الرئيسية اراء ومواقف “المفترسون” وحقوق الإنسان

“المفترسون” وحقوق الإنسان

كتبه كتب في 22 يونيو 2016 - 17:42

بقلم : د/خالد الشرقاوي السموني

يقول المفكر وارين ألماند” Warren Allmand “: ” نعيش في عالم يعتبر فيه خرق قواعد التجارة الدولية أخطر من خرق حقوق الإنسان “. ويستشف من هذه المقولة أن الإنسان يشكل الحلقة الضعيفة أمام تصاعد نفوذ الرأسمال المادي على حساب القيم الإنسانية نتيجة الرأسمالية المتوحشة والمتغطرسة ، التي تنامت بشكل خطير في العقود الأخيرة ، تحت ذريعة العولمة “الخادعة” ومنظمة التجارة الدولية “القاتلة”.
لقد شهدت عملية العولمة وغيرها من التطورات التي حدثت خلال العقود الماضية تصاعد بعض الشركات عبر الوطنية ، أغلبها ذات رأسمال أمريكي وأحيانا أروبي ، أطلق عليها إسم الشركات المفترسة Les entreprises prédatrices، و أطلق على أصحابها و مالكيها بالمفترسين Les prédateurs ، تقوم بأعمال تجارية و بدور متزايد الأهمية على الصعيد العالمي وكذلك على الصعيدين الوطني والمحلي. وأدى تنامي مدى امتداد وتأثير هذه المقاولات التجارية المفترسة إلى حوار على صعيد الأمم المتحدة و بعض المنظمات التابعة لها بخصوص أدوار هذه المقاولات الفاعلة ومسؤولياتها فيما يتعلق باحترام مبادئ حقوق الإنسان.
و هذه المقاولات المتغطرسة ، ذات النفوذ السياسي و التجاري القوي على الصعيد الدولي ، تبحث عن الاستثمارات الخارجية بأي ثمن ، خاصة بدول العالم الثالث ، وبطريقة غير مباشرة ، عن طريق البنك العالمي أو الصندوق الدولي ، حيث تفرض شروطا خاصة و سياسات تقويمية ، من خلال تخفيض قيمة العملة ، وعندما تنخفض قيمة كل شيء ما يجعل الموارد الأصلية متاحة للشركات المفترسة في ذلك البلد بسعر أبخس من قيمتها الأصلية ، و أيضا تخفيض الميزانيات المتعلقة بتمويل البرامج الاجتماعية كالتعليم والصحة والسكن ، بحيث تمتلكها الشركات الكبرى لتصبح الخدمات تباع وتشترى من أجل الربح ، و كذلك الضغط من أجل خوصصة الشركات المملوكة للدولة ليسهل تملكها من قبل هذه الشركات ، وأيضا تحرير التجارة لتدمير الاقتصاديات المحلية عن طريق منظمة التجارة الدولية OMCالتي أنشأت لهذا الغرض من قبل المفترسين الأمريكيين وحلفائهم الأروبيين.
وكل ذلك أدى إلى اغتيال الاقتصاديات الناشئة للدول الفقيرة أو السائرة في طريق النمو، مما ترتب عنه غلاء في المعيشة من خلال الزيادة في المواد الاستهلاكية ، و تسريح العمال من المقاولات المخصخصة ، و تخفيض الأجور و الاستحواذ على أراضي السكان الأصليين و تشريدهم ، مما تسبب في زيادة حدة الفقر و التسول والهجرة والنزوح و انعدام الأمن الغذائي وتدمير البيئة.
فهؤلاء المفترسون يستثمرون في كرامة الإنسان خاصة في صفوف العمال المعوزين والمحتاجين واستغلالهم أبشع استغلال من خلال تمديد أوقات العمل ، مقابل أجر شهري زهيد جدا لا يكفي حتى للحاجيات الشخصية للعامل ذاته، في خرق سافر لقوانين الشغل و هدر للكرامة الإنسانية.
كما أن هؤلاء المفترسين يجنون أرباحا طائلة و يعطون منها بعض الفتات للمستأجرين الذين يكدون ويحرقون طاقاتهم من أجل أجر لا يكفيهم للحصول على سكن لائق أو تربية و تعليم لأبنائهم أو ولوجهم للعلاج في حالة المرض أو حصولهم على غداء متوازن.
ويصف عالم الاقتصاد الأمريكي جون بيركنز ” John Perkins ” المفترسون في كتابه: “اعترافات قاتل اقتصادي” : ” إنهم مجموعة من الأفراد يديرون الشركات الكبرى وهم يتصرفون بوصفهم الأباطرة الحقيقيون لهذه الإمبراطورية و يسيطرون على وسائل الإعلام وكذلك على معظم السياسات ، ويعيشون على أساس افتراضي واحد هو : أنهم يجب أن يحققوا أقصى قدر من الأرباح بغض النظر عن التكاليف الاجتماعية والبيئية “.
و مع تزايد دور الشركات المفترسة ، على الصعيدين الوطني والدولي، أُدرجت مسألة تأثير الأعمال التجارية على التمتع بحقوق الإنسان في جدول أعمال الأمم المتحدة ، حيث تم وضع آلية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للنظر في أنشطة هذه المقاولات في هذا الصدد و تحري سبل تحقيق مساءلتها عن خرق مبادئ حقوق الإنسان .
وفيي هذا الإطار ، أقر مجلس حقوق الإنسان ، بتاريخ 16 يونيه2011 ،المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان لتنفيذ إطار الأمم المتحدة المعنون “الحماية والاحترام والانتصاف”، التي تقدم لأول مرة معياراً عالمياً لمنع ومعالجة خطر تعرض حقوق الإنسان لآثار ضارة مرتبطة بنشاط تجاري.
لكن مع الأسف هذه الشركات لا تلتزم بتوصيات الأمم المتحدة التي تحثها على احترام مبادئ الإنسان ، فهي مقولات متغطرسة ، تعتبر نفسها فوق القانون ، بل إن بعض الشركات الأمريكية ، التي تساهم بشكل كبير في تحديد السياسة الخارجية الأمريكية تستطيع التدخل من أجل قلب الأنظمة وتغيير القادة والحكام و التأثير على مجلس الأمن لإعلان حالة الحصار على الدول أو شن الحرب ضدها وقهر شعوبها .
المفترسون يتحدون بأعمالهم المنظمات الدولية و يدوسون على كرامة الإنسان و يدمرون البيئة ، غرضهم تحقيق الربح على حساب القيم الإنسانية ، همهم الوحيد تجميع الثروة والتحكم في الأبناك العالمية و في التجارة الدولية والتصدي لكل من اعترض طريقهم أو سعى إلى المساس بمصالحهم .
إنها أزمة حقوق الإنسان يعيشها العالم الآن.

مشاركة