الرئيسية للنساء فقط روبورتاج بورديل تنغير

روبورتاج بورديل تنغير

كتبه كتب في 24 أبريل 2012 - 00:22

قصص مثيرة من واقع مرير، تحكيها قاصرات ونسوة حملهن  الزمن الصعب على امتهان أقدم حرفة عرفتها البشرية. “الآن” اقتحمت “بورديلا” للدعارة في إحدى أكثر مناطق المغرب هامشية، ونقلت إليكم بالكلمة والصورة حياة أزيد من 500 عاملة الجنس، في مدينة تنغير، التي يحكمها الإسلاميون. تفاصيل مثيرة  من قلب الماخور تقرؤونها في هذا التحقيق.

 عددهن يقدر بخمسمائة عاملة، تسعون في المائة منهن أميات بشكل كامل، يقدمن خدماتهن في حوالي 100 بيت عشوائي، مبنية بالطين المبلل أو “التابوت” كما يسمى محليا. الورش الواحد من بين المائة،  تشرف عليه “باطرونة” تشتغل معها خمس فتيات كمعدل، بمجرد أن يقذف الزبون بلبنه خارج عضوه، يكون العداد قد سجل ربحا صافيا جديدا  قدره خمسة وعشرون درهما.. قد تتضاعف التعريفة حسب سخاء المستفيد من الخدمة، ومدى تعاطفه مع “القدر” الذي قاد هذه “الآلات الجنسية” إلى هذا المكان.

 حدة الأمراض المتنقلة جنسيا”صادمة”، والكشف عن الأرقام للعموم  من شأنه أن “يخلق رجة في هذا الوسط المحافظ، إن لم يهدد الاستقرار الاجتماعي بالمنطقة والسلامة الجسدية لممتهنات الجنس من طرف جماعات متطرفة”، وفق تفسير أحد الفاعلين المدنيين المهتمين بالموضوع، هذا “المعمل” يشهد حركية واسعة خلال الأعياد، أو في الصيف حينما يكون أبناء الجالية المقيمون بالخارج قد عادوا أدراجهم إلى المدينة، ليروحوا عن أنفسهم بعد عام كامل من الحرمان، أو ليستعيدوا تجربة لذيذة، جربوا تذوقها في الصغر.

 هنا تينغير، مدينة تبعد بحوالي 200 كليومتر عن مدينة ورزازات عبر الطريق الرئيسية رقم 10 المؤدية إلى الراشيدية. في زقاق مزدوج، من نوافذ صغيرة، من الأعلى والأسفل. تطل وجوه لقاصرات، ونساء لم يتجاوز أغلبهن عقدهن الثالث. ملامحهن ولكناتهن (لهجاتهن) حينما ينادين بصوت واحد “وا مول النظاظر.. ومول الكاسكيطة، والعايل، أيا ربا (أيها الفتى)، والغريب.. والبراني أجي أجي.. أجي نكوليك.. طلع نضرب ليك مصيـ..”، كافية، رغم التشويش الذي يحدثه أزيز بعض الآلات المنبعث من ورشات تقليدية للنجارة والحدادة، حتى يفهم “الغريب” ماذا يقدم في هذا الزقاق من خدمات، من قبل أجساد انتهت بها الأقدار في “بورديل أقدار” العتيق، واحد من أقدم “مصانع الجنس الرخيص”، شبه المقننة بالمغرب..

وراء كل بائعة جنس رواية تراجيدية

وجوه فتيات صغيرات كانت تطل من نوافذ صغيرة لبيوت بعضها من ثلاثة طوابق، وأكثر من نصفها طينية، يعصرن بكل ما أوتين من جرأة على صدورهن، حتى تبرز أثداؤهن لعلهن يثرن الزبائن العابرين والذين قد تجدي في شد انتباههم قطعة لحم آدمية أكثر من كل النداءات وبكل اللهجات،  في حين تتولى “الباطرونات” فتح الباب أمام كل صيد جديد.

