الرئيسية اراء ومواقف تربية “الحسون” بالمغرب .. حرقة الانتظار وسحر التغاريد

تربية “الحسون” بالمغرب .. حرقة الانتظار وسحر التغاريد

كتبه كتب في 4 سبتمبر 2015 - 09:20

يعتبر طائر الحسون “le chardonneret” من الطيور المتميزة على الصعيد الوطني، وذلك بفضل ألوانه الزاهية وتغاريده الساحرة، مما يفسر اتساع قاعدة الهواة المهتمين بتربيته وتلقينه.

ينتمي طائر الحسون إلى عائلة الشرشوريات التي تضم الخضيري “verdier” والتفاحي “linotte”…الخ. يبلغ طوله حوالي 12 سنتيمترا، وتبلغ بسطة جناحيه حوالي 24 سنتيمترا، وزنه محصور بين 18 و20 غراما، يتغذى على البذور وأهمها بذور شوك الحمار “le chardon”، وقد أخذ اسمه “le chardonneret ” من اسم هذا النبات الشوكي لارتباطه به.

يبدأ موسم التزاوج عند الحسون مع بداية فصل الربيع، حيث تبني الإناث أعشاشها وتضع بيضها، الذي يتراوح عدده ما بين ثلاث وخمس بيضات، تدوم فترة حضانة البيض 13 يوما، بعدها يبدأ في التفقيس. تبقى الفراخ بالعش مدة تتراوح ما بين 15 و18 يوما معتمدة في تغذيتها على أبويها، لتغادر بعد ذلك العش وتختبئ بين الأغصان المجاورة له حتى تتعلم الطيران، فتتبع أبويها لتتعلم الاعتماد على نفسها. تبدأ الفراخ تعلم التغريد في سن جد مبكرة ويستمر الحسون في التعلم طيلة حياته، غير أن أهم مرحلة في التعلم هي تلك الممتدة بين خمسة أيام وستة أشهر.

ينقسم تغريد طائر الحسون إلى نوعين، تغريد طبيعي يتلقاه من أبويه والطيور التي تعيش في محيطه، وتغريد مبتكَر منسَّق ومنظَّم يلقنه له المربي المتخصص.

سنحاول في هذا المقال مرافقة المربي المتخصص خلال مسيرة التلقين، محاولين الوقوف على أهم المحطات في هذه العملية، دون إغفال لحظات الهوس والجنون التي تعتري “المولوع”.

اِنبثقت فكرة تلقين الحسون من ملاحظة وجود اختلاف بين تغاريد الحساسين باختلاف مناطق عيشها، هذا الاختلاف ناتج عن أنواع الطيور التي تعيش في محيط كل حسون، من هنا تم الخروج بنتيجة مفادها أن الحسون يتعلم التغريد، وقد استثمر الهواة هذه النتيجة في تلقين الحسون تغاريد مختارة منتقاة.

تبدأ عملية التلقين باختيار الشريط المناسب وتوفير الظروف الملائمة لاستقبال فراخ الحسون، ونقصد بالظروف؛ مكان التلقين، شريط التلقين أو الطائر الأستاذ، الصناديق الكاتمة للصوت، التغذية المناسبة والأدوية…إلخ. بعد ذلك تأتي مرحلة استقبال الفراخ، التي يمكن أن تكون فراخا لازالت في العش فيواظب المربي على إطعامها بمعدل مرة كل ساعتين طيلة فترة النهار حتى تصل إلى مرحلة الاعتماد على نفسها.

وفي أقوى صور الجنون، يمكن أن يضطر المربي إلى حمل العش معه خلال فترات العمل أو زيارة الأقارب أو السفر، كما يمكن أن تكون هذه الفراخ قد غادرت العش وتم قنصها وفي هذه الحالة يمكنها الاعتماد على نفسها، غير أن عامل السن يلعب دورا أساسيا وحاسما في نجاح عملية التلقين، فكلما كانت الفراخ حديثة العهد كلما كانت فرص نجاح التلقين كبيرة. وتجدر الإشارة إلى أن الفراخ المنتقاة يجب أن تكون ذكورا، وهذا يتطلب أياد خبيرة لفرز الذكور عن الإناث.

