الرئيسية اراء ومواقف الصحافة البروميثية و سؤال الموضوعية

الصحافة البروميثية و سؤال الموضوعية

كتبه كتب في 30 يناير 2016 - 21:41

للأمانة العلمية و حتى يكون القارئ على بينة من القول، فإن أب مصطلح البروميثية بمفهومه المراد هنا هو الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان، اذ قسم في كتابه” فقه الفلسفة و سؤال الإبداع” النقلَ في ترجمة النص الديني الى أدائين، أداء جبريلي به تم نقل القرآن من مصدره السماوي الى متلقيه الأول بإذن إلهي،و و أداء بروميثي يحاول نقل نفس المادة من اللغة العربية الى لغات أخرى بغير إذن إلهي ليكون بذلك الناقل بروميثيا مختلسا. والبروميثية نسبة الى بروميثيوس بطل الأسطورة اليونانية سارق نار المعرفة من الإله زيوس و مُقدمها الى البشر.لتصبح البروميثية كناية على شناعة فعل السرقة أولا، و على الأخطار الناتجة عن استعمال المعرفة المختَلسة ثانيا.

و إذا كانت الترجمة هي نقل اللفظ أو المعنى أو هما معا من لسان الى آخر، فإن الصحافة بدورها هي نقل للمعلومة في الدرجة الأولى من مصدرها الى المتلقي، فيكون بذلك للصحافة كما للترجمة بروميثيوها و جبريليوها، و الصحافة البروميثية لا تسقط في الذاتية فحسب كما يتوهم أغلب المنظرين للقول الصحفي؛ وبالمناسبة فإن الذاتية في المادة الصحفية ليست بالضرورة أثرا يدل على صاحبه كما البَعَرة تدل على البعير، بل قد تكون جنس المادة الصحفية نفسها و ركنها الذي لا تقف إلا به و إن صعب و ضع الإصبع عليه ،لأنها في هذه الحالة خلفية خفية تدل عليها زاوية المعالجة بدل أن تكون مفردات و تراكيب لغوية؛ قلنا إن الصحافة البروميثية كما تسقط في الذاتية فإنها أيضا تجانب الموضوعية بأشواط طوال ,ولا يخفى أن الموضوعية في الصحافة سؤال فلسفي وجودي قبل أن تكون مطلبا مهنيا ، لأنها قبل كل شيء لم يقع الإجماع على شرطيتها من لدن معظم الباحثين في علم الصحافة، كما أنها على غرار الذاتية ليست معطى ينفع معه سلم القياس أو بارومتر التتبع، فلا يقال مثلا إن هذه المادة الصحفية حسنة أو متوسطة أو ضعيفة الموضوعية ,و بالتالي و لتوخي الحد الأدنى منها يلزم وازعا آخر غير القانوني الردعي أو الإديولوجي الترغيبي.

إن الصحافي البروميثي لا يقابله في الحقيقة إلا الصحافي الإنساني، الذي و إن أقحم ذاته في منتوجه الصحفي فسيكون إقحاما إنسانويا يخدم القيمة الوجودية له و للمتلقي في تماه روحي مع يوتوبيا الصحافة، لا ينقل في هذه الحالة ما يلحق الأذى بالآخرين لأن الإنسانوية هي مذهبه ووازعه و رقيبه. وإننا هنا لا نتخذ الصحافي الموضوعي بديلا  للبروميثي, لأن الموضوعية في الصحافة كما أسلفنا مطلب بعيد المنال إن لم يكن محال التحقق، و لو خُرط دونها قتاد الرقابات و شُرط حداد الإديولوجيات, و في هذا الإتجاه بالذات لا تنفع الرقابة القبلية و لا البعدية و لا الذاتية و لا حتى السماوية بشتى أطيافها مع الصحافي البروميثي ما دامت ذاته مادية شيطانة و سريرته كهنوتية فتانة، لأن أمراللاموضوعية سهل الإضمار، بالقصد أو بدونه،في أقدس الأجناس الصحفية الذي هو الخبر فما بالك ببقية أنواع الفنون التي تتيح لمحررها هامشا من حرية إقحام الذات.

و كما لله لصوص سرقوا الإسلام والوجود والوجه والدرب و المرأة و الإنسان بتعبير عبد الرزاق الجبران، فإن للصحافة بروميثيون يسرقون المعلومة و الفكر و السياسة و المال و المجتمع، و يجعلون من حرية الصحافة امتيازا للصحافي بدل أن تكون حقا للمواطن.فوجب أن يحل محلهم آخرون إنسانويون يضعون نصب أعينهم الدفاع عن القيمة الوجودية للإنسان وتمجيدها، لأن مادونها باطل لامحالة.

  الحسين أكناو

 طالب الإجازة  المهنية في التحرير الصحفي   

مشاركة