خلف الأجساد الأنثوية المتراصة، والماكياج الطافح تاريخ من التجارب، لا يفتح باب أسرارها، إلا إذا انفتح القلب لمن يسمعها.

 الساعة تشير إلى السادسة مساء، ورغم أعمدة الكهرباء المثبتة في الزقاق، ومصابيح الإنارة المعلقة في قممها، فإن الفضاء غارق في ظلام دامس، تخترقه خيوط ضوء وجدت طريقها إلى الخارج  من داخل البيوت عبر النوافذ، بعد أن استطاعت التسلل من وسط أدخنة “الشيشة” والسجائر والحشيش. ترددت “نعيمة”، قبل فتح الباب الحديدي بني اللون الذي تطل من فتحة صغيرة في الجزء العلوي منه.. “غير حلي ليه.. ماتخافيش، ماعمري شفتو ولكن باينة فيه عسكري” (تزامن حلولنا بتينغير مع وجود تعزيزات من قوات التدخل السريع على خلفية اعتصام للساكنة أمام أحد مناجم الفضة).

 أكثر العاملات في هذا البورديل ينحدرن من مناطق بعيدة، ويبتهجن حينما يعلمن أن الزبون قادم من الرباط أو الدار البيضاء، يفهم لغتهن ويتحدث بها، ويكون سهلا للابتزاز والدفع أكثر، على عكس كثير من الزبناء المحليين ممن لا يجيدون إلا الأمازيغية. ويكفي أن تقف في زاوية من الزقاق، فتلاحظ أن الزبون حينما يدخل إلى أحد هذه البيوت، ما إن تمر مدة قصيرة، بالكاد تتجاوز ربع ساعة، حتى يلملم سرواله خارجا من البيت.

 ”ما لك خايفة؟”، “غير حيتاش ماكايناش الباطرونة وجيت لهاد البلاصة غير البارح، وخفتك تكون بوليس”، تقول نعيمة، عاملة جنس في بداية عقدها الثالث، ويبدو من سحنتها أنها جاءت لتوها من جبال الأطلس المتوسط المكسوة بالثلوج. البيت عبارة عن غرفة ضيقة يتشكل نصفها بدوره من غرفتين أصغر، بابهما مفتوحان على النصف الثاني حيث كانت توجد مائدة صغيرة، 
تحلّق حولها أربعة قاصرين، يستنشقون النرجيلة. “عندك البيت عامر.. هادو كاملين غادي يباسيو؟”، تجيب “لا انتا دخل البيت الثاني، هادو غير صحابنا كايحمايو علينا من السكايرية، خود راحتك الدراري راه غادي يمشيو دابا”.

 مرت حوالي عشر دقائق، قبل أن تلتحق “نعيمة” بزبونها في غرفة أشبه بزنزانة، لا تحتوي سوى على حصيرة فوقها غطاء من الصوف ووسادة صلبة كالحجر، وفي زاوية منها طاولة عليها بعض الأواني، وأخرى عليها تلفاز وقارئ أقراص مدمجة. فوجئت الفتاة لما وجدت زبونها لم ينزع بعد ملابسه كما توقعت، “مالك اش كاتسنا؟”، تقول بلكنتها الأمازيغية، “وأنت ما لك زربانة؟ أنا جئت لنتحدث قليلا.. أنا لا أحبذ ممارسة جنس “الكوكوت مينوت”، وإن كنت متسرعة لأنك تريدين زبناء آخرين فأنا غادي نتهلا فيك، فقط دعينا نتحدث قليلا: من أنت وماذا تفعلين هنا؟ ماهي قصتك؟”.. تلقت نعيمة الأسئلة بكثير من الدهشة، لكنها تمكنت من البوح لزبونها الرباطي بجزئيات من حياتها، بعد أن صادفها هي وزميلتها سميرة بالبيت في غياب الباطرونة التي تجثم على أنفاسهن وتسترق السمع إليهن حينما يدخل شخص غريب… تستوي في جلستها، وقبل أن تنطق بمجموعة من “الحقائق” لهذا الزبون الرباطي، المنحدر من المنطقة، ويشتغل على البحث في شيء قال لها إنه يسمى “السوسيولوجيا”، لابد أن تشرع في الابتزاز وجس نبضه حول مدى قابليته للدفع، لما طلبت مبلغا ماليا “باش نصيفط على المعسل والفاخر راني مقطوعة..”، كان لها ما أرادت، وحينها فقط بدأت تتحدث:”كايحساب ليك راضيين على هادشي اللي كانديرو؟ راه أي بنت هنايا عندها ظروف جابتها لتينغير.. أنا فعمري 26 سنة، ولكن اش غاتكول يلا كلت ليك باللي دزت من عند ثلاثة د الرجال، الأول تزوج بيا وأنا ف عمري 14 عام.. سكايري، وماخدامش وماخلا مادوز عليا..”.

