الرئيسية تمازيغت رحلة بحث عن تيفيناغ في أعماق جزر كناريا

رحلة بحث عن تيفيناغ في أعماق جزر كناريا

كتبه كتب في 13 مايو 2016 - 10:25

كتب لي أن أزور “تكزرينتكناريين” جزر كناريا وبالضبط جزيرتي “لاس بالماس” و”فويرتي فينتورا”، أراضينا التي فيها إن وسط المحيط الأطلسي.

 أبناء أيت باعمران هناك ينتظرون مني سلسة  مقالات كتبتها في “ليالي لاس بالماس”، وعنونتها أمامهم ب”عندما أحسست بالحكرة في لاس بالماس” ولم يكتب لها النشربعد.  دخلت بالتأشيرة التي من المفروض الا تكون لروابط تاريخية وحضارية متينة يشهد لها التاريخ غير أن طموح كريستوف كلومبوس قلبت الموازين في العالم و ليس تاريخ هاته الجزر فقط. وصلت الى “تكزرينتكناريين” رفقة الزملاء حسن وأيوب أو “ولدي” كما يحلوا لي أن أسمي الأخير، وهو من ناشئة فريق الوداد ولو استمر في مداعبة الكرة المدحرجة  لكان له مشوار آخر وهو أدرى بما حكى، وصلنا الى مطار لاس بالماس، العاصمة الإدارية  لجزر كناريا،وكان أول ما تذكرت ” الجنرال كباص” وكل ايت باعمران ممن وطأة اقدامهم هاته الأرض، قادما اليها على مراكب خشبية بسيطة على امواج الأطلسي والشهداء منهم كثر ……

 تبدوا المدينة من الأعاليكأكادير إلى حد ما، وأفضل منها على الأرض بكثير، فقط المناخ والجغرافية والتاريخ والإنسان فعلوا فعلتهم.  أوقفتنا الجمارك في المطار، هناك الة تصوير فيها نظر، مرت الأمور بسلام ورضا القلوب.

شخصان ينتظروننا بمطار لاس بالماس الدولي شابان باعمرانيان، لا يعرف واحد منهم الاخر، “بركاج عبد اللطيف” و”الصبايو الأورو”  وبدوري لا أعرفهم، فابن قريتي عبد اللطيف غامر بروكب قارب الموت وهو صغير، أما الأورو فلا أعرفه ولكن هو الاخر جاء بنفس المسلك هروبا من واقع اليم بسانتا كروز ديمار بكينيا.

وصلنا الى منزل ايت باعمران، وكان أول ما سألت عنه مقر اقامة الصديقة العزيزة الجميلة الفذة الغنية الساحرة، مطمئنة القلوب، الأبدية، صانعة التاريخ صعودا وهبوطا، كان العنوان قريبا قصدته، وأتردد عليها كلما انتهينا من العمل وفيه ذكريات أخرى رفقة الكوبيين…. .

عمي حسان كما يحلو لي أن أطلق عليه في دروب وجبال وشواطئ لاس بالماس ما فتئ حاملا أمتعة التصوير بعنف مهني قل نظيره، كلما شد انتباهه منظر إلا واخرج آلته لالتقاط مشاهد قد لا يراها مجددا، في تلك الجبال بحثا عن تفيناغ مع “خايمييصواريز” الامازيغي الكوانشي الأصيل، كان ايوب ولدي يتجاذب أطراف الحديث مع الأورو بشأن المحلات التجارية لولعه بما استجد في الماركات العالمية للألبسة. فبحثا عن الحرف المفقود “بتكناريين” كان “خايمي” يحدد وقت الانطلاق الى عمق “بلاد لاس بالماس” الأمازيغية كل صباح، فله دائما الكلمة وخطة العمل، بينما ظل الصبايو الأورو هو الرفيق الدائم طيلة ايام الرحلة، فهو المترجم الذي انقد موقف التواصل اللغوي بالإسبانية، اللغة التي تركتها إسبانيا بمدارس أيتباعمران ومباشرة بعد خروجها في 1969 أقصيت من مناهج التعليم بالمنطقة كأنها لم تكن هناك،باستثناء ما التقطه شيوخ المرحلة الفرنكاوية من مصطلحات غالبها عسكري.

