الرئيسية الصحة عندما يتاجر ملائكة الرحمة بأوجاع المرضى

عندما يتاجر ملائكة الرحمة بأوجاع المرضى

كتبه كتب في 11 مايو 2015 - 22:34

في كل مرة يضطر فيها مريض إلى أن يقصد مصحة خاصة لتلقي خدمات طبية متميزة، يكون مضطرا لأن يضع يده على قلبه قبل أن يكتوي بلهيب الأسعار المشتعل في هذه المصحات، التي يناهز عددها بالبيضاء لوحدها 57 مصحة مقابل 26 متمركزة بمدينة الرباط. ورغم ارتفاع تكلفة العلاج، إلا أن الخدمات المقدمة لا ترقى دائما إلى المستوى المطلوب. «الأخبار» جلست إلى طاولة الحوار مع مرضى خضعوا للعلاج بمصحات خاصة لتكشف لكم عن حقائق صادمة.

 العلاج بمصحة خاصة لا يعني بتاتا الإفلات من الأخطاء الطبية القاتلة، إذ ولجتها فتاة في الخامسة عشرة من عمرها لمعاناتها من آلام فظيعة على مستوى رأسها فأجريت لها عملية أدت إلى إصابتها بشلل كلي لأن مرضها كان متمركزا على مستوى حنجرتها وليس رأسها. والمؤسف أن العملية المطلوبة تكلف مبلغ 120 مليون سنتيم وتجرى خارج أرض الوطن على يد فريق طبي متخصص في أمراض الحنجرة. مرت 4 سنوات على هذه العملية الجراحية اللعينة ومازالت ضحيتها تتجرع مرارتها لحد الآن.

استنزاف الجيوب
كل مريض قادته ظروف مرضه إلى مصحة خاصة طلبا للعلاج إلا ويندب حظه العاثر، وذلك بعد أن يتلقى فاتورة الاستشفاء التي تستنزف جيبه. فإذا قدر واستعاد عافيته يحرص أشد الحرص على سلامته خوفا من أن تعاوده نكسة صحية أخرى.
زارت «الأخبار» مصحة خاصة بوسط مدينة الدار البيضاء على مستوى شارع إبراهيم الروداني الذي يخترق منطقة المعاريف بالمدينة، للحصول على معلومات حول أسعار العمليات التي يخضع لها المرضى والتي كانت دائما محل شكوى العشرات منهم. بالطابق الثاني من المصحة عثرنا على مريضة في الخمسينات من عمرها خضعت لتوها لعملية استئصال الغدة الدرقية وعقيدات يطلق عليها اسم عقيدات الغدة الدرقية (ولسيسات)، وكانت على وشك مغادرة المصحة إبان وصولنا. مكثت المريضة ذاتها بالمصحة 3 أيام ودفعت مقابل هذه العملية مبلغ 20 ألف درهم، إضافة إلى مبلغ 300 درهم خاصة بمصاريف التخدير. ليس هذا كل شيء، فقد دفعت شقيقة المريضة المعنية مبلغ 250 درهما خاصة بتكاليف مبيتها عن كل ليلة قضتها رفقتها.
تقول هذه الأخيرة في حديثها مع الجريدة إنها قامت باستفسار شخص مكلف باستخلاص تكاليف مبيت مرافقي المرضى عن سبب اضطرارها للدفع حتى تتمكن من المبيت رفقة شقيقتها المريضة ليجيبها بكون صاحب المصحة يقول بهذا الشأن بأنه يمتلك مصحة خاصة وليس فندقا، مضيفة أنها تطلب من أقربائهما إحضار بعض الوجبات على مدار اليوم كون الأطباق المقدمة من قبل المصحة لا تغني ولا تسمن من جوع وتكاد لا تكفي حتى المريض الذي ينتظر بدوره قدوم وجبات طعام منزلية. زيادة على أن خدمات تنظيف الغرف لم تكن بالمستوى المطلوب ما اضطرها إلى الاحتجاج على عاملات النظافة حتى يتم تنظيف الأرضية وتغيير الأغطية، كما جاء على لسانها.
(م.ز) رضيعة تبلغ من العمر 5 أشهر. خضعت لعملية جراحية لمعاناتها من مرض الماء بالرأس بمصحة خاصة بشارع «مودي بوكيتا» بالبيضاء. هذا المرض يجعل الخضوع لعملية لإزالة تلك المياه في أقرب وقت هو الحل الوحيد لإنقاذ حياة الرضيعة لكونها تسهم في تكبير حجم الرأس لمستويات غير طبيعية. والدة الرضيعة أفادت في معرض حديثها مع «الأخبار» أن العملية كلفتها مبلغ 4 ملايين سنتيم مكثت فيها ابنتها لمدة تقل عن أسبوع بالمصحة ذاتها، كما تم وضع جهاز بمنطقة الصدر تكمن مهمته في منع تكون المياه من جديد برأسها. سعر العملية المرتفع جعل والدا الرضيعة يلجآن إلى قرض من إحدى البنوك لإنقاذ حياة فلذة كبدهما، إذ لم يكن أمامهما حل آخر سوى ما قاما به أمام الأسعار الملتهبة التي تفرضها المصحات الخاصة.