 تستنشق نعيمة عميقا من “الشيشا”، تصمت لبرهة، وتحاول أن تحس بدخان النرجيلة يخترق رئتيها، تتنهد، ثم تقول:”عندي معاه ولد، ومشى خلاه ليا، دابا خليتو مع الوالدة في ميدلت، من بعد تزوجت بواحد اخر، دوز معايا ليلة واحدة وطلقني، الثالث ماقبلاتنيش عائلتو.. طجيت ومليت وخرجت للزنقة، حتى لقيت راسي في هذه المدينة، لقيت واحد بنت بلادي خدامة هنا فواحد القهوة، طلبت منها تشوف ليا شي خدمة، وهي تصيفطني عند واحد الباطرونا هنايا فأقدار.. ماعندي ماندير، هادشي اللي عطا الله، هنا حسن ليا من الزنقة..”. سؤال: “ودبا شحال كاتصوري فهاد البورديل؟”، تفكر، تبتسم، ثم تضحك، لتقول:”الصيمانة الاولى مع كنت جيت جديدة وباقا صغيرة.. كانو  الدراري د هنا كايشدو الصف قدام الباب، حيث فينما كايسيقو لخبار دخلات شي بنت جديدة كولشي كايفضلها على الأخريات، فسبع أيام جمعت 140 ألف ريال، النص كاتديه الباطرونة والنص ديالي، ومن بعد سالات ديك سبع أيام د الباكور، وكل نهار وشحال كاندخل، المهم فراس العام والصيف منين كايدخلو الزماكرية كاندورو الحركة، ومورا العيد الكبير ومورا رمضان..”.

 نعيمة، وكما نزهة الفاسية، شدّدن، وأكدن، وبكل ما لهن من قوة حجاجية، أن ممتهنات الجنس في هذا البورديل بمدينة تينغير،  وراء “بلائهن”، بالضرورة، أسباب وقصص ومعاناة، لا تخرج عن التحليلات السوسيولوجية المعروفة: الفقر، التشرد، الاغتصاب، قسوة زوجة الأب، أو وفاة الوالدين معا، أو حتى كثير من الطيش الذي يرفضه المجتمع، فيقود الفتيات إلى الهروب نحو مثل هذه الأماكن..

نحن محميات ولنا نظام صارم..

بورديل “أقدار”، أو “السيكتور”، أو “دار الشباب”، كما يحلو للبعض تسميته في هذه المدينة، لا يجد زائره صعوبة في أن يرجح فرضية كون هذا البورديل “منظما”، فآراء غالبية الفاعلين هنا في المجتمع المدني ترى فيه “شرا مفيدا”، حيث لم يسبق أن تجرأ أحد، أو حتى جهة منظمة برفع الصوت تنديدا بوجود البورديل؛ فمن ناحية، “هو معزول عن الأحياء السكنية ويسهل ضبطه”، يقول أحد شباب الحركة الأمازيغية، مضيفا:”ومن جهة ثانية، نسبة بعض الاعتداءات والجرائم، مثل الاغتصاب والتحرش بنساء المنطقة، قليلة نوعا ما، حيث يحكى أنه في إحدى الفترات صدر قرار بإغلاقه وترحيل العاملات فيه، فبدأت الدعارة تتسرب إلى وسط الأحياء السكنية، كما بدأ الشباب يتحرشون بشكل مستفز ببنات المنطقة”، يؤكد المتحدث.

