الرئيسية اراء ومواقف نحن والفرنسية..

نحن والفرنسية..

كتبه كتب في 16 أبريل 2012 - 14:35

بالمنطق الجغرافي، ينتمي المغرب لخارطة الدول العربية، فهو عضو في جامعتها العربية وواحد من أقوى دول المغرب الكبير، وبالمنطق الاقتصادي، المغرب بلد أوربي ولو وجد قسرا في القارة الإفريقية، وبالمنطق الاجتماعي..بلد أضاع هويته بين الشرق والغرب والجنوب والشمال، فصار مثل ذلك الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة، فأضاع مشيته ولم يتعلم شيئا..

يقال أن اللغة الرسمية لهذا البلد هي العربية إلى جانب الأمازيغية التي تمت إضافتها مؤخرا، ويقال أننا شعب تتمازج فيه مكونات ثلاث بأغلبية ساحقة وهي العربية والأمازيغية والإسلام، ويقال الكثير من هذا وذاك، لكن يبقى السؤال هو ماذا تفعل اللغة الفرنسية في إداراتنا؟ ولماذا تتواجد لغة موليير في مدارس الأطفال الخاصة حتى قبل العربية؟ ولماذا تستعمر هذه اللغة إعلامنا؟ ولماذا تكتب أغلب لافتات الشركات الاقتصادية بأحرف هذه اللغة؟

في المغرب، يعيش التلميذ في تناقض غريب، يدرس أغلب مواده في التعليم الأساسي والثانوي بالعربية، مقابل بضع ساعات للغات الأجنبية، وعندما يحصل على شهادة الباكالوريا، يجد أن أغلب التخصصات العليا تشترط مستوى مميز للغة الفرنسية، فيكون الكثير مجبرا على دراسة بعض الشعب المكتظة في الجامعات والتي تسمح له بتعليم معرب إلى حد ما، لأنه يعرف أن لكنته الفرنسية لا تسمح له بالوجود جنبا إلى جنب مع من كان الحظ إلى جانبه فسرى تيار الفرنسية مع دمائه، أو مع من تعود على سماع كلمة ” مون شيري” من والدته عوض كلمة “وليدي”..

هكذا تكون نتيجة هذا التناقض، أن يفشل الكثير من أبناء هذا الوطن في مسارهم الدراسي والمهني، بعضهم لا يقوى على متابعة دروس تلقى بلغة لا يفهم منها سوى الأساسيات، وبعضهم يتخرج ليصدم بسوق عمل لا يشترط مجرد إتقان هذه اللغة، ولكن أحيانا التحدث بها مثل أبناء باريس، وبعد ذلك تراهم الدولة عبئا عليها لأنها ما درسوه طوال سنوات حياتهم، لا يشفع لهذه الشركات في توظيفهم، فتكون “الزرواطة” حلا من حلول إسكات أصواتهم..

اللغة الفرنسية حولتنا إلى شعب “نص نص”، لكن ليس بمثل مذاق تلك القهوة التي نشربها مع الأصدقاء، ولكن بمذاق مر جعل لغتنا العربية ثقيلة على اللسان، لدرجة أن الكثير من شخصيات هذا الوطن، يرتكبون مجازر بحق هذه اللغة، لذلك لم أستغرب عندما قالت ياسمينة بادو “لا يمكن تشغيل الجميع دقة واحدة” أو عندما قال أبو بكر الجامعي “أكفس من” أو عندما تلعثم الطيب الفاسي الفهري أمام كاميرا الجزيرة فخرجت جملة عربية من فمه مليئة بالأخطاء اللغوية..

كما يغرق بلدنا في مشاكل من قبيل البطالة والفساد والأمية، فنحن غارقين أيضا في مشكل لغوي من المفروض أن لا يكون عندنا نظرا لأن المغرب بلد ليس بتلك التقاطعات اللغوية الكبيرة، فالعامية المغربية من الصعب أن تتواصل مع نظيرتها بالكثير من الدول العربية نظرا لتقصير الإعلام في التعريف بهذه اللهجة، ليصل الأمر إلى ابعد من ذلك، ما دامت الكثير من العائلات المغربية، تعلم أطفالها منذ الصغر الفرنسية والإنجليزية وتتخلى حتى عن الدارجة، لتصير الطامة الكبرى عندما يخرج الطفل إلى الأحياء الشعبية فيجد نفسه كما لو أنه في مومباي وليس الدار البيضاء، لأن والديه من فرط خوفهم على مستقبله، جعلاه غريبا حتى عن وسطه..

عوض أن نأخذ من النموذج الاقتصادي الفرنسي ما يناسبنا لخلق اقتصاد وطني قوي، أخذنا منها إطار النظام فصار اقتصادنا رهيب بمزاج الفرنسيين، وعوض أن نقتبس من نظامهم التعليمي ما يفيدنا، استنسخنا منهم أغلب القوالب التعليمية خاصة في التعليم العالي ونسينا أخذ المضمون، فتخلفنا عن العالم مرتين: عن العالم الذي يفهم اللغة الإنجليزية نظرا لأن أغلب النظريات الاقتصادية والعلمية تتحدث بلغة شكسبير، وعن العالم الفرنسي الذي كثيرا ما ينتظر لترجمة ما يقوده العالم الأنجلوسكسوني، لكي يقوم بعد ذلك بتقديمه لتابعيه من بينه المغرب..

قليلة هي الأمم التي تقدمت بفضل لغات غيرها، وحتى الواقع يؤكد أن الدول التي تقدمت بلغات مستعمرها السابق، فعلت ذلك نظرا لكثرة الأعراق واللغات والثقافات التي تشكلها (نموذج الهند مثلا التي استخدمت اللغة الإنجليزية في دستورها)، لأن التطور الاقتصادي والاجتماعي ينطلق من اللغات الوطنية لبناء نموذج اقتصادي حقيقي وليس نموذجا مقلدا ملا يفعله الآخرون، لذلك، فلن ننتظر من ناتجنا الوطني الخام أن يرتفع والبورصة المغربية تتحدث بالفرنسية، ولا من إعلامنا أن يكون إعلام قرب وأهم برامجه متفرنسة، ولا من تعليمنا أن ينفع هذا البلد والطالب المغربي محتار بين الفكرة و طريقة الحديث عنها بالفرنسية..

مشاركة