أخطاء طبية مدمرة
انتقلت «الأخبار» هذه المرة إلى منطقة الشهداء بالحي المحمدي. هناك تقطن شابة في مقتبل العمر تسبب خطأ طبي ارتكبه طبيب شهير بمصحة خاصة بالبيضاء بإصابتها بشلل كلي لتصبح بين عشية وضحاها وكأنها جثة هامدة ويلزمها لتعود لوضعها السابق مبلغ 120 مليون سنتيم لإجراء عملية معقدة على مستوى حنجرتها خارج أرض الوطن.
خديجة بوهالي، شابة تبلغ من العمر 19 سنة. تحكي هذه الشابة لـ «الأخبار» إثر زيارة قمنا بها لبيتها الذي لا يضم سوى غرفة بسيطة تكاد لا تكفي سريرها الطبي الذي يشغل مساحة مهمة من الحجرة التي تقطنها رفقة والدتها ووالدها المتقاعد أما أختها الصغرى فتدرس في إعدادية داخلية لعدم تمكن والديها من رعايتها. تحكي هذه الشابة كيف تسببت آلام قوية جدا على مستوى رأسها في جعلها طريحة الفراش مدى الحياة.
وتعود أطوار هذه القصة إلى سنة 2010 عندما قرر والدا خديجة نقلها إلى مصحة خاصة بشارع معروف يقع غير بعيد عن منطقة درب غلف بالبيضاء لمعاناتها الكبيرة من آلام حادة على مستوى رأسها يستحيل معها العيش بشكل طبيعي. هناك كشف عليها طبيب ذائع الصيت ليخبرها بضرورة إجراء عملية معقدة على مستوى الرأس باعتبار ذلك السبيل الوحيد الذي سيخلصها من آلام الرأس المبرحة. وبعدما أخضعت خديجة للعملية بالجزء الخلفي من رأسها، أكد طبيبها لأولياء أمرها أنه ليس بمقدوره علاجها لمرضها المعقد الذي يكفي خطأ بسيط أن يرديها جثة هامدة وأنه سيضع جهازا معدنيا برأسها حتى يجعله ثابتا وتستطيع التحكم فيه. لكن عندما انتهت فترة مكوثها بالمستشفى اكتشفت خديجة أنها لا تستطيع الوقوف على قدميها مجددا، فنقلتها سيارة إسعاف إلى غاية بيتها. وفي سنة 2014 كشف على خديجة طبيب آخر، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة أوضح هذا الأخير أن مرضها موجود على مستوى حنجرتها وليس رأسها كما كانوا يعتقدون ولحسن حظها أن مرضها لم يتطور بعد. وأضاف طبيب ضحية الخطأ الطبي المدمر هذا، وفق ما جاء على لسانها، أنها تحتاج إلى عملية تصل تكلفتها إلى 120 مليون سنتيم وتجرى خارج أرض الوطن، مسترسلة أن طبيبها الأول أكد لها أن عمليتها تكلف 200 مليون سنتيم. زيادة على كون المدة التي تلزمها للعلاج بالخارج لا تتجاوز أسبوعين خلافا لما هو معمول به بالمغرب، إذ ستظل ما لا يقل عن شهرين في وحدة العناية المركزية وهو ما لا يستطيع والدها المعوز تسديد نفقاته الكبيرة. وعن سؤال وجهته «الأخبار» لفاطنة والدة خديجة عن الأسباب التي جعلت الأسرة تمتنع عن مقاضاة الطبيب الذي تسبب في هذه الكارثة والمصحة الخاصة التي أجريت بها هذه العملية، أفادت بأنه لا يمكنها وأسرتها ذلك، نظرا لقصر ذات اليد ولكون الطبيب المعالج هو طبيب شهير ولن يستفيدوا شيئا حتى ولو قاضوه كما أنهم لا يريدون شيئا منه ويبتغون فقط علاج ابنتهم التي لازمت الفراش منذ أن كانت تبلغ من العمر 15 سنة إلى غاية كتابة هذه السطور. ولم يجد والدا خديجة بدا من بث فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يروي قصتها الحزينة مع هذا الخطأ الطبي الذي جعلها تغادر مقاعد الدراسة مبكرا بعد أن درست لمدة شهرين فقط بمستوى الثاني إعدادي، إذ تستنجد بالمحسنين إعانتها على تكاليف هذه العملية المكلفة لوقوعها ضحية خطأ طبي كان سببا في مأساتها وتحويل حياتها إلى جحيم. وسبق أن حصلت خديجة على مساعدة أحد الأشخاص الذين زاروها بمنزلها بالحي المحمدي وقدموا لها إعانة مالية تقدر في مبلغ 1500 درهم. ومنذ ذلك الحين وهي تنتظر مساعدتها من قبل وزارة الصحة أيضا والتي صرحت والدتها أنها تكلفت بمصاريف علاج فتاة تعاني من نفس مرضها في وقت سابق. وقبل أن نغادر منزل خديجة بوهالي طلبت منا أمها فاطنة مساعدتها على التنقيب عن جمعية خيرية حتى تعينها على تكاليف الحفاضات التي أثقلت كاهل الأسرة.

