وتبادل الآراء يجعل المهرجانات مجرد احتفاليات، يتحول خلالها المنظم إلي واحد من متعهدي الحفلات، حيث يقضي الحاضرون اغلب أوقاتهم في حانات الفنادق وملاهيها، أكثر من قاعات العرض، ويختم طارق وجهة نظره بنوع من الامتعاض قائلا: حضور المهرجانات السينمائية في معظمه حق أريد به باطل، لكن، ما المانع في أن يأخذ الناقد حظه من الاستجمام علي حساب السينما المفتري عليها؟
وتبقي أسئلة النقد السينمائي العربي معلقة، مفتوحة علي النقاش والجدال والتأويل، خاصة وأن السينما العربية في حاجة ماسة إلي نقاد حقيقيين، يكتبون بشكل متواصل، دون التحول إلي كتبة موسميين، همهم الأوحد اقتناص مهرجان وكتابة ما تيسر حوله، ثم انتظار سنة قادمة لاجترار قصاصة نمطية مستهلكة.
فبغض النظر عن جمهورية مصر العربية، والتي أرست بنيات أكاديمية للتكوين السينمائي بشكل واضح، غالبا ما يكون تكوين النقاد السينمائيين العرب عصاميا، أو مستوحي من ثقافة النوادي السينمائية التي تلاشي حضورها الذي كان قويا في عقود خلت، وهذا ما أثر جليا علي طابع المكتبة العربية، التي هي فقيرة علي مستوي المصنفات الخاصة بالفن السابع، اللهم إلا ما تجود به مصر، سورية، لبنان، وبدرجات اقل بقية الأقطار العربية، ورغم ذلك، سنظل نؤمن متفائلين دوما بوجود أسماء عربية تعلمنا منها الشيء الكثير في النقد السينمائي، أسماء منها علي سبيل الذكر لا الحصر: سمير فريد، جان ألكسان، نور الدين الصايل، مصطفي المسناوي، ابراهيم العريس، الطاهر شريعة، خميس الخياطي.. وآخرون، نأمل في ظهور جيل جديد يواصل المسار الذي دشنوه في أوقات عصيبة ماضية.

 بقلم : الأستاذ محمد بلوش
ناقد سينمائي

مشاركة