الرئيسية اراء ومواقف الحرب الباردة بين لحى المغرب!

الحرب الباردة بين لحى المغرب!

كتبه كتب في 1 مايو 2012 - 22:16

أشرقت شمس الربيع العربي على معظم الدول العربية بل تعدته الى خارج العالم العربي والإسلامي ولعل أبرز مستفيد من هذا الربيع العربي هم الإسلاميون الذين ظلوا لعقود يتعرضون للاضطهاد لعزلهم عن الحياة العامة و الشأن السياسي الذي يتحكم فيه الحاكم وحاشيته، فجاء الربيع العربي منصفا لهم يدفعهم دفعا نحو اعتلاء قمة هرم الفعل السياسي في جل الدول سواء منها من أسقط الربيع العربي أنظمتها او تلك التي لم يتمكن من زعزعة نظامها.

صعد نجم الإخوان والسلفيين في مصر و دوى صوت النهضة عاليا في تونس و مكن لإسلاميي ليبيا بمختلف أنواعهم، كما استطاع بعض إسلاميي اليمن الوصول لصيت سياسي يرشحهم للسيطرة على الشأن السياسي في اول استحقاق سياسي، وأما الدول التي لم تسقط أنظمتها فاستطاعت القوى الإسلامية فيها ان تجد لنفسها صوتا مسموعا بين العامة التي جربت كل القوى السياسية وتحتاج الى تجربة قوة جديدة أملا في الإصلاح، فكان نجاح العدالة والتنمية بالمغرب وسطوع نجم إسلاميي الأردن و الكويت و الجزائر وغيرها من الدول العربية.

ككل الدول العربية و استفادة من مناخ سياسي جديد أفرزه الربيع العربي حاول إسلاميو المغرب تحقيق مكاسب سياسية فتعددت طرق كل قوة من اجل تحقيق المراد، لكن هذه القوى الإسلامية انجرت من تحقيق المكاسب الى محاولة لإثبات الذات مقابل إلغاء الآخر. تتعدد القوى الإسلامية المغربية بمختلف اديولوجياتها و عقائدها الدينية و السياسية ولعل ابرز هذه القوى:

الصوفية

يعد التصوف مذهبا ضاربا في التاريخ المغربي وقد ارتبط بتحالف قوي مع أغلب الدول الإسلامية أو على الأقل بالمهادنة لما اتسم به هذا التيار من اعتزال للسياسة في أغلب الأحيان وهكذا ظل الى أن طل الربيع العربي برأسه على المغرب، فأخرج هذا التيار الى الساحة السياسية بإدلائه بدلوه في المسائل السياسية دعما للنظام و في إطاره، لكن هذا التيار يظل ضعيفا من حيث الاستقطاب الفكري لكنه يظل قويا اقتصاديا و رمزيا.

العدل و الإحسان

تعتبر جماعة العدل و الإحسان تمردا على المذهب الصوفي بتبنيها جل عقائده الدينية واصطدامه معه في جل المواقف السياسية وقد ظلت هذه الجماعة منذ تأسيسها في مواجهة مع النظام وهي الآن في معركة حامية لإثبات الذات و تحقيق الريادة الشعبية .

السلفيين

يعتبر التيار السلفي أيضا ضاربا في التاريخ المغربي عبر مختلف مراحله بل ان ملوكا و خلفاء تبنوا المذهب عبر عصور مختلفة ومتفرقة، لكن التيار لقي مقاومة من التيار الصوفي بداية اشتدت خلال الاستعمار الفرنسي الذي تصادم مع التيار الذي قاومه، وحتى مع استقلال المغرب ظل التيار مهمشا من النظام حتى انه لا يشار اليه في تاريخ مقاومة الاستعمار، لكن التيار استعاد قوته منذ الثمانينيات تدريجيا وهو الآن مدعم بالانفتاح الإعلامي و مخدوم بترسانة إعلامية عالمية، إضافة الى الدعم الخليجي لبعض أقطابه، لكن هذا التيار ليس كتلة واحدة فهو تيارات متوحدة العقيدة مختلفة السياسة بين من يرون تحريما مطلقا للخروج عن الحاكم وبين من يرون إلحاحية التغيير و يختلفون في الطريقة.

العدالة و التنمية

يعتبر الحزب الحاكم الآن الذي تحول من المعارضة الى الحكم قوة محلية لا يستهان بها هذه القوة التي تحاول الاستزادة في قوتها بدخولها تنافسا مع مختلف القوى الإسلامية لاثبات نفسها.

