الرئيسية مجتمع السيانور .. سم قاتل تسرب من منجم “تيويت” وأرعب ساكنة تنغير

السيانور .. سم قاتل تسرب من منجم “تيويت” وأرعب ساكنة تنغير

كتبه كتب في 20 فبراير 2016 - 12:44

من منطقة تغصى، بقلب المغرب العميق بإقليم تينغير، انطلقت صرخة الساكنة المحلية تطالب برفع تأثير مادة السيانور على المنطقة، ” السم ” الذي يتهدد صحتهم.

ساكنة وجدت نفسها لعقود وهي تجاور منجم “تيويت” الذي لا يبعد عن أقرب منزل سوى بحوالي 40 متر، ” ما استافدنا والوا من مجاورتنا لهذا المنجم، لا وجود لأي منحة اللهم محنة يومية مع المضاعفات الصحية الناتجة عن تبعات التلوث، الذي يقصفنا به يوميا، في غياب” يقول أحد ساكنة المنطقة بصوت مبحوح جعله يقطع كلامه ثم استطرد قائلا: بهذه المنطقة تنعدم البنيات التحتية الأساسية، طرق تغصى هي مجرد (بيست) زادت من ردائتها أشغال المنجم الذي يستخرج منه الذهب”.

“منجم تيويت قتل حلمنا في التنمية وقضى على فلاحتنا”

“تكالبت علينا الظروف” هكذا يعلق مسن من ساكنة تغصى على أوضاعهم، التي انضاف إليها مشكل الجفاف، وزاد من معاناتهم ليلقي بظلاله السوداء على حياتهم اليومية، مهددا العديد من الأسر بالهجرة واللاعودة إلى أرض أصبحت شبه ” بورية” بفعل التلوث والجفاف.

يحكي أحد أبناء المنطقة “للجريدة 24″ أن منازلهم تتنفس السموم بشكل لحظي منذ 1987، تاريخ أول تسرب للسيانور وقع بالمنجم، والذي تكرر يوم 25 نونبر الماضي. والأدهى من ذلك، أن الشركات التي توالت على استغلال المنجم استنزفت مياه “إميزار إزكواغن” الذي يعتمد عليه الفلاح في سقي زراعاته “المعاشية” باعتبارها مصدر دخل أساسي ووحيد لهم، ولم يعد الفلاح قادرا على تحقيق الاكتفاء الذاتي.

شهادات أخرى من هنا وهناك تؤكد أن المنطقة كانت تجود على مستغليها بالعديد من المنتوجات الفلاحية التي تسد بها بعضا من حاجياتها اليومية، لكن ومنذ مدة أصبح هذا المصدر المائي مهددا.

IMG-20160219-WA0015

تغصى …منطقة جبلية بامتياز، تقع في عمق سلسلة الاطلس الصغير وجبل صاغرو، تابعة لجماعة إكنيون بإقليم تينغير، ذات طقس جاف وبارد ، تشكل الساكنة جزءا من قبائل ايت عطا من الاصول الافريقية، تتوزع بالمنطقة قطع أرضية صغيرة لا تلبي حاجيات الساكنة لتبقى الماشية والرعي بالسهول المنبسطة عاملا مهما.   فوسط  هذه المنازل بالناحية الشرقية لتغصى تربع منجم تيوت فوق العين المائية ولا يبعد عن واد تغصى بحوالي 300 متر.