يبدأ المربي في تسميع الفراخ التغاريد المنتقاة طيلة فترة النهار، مع اعتماد فترات للاستراحة تناسب فترات هدوء الطيور وكفها عن التغريد في الطبيعة. تدوم فترة التسميع ستة أشهر على الأقل، حيث تبدأ الفراخ في محاولة محاكاة تغاريد الشريط منذ الشهور الأولى للتسميع، بيد أن هذه المحاولات لا تكون واضحة، لكن “المولوع” يطيل السمع لهذه المحاولات فيبدأ في عزل الطيور التي يشك في ارتكابها أخطاء في التغاريد كي لا تفسد تعلم الطيور الأخرى، ويحدث أن تكون هذه المحاولات في التغريد ليلا ما يدفع بالمربي مغادرة فراشه ولزوم غرفة الطيور في مشهد هوسٍ قل نظيره.

بعد مرحلة غيار الريش واستكماله مرحلة “البْدَالة” يبدأ الطائر في توضيح بعض مقاطع التغريد التي تعلمها، وهنا قمة المتعة لدى المربي، فكأنه إزاء طفل من صلبه يحاول التكلم والتعبير عن نفسه. فيقوم بتسجيله ويسمِّع تغاريده للأصدقاء الذين يبدون ملاحظاتهم وتبريكاتهم. ويستمر الطائر الجيد على هذا الحال إلى أن يأتي على تعلُّم أغلب التغاريد التي لُقِّنت له، بل وقد بيدع فيها ويشكل تغاريد جيدة من خلال تفكيكه التغاريد المنتقاة وإعادة تركيب مقاطعها.

تعلن الجامعة المغربية لعلم الطيور “FMO” عن مواعيد مباريات تبريز طائر الحسون، فيبدأ المربُّون في تعويد طيورهم على أجواء المسابقات. وتنتدب الجامعة حكاما متخصصين حائزين على دبلومات تحكيم مصادق عليها من طرف الجامعة ومن طرف حكام إسبان، بالنسبة للكوبيا (التغريد وفق قوانين المدرسة الإسبانية).

تمر الطيور أمام الحكم مثنى مثنى، فيحكم على الطائرين المكونين لكل ثنائي من خلال احتساب نقط التغاريد الإيجابية واقتطاع نقط التغاريد السلبية، فتمنح لكل طائر نقطته المستحقة، وفي النهاية يتم ترتيب الطيور حسب النقط المحصل عليها وتتويج “المواليع” الفائزين، فتمنح لهم جوائز (كؤوس) وشواهد استحقاق.

يعتبر تتويج المربي مكافأة معنوية تسجل في سِجل ألقابه وشهادة اعترافٍ بكفاءته في تربية الطيور، لكن المكافأة المادية هي طلبات الشراء التي تنهال عليه، إذ يمكن أن يصل ثمن الطائر الجيد إلى 20.000 درهم أو أكثر. وقد استطاع منخرطو الجمعيات المنضوية تحت لواء الجامعة المغربية لعلم الطيور المشاركة والحصول على مراتب مشرفة في المسابقات الإسبانية، مما جعل المربين الإسبان يعترفون بالتطور اللافت لمستوى “المواليع” المغاربة.

يعد طائر الحسون ثروة وتراثا وطنيا يجب الحفاظ عليه، إذ لوحظ في السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في عدد المربين لطائر الحسون، وللأسف فعدد كبير منهم غير منخرط في جمعيات أرنيطولوجية، مما يجعلهم خارج التأطير والقوانين المنظمة لهذه الهواية، الأمر الذي دفع بالجامعة المغربية لعلم الطيور إلى دق ناقوس الخطر الذي يتهدد طائر الحسون، ما حذا بالمندوبية السامية للمياه والغابات إلى صياغة مشروع قانون لحماية هذا الطائر، وبعد مشاورات جادة مع الجامعة “FMO”، تم التوصل إلى قانون يرضي الطرفين، ويبقى تنزيل هذا القانون على أرض الواقع وراشا كبيرا ومهما أمام الجامعة المغربية لعلم الطيور .

ياسين الطوسي

*باحث في البلاغة وتحليل الخطاب جامعة شعيب الدكالي

 باحث في علم الطيور 

رئيس لجنة كناري الفلاوطا بالجامعة المغربية لعلم الطيور

مشاركة