إذا كان الصوفية قد عادوا الى حصونهم بعض ان قضى النظام مأربه منهم وعادوا الى طريقة عملهم التقليدية التي تسعى استقطابا مع الحفاظ على المكاسب الاقتصادية الضخمة، واذا كان السلفيون بمختلف تياراتهم مترددين في التنافس السياسي (رغم ان الوضع ينذر بانفجار قوتهم اذا توحدوا) فان العدل و الإحسان و العادلة و التنمية يخوضان حربا باردة ضروس لإثبات الذات و الهيمنة على المشهد السياسي و الديني المحلي وهم في تنافس شديد لكسب الشعبية ولعل هذه الحرب الباردة تجد تجلياتها بعد الربيع العربي في ثلاثة تمظهرات رئيسية:

حركة العشرين من فبراير

انطلقت حركة 20 فبراير و حققت زخما شعبيا كبيرا كان ينذر باكتساحها للمشهد السياسي وقد حقق ذلك مكاسب كبيرة للتيار الرئيسي داخل الحركة والذي هو العدل والإحسان التي استعادة قوتها و حضورها بعد هفوة رؤى 2006 التي كادت تقضي على الجماعة، ولما كان الأمر كذلك سعت العدالة و التنمية لمنافسة العدل و الإحسان على هذه الحظوة التي نالتها لدى الشعب، لكن تردد أعضائها بين الداعم للحراك الشعبي و المتخوف منه جعل الحزب في موقف حرج تقوى بعد خروج بعض قادتها الى الشارع ضدا على رغبة الحزب مما دعا الحزب للتفكير و التأمل حتى تفتقت قريحته بفكرة قوية دخلت من خلاله الحراك الشعبي و ظلت مراقبة للأحداث عن قرب، هذه الفكرة هي في إنشاء حركة(باراكا) التي و ان كانت تدعي أنها لا علاقة لها بالحزب الا انها في الواقع كانت جناحا له في 20 فبراير والدليل ان هذا الجناح اختفى مع الدستور ومع نجاح الحزب في الانتخابات، وخاصة بعد ان بدأت شمس حركة 20 فبراير في الأفول فاختفت (باراكا) نهائيا عن المشهد وعاد مناضلوها الى مواقعهم الطبيعية في الحزب و حركة التوحيد والإصلاح الجناح الدعوي الديني للحزب(بعد ان كان الحزب جناحا سياسيا للحركة فانقلب الآية).

القضية الفلسطينية

بعد انسحاب العدل و الإحسان من 20 فبراير ظلت تنتظر مناسبة لاثبات قوتها و شعبيتها, فجاء التضامن مع القدس و القضية الفلسطينية مناسبة لهذا، فنظمت العدل والإحسان مسيرة حاشدة تغنت بعددها طويلا، العدد الكبير الذي كان حاضرا في مسيرة القدس العدلية دعا العدالة و التنمية و مختلف حلفائه الجدد و القدامى الى الخروج للشارع بنفس الدعوى فخرجت بمسيرة جد محتشمة جعلت العدل والإحسان تتغنى مرة اخرى بمسيرتها التي أشعرتها بالانتصار على العدالة و التنمية هذه الأخيرة التي كانت تتمنى ان تفوق مسيرتها مسيرة العدليين (جريدة التجديد وصفت مسيرة حزبها بالمليونية في محاولة لتخفيف وطأة الهزيمة ثم استدركت لتدعي ان المسيرة لم تطرح فيها مقاربة العدد بل رمزية التضامن لا غير).

النضال الطلابي

سيطرة العدل و الإحسان على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أوطيم) منذ أفول نجم اليساريين ولا زالت الى الآن، وفي محاولة من العدالة و التنمية الى نيل حصتها من الكعكة الجامعية رمت بمناضليها داخل منظمة التجديد الطلابي فاشتد حراكهم و أنشطتهم في محاولة واضحة لإنزال العدل و الإحسان من عرش النضال الجامعي ولو تجولت في الجامعات هذه الأيام لأدركت سمات هذه الحرب الباردة بين التيارين.

ان معركة الاستقطاب و الشعبية بين الفرقاء السياسيين لهي عمل طبيعي و مقبول في الحقل السياسي لكن أخوف ما اخاف منه ان تشغل هذه الحرب عن خدمة الوطن و المواطن وتتحول هذه الحرب الى سلاح ضد كل التيارات الإسلامية بفقد الثقة من لدن المواطنين في كل الإسلاميين بعد ان فقدوه في باقي القوى السياسية الأخرى سابقا.

مشاركة