 فرضية أن “قيسارية الجنس” بتينغير هي نوع من “الدعارة المقنعة”، وموقع شبه منظم، تؤكدها بعض الناشطات فيه، ممن تمكن من البوح في غفلة من الباطرونات، حيث تكشف واحدة عن ما أسمته نظاما صارما،  يخضع له الجميع هنا، “كيفاش؟”، “دبا ديك 25 درهما كعمولة، أو 20 درهما بالنسبة إلى الزبون الذي يرفض استعمال العازل الطبي، 10 دراهم منها ربح خالص من نصيب ممتهنة الجنس، و10 دراهم المتبقية تذهب إلى الباطرونا، ومنها تؤدي واجب كراء المحل”، يقاطعها السائل:”وبشحال كاتكريو هنا؟”، “هاد البيتات اللي كاتشوفهم مخنوقين كايتكراو بديك 2000 درهم.. وكاينين اللي راهنين، في حين الباطرونات اللي قدام بزاف فيهم اللي شراو بخطرة، ومن غير لكرا كاينة الماكلة وكاع المصاريف من عند الباطرونة”.

بعض ممتهنات الجنس بتينغير يحاولن إبداع وسائل لإغراء زبنائهن وضمان عمولات مرتفعة.

 يوم الأحد 11 مارس، حوالي الساعة الثالثة بعد الزوال، كانت “فرح الخريبكية” تطل من نافذة أحد الأوكار بهذا الزقاق، وهي تخاطب صيدا محتملا كان مارا من أمام البيت، “وا مول الكاسكيطة، وا البوكوس، بس بس.. أجي غير نهضر معك”.. إنها مصرة، يستجيب لها الزائر، ويقترب من النافذة، “طلع عندي نتهلا فيك، أنا معروفة هنا باللي سكسي، نضرب ليك مصـيـ…، ونعطيك ضرب اللوة”. عرض فرح لكل مهووس بالأفلام البورنوغرافية يبدو مغريا. الزائر يبدو له هذا العرض فريدا، “كيفاش انت بوحدك اللي سيكسي هنايا؟”، خلاصة الحكاية، أن فرح تمكنت من خلق عينة من الزبناء، تضفي على عملياتها الجنسية معهم نوعا من الإغراء، وتكون هذه العلاقات العابرة في دقائق، مقابل 100 درهم عوض 25 درهما.. “أنت متفردة، هل بإمكانك الذهاب معي إلى شقتي؟”، تجيب فرح بجواب حاسم:”يلا ماصيفطاتنيش الباطرونا مانقدرش نمشي”، “إذن أنت محتجزة في هذا المكان؟”،.. تتلقى فرح أسئلة محاورها بكثير من التوجس والريبة، قبل أن تقول:”لا ماشي حتى لديك الدرجة، غير ممنوع علينا نخرجو وصافي، يلا بغينا نمشيو الحمام هي اللي كاتعيط على الطاكسي باش يجي يدينا”. ما قالته المتحدثة يؤكد ما ذهب إليه فاعل بالمنطقة، لما قال إن واحدة من الظواهر الغريبة المرتبطة بالبورديل هي أن سائقي سيارات الأجرة الصغيرة نادرا ما يتعاملون مع العموم، حيث تبقى خدماتهم محصورة على ممتهنات الجنس.

