الرئيسية اراء ومواقف المنظومة التربوية تحتضر!

المنظومة التربوية تحتضر!

كتبه كتب في 23 ديسمبر 2015 - 19:49

عرفت المنظومة التربوية المغربية انتكاسات خطيرة خصوصا بعد سلسة الإصلاحات التي لم تزد وضعيتها إلا تقهقرا. بعد أن فشل تنزيل الميثاق الوطني للتربية و التكوين، و تلاه المخطط الاستعجالي الذي استنزف أمولا طائلة دون تحقيق الأهداف المرجوة منه، حيث أصبح المغرب مرتبا في ذيل المنظومات التربوية العالمية حسب آخر التقارير الدولية.

لاشك أن كل المتتبعين و المتدخلين و المهتمين و الخبراء في الحقل التربوي و التعليمي و التكويني، يجمعون على أن علامات احتضار المنظومة تزداد سنة بعد أخرى، حيث أن حالات العنف و العنف المضاد أصبحت سائدة في مختلف المؤسسات التعليمية، فلا تخلو المواقع الإخبارية من خبر حول حالة عنف جسدي بين أحد عناصر العملية التعليمية التعلمية، سواء بين المتعلمين، أو بينهم و بين الأساتذة. آخرها ما تعرض له أستاذ التربية البدنية بنيابة وزان من طعنات بسلاح أبيض من قبل متعلم. فحالات العنف، لا محالة، نتيجة لما آلت إليه أوضاع المنظومة التربوية. فالمستوى المتدني الذي أصبح يطبع مستوى التحصيل لدى معظم المتعلمات و المتعلمين، و الذي يضع الأستاذات و الأساتذة في وضعية مشكلة، بين تقديم دروس دعم و معالجة التعثرات التي يعاني منها المتعلمون و المتعلمات، و بين إلزامية إكمال المقررات الدراسية حسب التوزيع الزمني المحدد. و الضغط الذي يعاني منه المتعلم(ة) اتجاه مستواه الدراسي من ناحية، و التغيرات النفسية و البيولوجية التي تطرأ عليه في مراحل سنية معينة من ناحية أخرى، تجعلان العنف نتيجة مؤكدة. دون أن نتحدث عن الفضاءات التربوية و التي تفتقر لقاعات الأنشطة الموازية و التي يجب أن تقدم موادا كالموسيقى و المسرح وأنشطة النوادي المدرسية، و التي تعتبر مساحات تعليمية و ترفيهية، تسافر بالمتعلم(ة) من وضعية التعلم الكلاسيكي و الشحن بالمعلومات، إلى وضعية تفاعلية تجعل منه عنصرا نشيطا و نافعا و متفاعلا مع التعلمات. كما تنمي لديه حس الإبداع و تقوي لديه القدرة على التواصل و التعبير و إخراج الشحنات السلبية التي تختزنها نفسه، على شكل عمل هادف، كالمشاركة في عملية تشجير المؤسسة، أو لعب دور في مسرحية، أو المشاركة في ورشة للرسم، أو في فرقة موسيقية للمؤسسة… كلها أنشطة تجعل المتعلم(ة) يتخلص من كل الضغوط التي يعيشها، و يعبر عن سخطه، في الوقت الحالي، بالعنف. إلى متعلم(ة) يحترم مؤسسته و طاقمها التربوي و الإداري، رغبة منه في المشاركة في الأنشطة الموازية.

من بين علامات احتضار المنظومة التربوية أيضا، الصورة التي أصبحت عند المجتمع المغربي عن الأطر التربوية و الإدارية، فكأن الفاعلين في الميدان التربوي مستهدفون، فلا تخلوا النشرات الإخبارية و الجرائد الورقية و الإلكترونية من أخبار تكرس صورة سيئة جدا عن ” الأستاذ(ة)”، فهو إما كثير الغياب، أو في صراع مع الآباء و الأمهات و أولياء الأمور، أو كثير المشاركة في الإضرابات، أو مغتصب، أو يتصرف تصرفا غير تربوي… إلى غير ذلك من الصفات الذميمة و التي أصبحت ملازمة لصورة ” الأستاذ(ة)”. و مع كامل الأسف، لا نجد بالمقابل خبرا عن أحد الأساتذة أو الأستاذات الذين يقومون بأعمال إبداعية مهمة جدا، تحاول وسائل الإعلام طمسها، و عدم التعريف بها. مما ولد لدى المجتمع المغربي حقدا دفينا تجاه الأسرة التعليمية، و ما أن نجد خبرا عن تصرف غير لائق لأحد الأساتذة أو الأستاذات، إلا و يقابل بوابل من الشتائم. و هذا الهجوم ضد الأسرة التعليمية لن يكون أبدا في صالح المنظومة التربوية و لا في صالح المجتمع المغربي. فلا أمل سنرجوه و نحن نكرس صورة سوداوية حول مربيي و مربيات أجيال المستقبل.

لكي تستطيع بلادنا أن تتبوأ المكانة التي ترجوها بين مصاف الدول المتقدمة، و لكي نحقق التنمية البشرية التي طالما رجوناها، علينا أن نهتم بمنظومتنا التربوية، يجب أن نطهر المؤسسات التعليمية من كل أشكال العنف، و أن نجعل كلا من  المتعلم(ة) و الأستاذ(ة) في وضعية تربوية و تعليمية سليمة، و أن تعود العلاقة بينهما إلى الاحترام و التقدير المتبادلين، حتى تحقق العملية التعليمية التعلمية أهدافها، و حتى يعود الأستاذ(ة) قدوة للمتعلم(ة)، كما يجب أن يكون الوضع الطبيعي. كما يجب أن تقف وسائل الإعلام عن الهجمة التي تشنها ضد الأسرة التعليمية، و أن تلزم الحياد، هذا ليس معناه أن لا تبث أخبار عن من يخل بالواجب المهني أو من يخرج عن الضوابط التربوية و التعليمية، لكن بالمقابل، لايجب إقصاء من يقدم تضحيات كبيرة  و يبدع في عمله في سبيل الرقي بالمنظومة التربوية.

سعيدة الوازي: باحثة في مجال الهندسة البيداغوجية.

مشاركة