IMG-20160219-WA0021

 ” كلشي خاسر في تغصى وما كاينش أقبح من هاد السم”

“لحسن.أزلو” واحد من ساكنة المنطقة قدر عليه أن يحاذي سكنه منجم “تيويت” المرتكز وسط مجموعة من المنازل،  لم يخف “للجريدة 24″ ما اعتبره “حقيقة مرعبة”، يتحدث كأنه يرغب في أن يفشي سرا كتمه بين صدره لعقود، قال ” إن المنجم بات يهدد المنطقة في حالة استمرار نشاطه، بين الساكنة” وأضاف بنبرة يائسة: ” التلوث قضى على فلاحتنا، كلشي خاسر هنا وما كاينش أقبح من هاد السم لي سميتو “السيانور” راه وصل للوديان وكيغطي مساحات في مناطق ) ونيدزغان، تمكانت، أسامر، أسدرم ، أوتعزى، أمي نوارك …(“. بحسرة وصوت حزين يتلفظ  لحسن وهو يتوجل بعينيه بين المناطق المتضررة، يحكي حقيقة واقع مأساوي تعيشه الساكنة ليس فقط في منطقة تغصى، بل في مناطق أخرى مثل إيميضر، ف” السم” كما يسميه سكان المنطقة تهديد حقيقي لاستقرار ومستقبل العائلات و لمصادرها المائية.

taghessa1

خبر لحسن المنطقة حيث ولد ودرج، يبدو ذلك من حديثه عن واقع المنطقة حاليا: ” دابا راهوم ردموا السيانور من بعد ما حفروا الواد، والمنجم راه مغلق مؤقتا، حيث كايقوموا بتقوية الخزانات وإصلاحها، وجاءت شركة خاصة تقوم بالإصلاحات لكن من بعد آش من مستقبل واستفادة» يصمت كمن ينتظر الجواب ثم يستطرد قائلا « التلوث أصبح سيد المكان، والفلاحة تدهورت بسبب مشكل قلة المياه بعدما استحوذ المنجم على نسبة كبيرة من الماء بالمنطقة. نسبة مهمة من الساكنة هاجرت والعدد مرشح للإرتفاع بسبب غياب المياه وقلتها مما يدفع البعض إلى السقي من جبل مجاور”.

يؤكد لحسن أن جل العائلات المتواجدة بتغصى تضم على الأكثر عشرة أفراد، تضررت بعد انهيار حوض تخزين المخلفات المنجمية ” السيانور”، في ظل واقع مزري يبدأ من الطرق مرورا بمياه الشرب انتهاء بالعطالة التي مست شريحة كبيرة من شباب المنطقة، بعدما أجهض مسؤولو المنجم حلم الأسر بتشغيل أبنائها . بانفعال وعصبية واضحتين يتحدث لحسن : ” على الجهات التي رخصت للمنجم حل المشكل وتبعد عنا هذا السم”.

 “الناس مكرفسين وحتى واحد ما بغا يتحمل المسؤولية”

عبد الرحمان بن عمر، فاعل جمعوي بالمنطقة لم تختلف نظرته عن الذين سبقوه فعلق بدوره “الناس مكرفسين والفلاحة كتموت، وحتا واحد مابغا يتحمل المسؤولية” لا يختلف عبد الرحمان نائب رئيس جمعية ” إيت بيرن” عن لحسن في إحساسه بالخطر المحدق بالمنطقة بسبب السيانور والجفاف الذي أطبق على المنطقة، ليحكم قبضته . “راه كاين حوالي 165 أسرة في تغصى، الفلاحة ديالها كتموت، والمنطقة معروفة باللوز والزيتون والحبوب، والناس كتعيش من الفلاحة وتربية المواشي”.

يستدرك عبد الرحمان قائلا: ” المنطقة زادها الجفاف معاناة، في غياب الطرق حيث كتربط إكنيون بتغصى 12 كلم و طريق كتربط بومالن بتغصى 30 كلم، وتضطر الساكنة إلى نقل الحوامل والمرضى على ظهر البغال إلى بومالن أو ورزازات. الجفاف والتلوث والتهميش ثلاثي مرعب يخيف الساكنة”.

IMG-20160219-WA0013

  أمراض غريبة تصيب عيون الاطفال

داوود أرجدال، رئيس جمعية “إيت بيرن”، بحرقة المواطن الغيور على منطقته، يعتبر أن ساكنة تغصى التي يتراوح عدد سكانها حوالي 2000 نسمة، “تعيش حالة نفسية صعبة، والخوف يخيم على الأسر بعد تكرار تسرب “السم” يقصد السيانور.