 هذا النظام المعتمد، ومنه عدم السماح للعاملات في البورديل بملاقاة زبائن أو التجول بالمدينة بحرية، مرده حسب بعض الشهادات، إلى “كون الباطرونات يحتطن من الاعتداء عليهن من طرف بعض الأشخاص ممن لهم مواقف رافضة لوجود هذا البورديل، ولكنهم يتغاضون عن أمره، مادام معزولا عن الساكنة. وتحاول ممتهنات الجنس ما أمكن عدم استفزاز ساكنة المنطقة داخل الأسواق والفضاءات العمومية”. أكثر من ذلك، تضيف عاملة سابقة، “حتى البوليس ماكايعجبهومش الحال الى تلاقاونا فشي بلاصة اخرى”، وهل هذا يعني أنه لا وجود لحملات ومداهمات داخل البورديل؟، “الصراحة، من غير يلا كانت شي حملة ذات صبغة وطنية، كايجيو هنا يلا كان هرب ليهم شي بزناز لهنايا، ولا دخلات شي بنت جديدة مبحوث عنها وطنيا”.

 قبل سنوات قليلة، كان من الممكن القول إن ما يجري في بورديل مدينة تينغير هو نوع من الدعارة المنظمة وفق ما يجري في الدول الأوربية، حيث تؤكد شهادات بعض العاملات فيه، ممن تمكن من خلق مشاريع خاصة بهن ومدرة للدخل وتقاعدن من تجارة الجسد، أنه “كان يتم التصريح بكل وافدة جديدة لدى السلطة المحلية من طرف الباطرونة التي ستحتضنها في بيتها، كما تجري متابعتهن على المستوى الصحي من طرف مسؤولي المركز الصحي بالمدينة، كما أن هناك جهات مسؤولة تحصل على عمولات مادية من طرف الباطرونات، مقابل عدم التضييق على نشاط البورديل”، وفي ما يتعلق بالسلامة الجسدية من اعتداءات محتملة، تشير إحدى ممتهنات الجنس بتينغير قائلة:”أغلبية الباطرونات والعاملات معهن لهن عشاق وأصدقاء يوفرون لهن الحماية”.

 نعم لحلول واقعية.. لا للجان التفتيش

أمام تنامي بعض الأصوات المنددة بـ”الفساد والدعارة بالمدينة”، خصوصا بعد صعود التيار الإسلامي واختراقه للمجتمع المدني، ووصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى دفة تسيير المجلس البلدي لتينغير، وبروز نتائج مخيفة لعدد المصابين بالأمراض المتنقلة جنسيا بالمنطقة، بدأ موضوع “سكتور أقدار” يجد له حيزا وسط النقاش العمومي بالمدينة، خصوصا بعدما أصبحت عمالة وإقليما منفصلا عن مدينة ورزازات قبل سنتين.

 ففي الوقت الذي تبدو المدينة متعايشة مع البورديل، زادت المخاوف من انتشار الأمراض المتنقلة جنسيا، ومع توسع المجال الحضري والحركية التي طبعت المدينة، بعد جعلها وحدة ترابية، مع ما يرافق ذلك من هجرة نحو المدينة، أصبح امتهان الجنس والدعارة ظاهرة لم تعد معزولة في البورديل، لما انتقلت إلى الأحياء السكنية، مثل ما يجري في مدن أخرى من المغرب، ولكن المثير هو الشكل الذي اتخذه النقاش حول الموضوع.