كان برنامج خايميي صارما كل يوم في رغبة منه في  توثيق وإظهار امازيغية كناريا،  وهو ما حفر في ذاكرتي والى الأبد، فعندما  ذهبنا رفقة هذا الأمازيغي القح، بشاربه الأبيض الجميل وعيناه الثاقبتان لتصوير تفيناغ جنوب لاس بالماس،  فقد خايميبوصلتة في العثور على بقايا حرفه المنحوت على ارضه  التي من أجلها خلق، فذركرنيبباعمرانيي سلا والرباط الذين يرغبون في معرفة ” تاولاشت” أو “اسيف وندر” أو على الأرجح “اتفاق أمزدوغ” المفقودة المجروحة، ولم يكلفوا أنفسهم عناء التنقيب عنها، فقط يشتهون العيش على اطلال سماع حكايات قبائلهم ولو من فم شاب مثلي. بينما أصر خايمي وهو الإسباني بالقوة الالاف السنين،  على  أن يعانق تفيناغ رفقة طاقم قناة أمازيغية، وهو بالطبع من بين صناعها بنضاله ووعيه الحقيقي بذاته، وهنا نذكراستضافته ورفاقه للكونغريس العالمي الأمازيغي “بتافيرا”بكناريا سنة 1997، والتي منها خرج كذلك العلم الأمازيغي أول مرة على شكله الحالي، وأسالوا الصحفي المغربي”رشيد نيني” كشاهد عليه وهو الذي حرك على ظهر الأمازيغية يومها، واليوم يوجه لها سهامه البلاستيكية.

في صيرورة بحثنا الشاق والمضني عن معالم حضارة عميقة، برمجت الرحلة على أن تكون الوجهة جبال جنوب لاس بالماس، يومها كان الجو شديد الحرارة، والساعةتشير الى حوالي الثالثة بعد الظهر.فبعد أكل البيتزا التقليدية في مطعموفرن ّ “بالسور”، انطلقنا سائرين تائهين في تلك الجبال بحثا عن  تيفيناغ،  تيه بين الطرقات والوديان ونباتات كأننا في فجاج قبيلتي اصبويا أو أيت الخمس للتشابه الكبير بين هنا وهناك، وظل السؤال الذي حير خايمي أين اختفت تيفيناغ؟ يسأل كل من لاقاه بالاسبانية ولا من يدري، أخيرا تذكر أننا لم نكن نسير في الاتجاه الصحيح ثم بدأ يردد وجدتها وجدتها على غرار كليليولحظة اكتشافه للجاذبية.. دام البحث أزيد من ثلاث ساعات، قبل أن نقرر تغيير وجهتنا..وفي لحظة من اللحظات أضحى الأمر حقيقة، تنفسنا الصعداء وتأكدنا أننا لم نكن نجري وراء التيه، بعدما تسلل الشك الى عمي حسن على استحالة وجود تفيناغ بجزر كناريا، وجدناها أخيرا،وفي أحسن حال.. الكناريون فعلا محيرون !! لقد تحملواعناء تسييج الفضاء الذي توجد فيه منذ مئات السنين، وقد وعوا مسؤوليتهم في صون هذا الإرث الإنساني والحضاري المشترك.. وجدنا تفيناغ مسيجة ومحمية من الاندثار في أحجار عريقة وبعلامات مكتوبة على جنبات السياج تقول”هذهتفيناغ حروف الشعب الأصلي هنا، وجب احترامها” وفقرة تعريفية لها.وتأسفت لحال اثارنا في المغرب، خاصة من  المغرب العميق التي تغتال فيه يوما عن يوم، وتأسفت لمرضاه ممن يرون الثقافة تموت ولاتهمهم، وهو الخاطئ الذي لن يترك أثرا، أما التاريخ فلن يموت أبدا، تأسفت لتجار و باعة ومسترزقي الثقافة والتراث الذين لايهمهم سوى الربح المادي على حساب ذاكرة الشعوب وخصوصياتهم، وتأسفت للحاقدين على تمازيغت وقد وجدناه حتى في أعماق جزر كناريا حية ترزق.

كان همنا كفريق لقناة امازيغية أن نجدد العلاقة التاريخية وما يجمعنا بالضفة الأخرى، ونكشف المستور الذي اريد له أن يقبر ويكون قنطرة لغذ افضل …..وأراد خايمي أن يقول أن هذه الأرض تتكلم الامازيغية لا الاسبانية كما أريد لها بحكم لعنة تاريخية، إنها لحالة حقيقية  لتجربة مبعث للأمل في حفظ وصيانة الذاكرة التاريخية للشعوب الأصلية، وجب الاحتذاء بها، وتعميق التواصل معها ليس في بعدها التراثي فحسب، ولكن في أبعاد أعمق تحتاج كل شعوب اليوم اليها.

عبد النبي ادسالم

مشاركة