وفيات غامضة
وفاة مريض ما بمصحات خاصة جعلت أقرباءه يعانون الأمرين جراء رفض إدارتها تسليمهم الجثة إلى حين دفع ما بذمتهم من مستحقات.
قبل سنتين، دخلت نادية إلى مصحة خاصة بحي المعاريف بالبيضاء لوضع مولودها على إثر ولادة سابقة لأوانها إذ كانت في شهرها السادس من مدة الحمل آنذاك. الأم تروي للجريدة كيف أن ابنها كان غير مكتمل النمو وبقي لمدة تناهز 21 يوما في الحاضنة، لكن بعد انقضاء هذه المدة توفي الطفل الخديج ورفضت إدارة المستشفى تسليمهم جثته لمواراتها الثرى إلى حين دفع مبلغ 6 ملايين سنتيم خاصة بتكاليف ولادتها وتكاليف علاج ابنها رغم أنهم وضعوا شيكا على سبيل الضمان بإدارة المصحة. ولم يتمكن زوجها من دفع هذا المبلغ ليتم تخفيضه إلى مبلغ 4 ملايين سنتيم بعد أن تنازل الطبيب المعالج عن أتعابه. وبعد تدبر زوج المتحدثة ذاتها للمبلغ كاملا وذلك بعد يوم من وفاة ابنها واستكمال جميع الإجراءات الإدارية المطلوبة تم تسليمهم جثة ابنهم المتوفي، كما أنها حامل في الوقت الراهن وأخبرها طبيبها المعالج أن احتمال ولادتها مبكرا جد وارد ومن الأفضل أن تنجب خارج أرض الوطن لتوفر آليات متطورة لإنقاذ الأطفال الخدج إلا أنها لا تتوفر على تكاليف الرحلة أو أقرباء يمكن أن يستضيفوها مثلا، وفق تعبيرها.
وفي مصحة بشارع رئيسي يمر من قرب المستشفى الجامعي بالبيضاء، توفي مريض في الأربعينات من عمره كان يعاني قيد حياته من مرض على مستوى كبده، إذ ولج المصحة في حالة مزرية. وفي اليوم الموالي توفي المريض سالف الذكر وفطن لوفاته شقيقه الذي يشتغل في سلك الأمن إذ كان يراه من وحدة العناية المركزة عبر نافذة زجاجية واكتشف أنه توفي ومع ذلك تم إخضاعه لعمليات التنفس الاصطناعي ولم يتم إعلام ذويه بذلك إلى غاية مرور 24 ساعة على وفاته بعدما احتج شقيقه على إخفاء خبر وفاته. قريبة المريض المتوفي أكدت في تصريح لـ»الأخبار» أن تأخير إعلامهم بخبر الوفاة يرجع لرغبة إدارة المصحة في الاستفادة من مبالغ مالية إضافية، إذ إن تكاليف العلاج ليومين تفوق تكاليفه ليوم واحد وأن التعامل مع المرضى يكون وفق منظور تجاري ربحي لا غير.

 دوافع جعلت وزارة الصحة تفكر في اللجوء إلى فتح المصحات في وجه مستثمرين من غير الأطباء
مازال الجدل متواصلا حول القانون رقم 131- 13 المنظم لمزاولة مهنة الطب في شقه المتعلق بفتح المصحات الخاصة في وجه المستثمرين من غير الأطباء بعدما كان ذلك حكرا على الأطباء لوحدهم. وزير الصحة الحسين الوردي صرح عقب ندوة نظمتها الغرفة الفرنسية للتجارة والصناعة في المغرب بأن القانون المذكور يهدف إلى الرفع من جودة الخدمة المقدمة في المصحات وخدمة مصلحة المواطنين وحقهم في الصحة. الوردي أكد أن القانون سالف الذكر لم يأت من فراغ وإنما لرفض الاحتكار الذي يؤدي إلى الرفع من أسعار الخدمات المقدمة في المصحات الخاصة علاوة على كون توزيع المصحات الخاصة بالمغرب غير متكافئ. ويرى وزير الصحة أن فتح الباب أمام الاستثمارات في المصحات الخاصة سيقلل من نسبة البطالة وستكون هناك شفافية في الأثمنة وسيقوم هذا القانون بجذب المستثمرين الأجانب. وفي المقابل، ترى الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة أن القانون المذكور يهدد بتجريد مهنة الطب من مظهرها المهني الأخلاقي والإنساني، ويدرجها في خانة المقاولة التجارية. وفي هذا الصدد صرح البروفيسور محمد بنعكيدة، رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة في اجتماع عقدته الجمعية بمقرها بالبيضاء أن المستثمر الخاص الذي يحركه البحث عن الربح، يسعى في المقام الأول إلى الاستفادة من استثماره. وهذا يترك الباب مشرعا أمام جميع الأساليب التجارية: النمو، المردودية، المرونة، الإشهار والدعاية.

نورا أفرياض

 

مشاركة