 فقبل مدة، نظمت “خلية النساء والأسرة” التابعة للمجلس العلمي الإقليمي ندوة شكلت مناسبة للتناظر حول الدعارة والأمراض الجنسية في تينغير بين مختلف المصالح والمتدخلين، “النقاش كان منصفا بالنسبة إلى العاملات في البورديل”، تقول عضوة في هذه اللجنة النسائية، “فكما للمومسات دوافع اجتماعية دفعتهن إلى ممارسة الدعارة، خلص النقاش إلى كون إقبال شباب المنطقة وذكورها عامة ناتج أولا عن الفراغ الذي يعانون منه، في ظل التهميش وغياب فضاءات سيوسيو اجتماعية ورياضية حيث يفجرون طاقاتهم”. السبب الثاني، حسب المتحدثة، “في المنطقة أيضا هو أن الزواج ما زال يتم بشكل تقليدي، ومازالت العائلات تعيش في أسر كبيرة، مما يؤثر على العلاقة الحميمية بين الأزواج، زيادة على الجهل التام للنساء والرجال بالثقافة الجنسية، حيث مازالت العلاقة الجنسية تدخل في الطابوهات بالمنطقة داخل الأسر”.

 توفيق عبد الناصر، مندوب وزارة الشباب والرياضة بإقليم تينغير، رجل في عقده الرابع، جاء إلى المندوبية بعدما كان مسؤولا بمركز حماية الطفولة بأكادير، في نظره، “الجنس موضوع مركزي ضمن اهتمامات الشباب في أي رقعة من العالم، وما يفسر هذا الإقبال الكبير لشباب المنطقة على الدعارة مرتبط بالتهميش الذي لحق المنطقة لسنين عديدة، خصوصا غياب بنيات تحتية تؤطرهم وتحتضن طاقاتهم”. وبالتالي، يضيف المتحدث، “لا مجال لحلول جذرية، فكل ممنوع مرغوب.. لهذا، اعتمدنا استراتجية شمولية تقتضي تدخل كل الفاعلين لدفع شباب المنطقة إلى تفريغ طاقاتهم في أمور لا تعود بالخطورة على صحتهم، وجعلهم يشعرون بالمواطنة، بدل ظاهرة الفكر العدمي التي تغلغلت في نفوسهم.. لأن الشعور بالتهميش هو ما يدفعهم إلى الارتماء في أحضان الدعارة والمخدرات”.

 لأن تينغير لا تختلف كثيرا عن مدينة عين اللوح، في نسيجها الاجتماعي ووضعها الاقتصادي، فقد وصلت إلى هنا أصداء لجان التفتيش التي ظهرت بالمدينة، لكن النقاش يبدو محسوما من طرف ساكنة المنطقة وفاعليها منذ مدة، حيث وضعت جمعية فضاء المرأة بتينغير موضوع البورديل ضمن اهتماماتها، لما اعتمدت آلية “التثقيف بالنظير”، بعد أن رصدت من خلال دراسة ميدانية أن تسعين في المائة من هذه الممتهنات أميات بشكل كامل، كما وقفت عند خطورة بعض المعطيات التي تهم الجانب الصحي، فاستطاعت، حسب مصدر من الجمعية، منذ سنة 2007 استقطاب حوالي 12 ممتهنة للجنس بالبورديل، تخضعن لتكوينات في الصحة الإنجابية، وبرامج للوقاية من الأمراض المتنقلة جنسيا، على أساس أن كل واحدة من بين الاثنتى عشرة مستفيدة تقوم بدورها بإعادة نقل ما استفادت منه إلى 10 ممتهنات للجنس على الأقل مع إثبات فعالية الأمر.. ومن هنا، يقول مصدر من الجمعية، “تم إدماج الكثير منهن في المجتمع.. فتمت مساعدتهن على تكوين مشاريع مدرة للدخل فأقلعن عن الدعارة، أما المتبقيات فقد أصبحن يفرضن على مرتادي البورديل استعمال العازل الطبي وإن رفض الزبون ذلك، يرفضن بدورهن استقباله..”، وكأن ساكنة تينغير، وممتهنات الجنس بهذا البورديل، يريدون القول:”هذا واقع تعايشنا معه لعقود من الزمن.. حتى أن بعض أبنائنا أسسوا أسرا مع عاملات جنس سابقات بهذا البورديل”.

امحمد خيي 

مشاركة