يحكي داوود قصة دوار آيت إورجدال الذي حرم من ماء عين ” إيميزار إزكواغن ” المتواجدة على أرضه ” صهريج” من طرف الشركة المسيرة للمنجم، وبعد أن كانت الساكنة تستفيد من مياهها على امتداد 24 ساعة، أصبحت  تسحب المياه من الصهريج بعد 6 أيام من الانتظار،  فقلة الماء أثر على حياة الساكنة، يضيف داوود مؤكدا أنه: ” منذ تسرب السيانور، تم القضاء على آبار للمياه، ولم تتم توعية الناس حول مدى جودة المياه الصالحة للشرب، ولم يطمئنوهم من خلال دراسة علمية، ولم تصدر أي وثيقة إدارية أو تقرير رسمي يسمح بشرب مياه المنطقة.

الجولة بين دور منطقة تغصى تعطي الأمل بأن الحياة مازلت هناك، فقط لو يتم الالتفات إليهم قبل فوات الأوان، فلاحة معاشية مازلت هناك تقاوم الاندثار، من خلال زراعة القمح والفصة  واللفت والجزر… الخضرة مازالت تزرع الأمل بين بيت وآخر، وبعد أن كانت كل أسرة تتوفر على بئر تستعمله في سقي مغروساتها، وقعت الطامة الكبرى، حيث صرحت بعض الأسر المجاورة للمنجم أن آبارها لم تعد صالحة للشرب ولا للسقي بعد تسرب “السم”.

IMG-20160219-WA0023

معاناة يومية شخصها داوود بحسرة: ” للأسف أصبحت الساكنة تضطر للسقي وقطع كيلومتر على الأقل لجلب الماء من عين ” آري” المجاورة لواد ” آرك” غرب المنطقة.  قلة الماء والقضاء على الآبار دفعت بعض الأسر المتضررة إلى الهجرة، رغم محاولة جمعيات المجتمع المدني بالمنطقة ثنيها عن ذلك، يتوقع داوود أن الأسر التي لم ترحل هذه السنة قد ترحل السنة المقبلة، في ظل التسربات وتحويل المياه لصالح المنجم، على حساب حياة المئات من الأسر. و يثير الفاعل الجمعوي والمستشار الجماعي أن أمراضا ظهرت في عيون بعض أطفال الدوار، لم يعرف بعد سبب إصابتهم، هل لها علاقة بتسرب السيانور أو سبب آخر، لذلك يقول أرجدال : ” طالبنا بإيفاد قافلة طبية إلى المنطقة لكن دون جدوى، فما زلنا ننتظر”.

حسب ساكنة المنطقة يعرف المنجم حاليا أوراشا لتطويق هذا السم “السيانور” خوفا من انفجار الخزان بفعل العوامل الطبيعية ” الرعد…” لكنه إجراء قد يكون بعد فوات الأوان، علما أن الشركة المسيرة للمنجم، حاليا، لم تلتزم منذ بدئها العمل في المنجم بدفتر التحملات، وأقله أنها لم تكن ترش الغبار المتطاير في الطرق التي تستعملها وهي كلها عبارة عن طرق غير معبدة، كما لم تشغل أبناء المنطقة كما كان متوقعا.

taghessa3

الدكتور توشنت: سم السيانور يؤثر على دم الانسان والحيوان

الدكتور أحمد آيت توشنت” تخصص جيولوجيا وجيوكيمياء”، سبق له أن أجرى دراسات وبحوثا حول مادة السيانور، وأثبت مدى خطورتها، تحدث ” للجريدة24 ” بطلاقة علمية عن الخطر المحدق: ” الساكنة تعيش رعبا حقيقيا وبشكل يومي، والرحل في غفلة عما يتهددهم خاصة رحل صاغرو” . يشرح آيت توشنت خطورة هذا السم: “السيانور المتسرب من منجم تيويت به مشتقات سيانور البوتاسيوم وسيانور الصوديوم… لكن الأخطر ما فيه هو “أيون السيانور”، الذي يتم تحريره ويخرج للطبيعة وهو يحتوي على الكربون والنيتروجين . هذا السم تؤثر خطورته على الدم في الإنسان والحيوان، ويصيب القلب والدماغ لأنهما في حاجة للأوكسيجن، فهو يقوم بعرقلة التنفس لدى الكائنات الحية، وقد تظهر مع الوقت بعض الأعراض على السكان التي تقطن بالقرب من المنجم.”

teghessaaa

الدكتور آيت توشنت يشرح مضيفا: ” مناجم العالم كلها تستعمل السيانور، لكن المشكل يكمن في طريقة تسيير نفاياته، فعلى سبيل المثال في الدول الغربية تلزم المناجم بضرورة حفر وإعداد أحواض بها أغشية أرضية حتى يمنع نفاذ المادة للمياه الجوفية، ومع تأثير الشمس يتبخر وتنزع عن السيانور” السم” ويصبح مثل ” الكاركير”، كما تلزم المناجم ببناء جدار لمنع نفاذ المواد الصلبة، وخلافا لذلك نجد مثلا أن منجم إيميضر يضخ على امتداد 30 سنة كمية أكبر من السيانور، ويتعرض سكان الدواوير المجاورة بالمنطقة لأضرار المادة السامة، في غياب احتياطات رمي النفايات مباشرة في الوديان، ونفس الحال بالنسبة لمنجم تيويت، الذي يوجد في الصنف الشمالي الشرقي الأطلس الصغير الممتد من جنوب الجزائر إلى سيدي إفني، فواد تغصى يصب في واد دادس، ويصب كل منه وواد مكون في سد المنصور الذهبي الذي يعتبر المصدر الرئسي لتزويد ساكنة مدينة ورزازات بالماء الصالح لشرب، و يعتبر أيضا مصدر رئيسي للمياه التي تجري بواد درعة. ويضيف الدكتور آيت توشنت أن من الساكنة من يعي خطورة هذا ” السم” ويعيش رعبا حقيقيا وبشكل يومي، أما الرحل فهم في غفلة عما يتهددهم خاصة رحل صاغرو.

IMG-20160219-WA0024

 وزير الطاقة يقر بالضرر ويقرر وقف الأشغال بالمنجم “مؤقتا”

بعد الضجة الكبيرة التي أثارها موضوع التلوث الخطير الناتج عن الانهيار الجزئي لحوض تخزين المخلفات المنجمية في منجم “تيويت” في إقليم تنغير، أوفدت وزارة الطاقة والمعادن والماء والبيئة لجنة مختلطة إلى عين المكان، يوم 30 نونبر الماضي، للتحقيق في الحادث، وخرجت بتقرير يقر بكون الشركة المستغلة للمنجم لم تحترم التشريعات والقوانين الجاري بها العمل، وأشعرت الوزارة رسميا عامل إقليم تنغير تطبيقا للفصل 55 من القانون رقم 95 -10 حول الماء، المنشور في الظهير 154 -95 -1 الصادر في 16 غشت 1995، بالتعليق الفوري لأشغال الشركة في الموقع إلى أن تُستأصل كل الأضرار وتنفذ توصيات مختلف اللجن. الجريدة 24 حاولت الاتصال بمسؤول في مندوبية الوزارة بورزازات لمعرفة آخر المستجدات والمراحل التي بلغتها الأشغال، لكنه رفض التعليق محيلا إيانا على قرار الوزارة.

الساكنة من جهتها عبرت عن رفضها استمرار المنجم في عمله، دون ضمان كل الشروط اللازمة للحيلولة دون المس بحياتهم، وطالبت بتنمية حقيقية بالمنطقة وبتشغيل أبنائها وإحداث طرق معبدة لرفع التهميش عن هذا الركن من المغرب العميق.

Taghssa

أمينة المستاري

الجريدة24

مشاركة