الرئيسية مجتمع السعادة و راحة البال رغم كل شيء…من المغرب المنسي

السعادة و راحة البال رغم كل شيء…من المغرب المنسي

كتبه كتب في 8 أكتوبر 2014 - 17:36

هم مغاربة لا يدخلون في حسابات الميزانية العامة ولا في روبورطاجات التنمية البشرية التي تهلل وتطبل وتزمر لها تلفزتنا الموقرة جدا !! لم أكن أعلم بـأن هنالك جانب من العالم يعيش على هذه الشاكلة ، لم أكن أعلم ، أن هنالك زاوية في هذه الأرض يعيش عليها أناس لا يختلفون عنا كثيرا، لكن حياتهم و نمطهم، مختلف عنا أتم الاختلاف، بل إن همومهم لا تمت لهمومنا بصلة و انشغالاتنا في شيء.

إنه المغرب المنسي، المغرب القابع وراء الجبال و بين الغابات، و دون طرق و لا سبل سهلة الولوج، هنا حيث المرأة هي العماد و هي الوتد و هي كل شيء و في نفس الوقت تكاد تكون لاشيء.

هنا حيث لا متنفس سوى سوق أسبوعي، يعتبر الذهاب إليه بمثابة حضور أحد عروض “ديزني”، لأطفال أحلامهم بسيطة جدا، و قلوبهم نقية و صافية لم تختلط بعد بخبث أبناء المدينة، رغم أنه قد تسرب لهم ما تسرب.

هنا حيث قطرة الماء تعتبر ثروة، و طريق معبدة تعد ثورة، و هاتف ذكي يعتبر صرخة من صرخات الحداثة المبهرة.
هنا حيث الطبيعة هي مصدر الدفئ ومصدر الرزق و مصدر الأمان، و إذ لا مطر لا أمان لا ماء إلا لسويعات معدودة، فإما تأخذ كفايتك أو تكون مستعدا لسلك سبل وعرة من أجل شربة ماء.

هنا حيث لا مطمع في وظيفة و لا ضرائب تدفع و لا حلم لفتاة سوى عريس قادم من “المدينة” ينقلها إلى الحضارة و يخلصها من هم الحطب و السقي و الزرع و الحصد و الجني.

كان القدر أقوى من كل تخوفاتي، فحملني إلى هنا، حيث لا حدود للحلم و لا حدود للخيال، لا حدود للأفق، أعيش ما تعيشه الساكنة هنا ، انقطاع عن “الحضارة” لمدة ليست بالهينة، لا شيء يربطنا بها سوى شبه عطلة أسبوعية، نكون من المحظوظين إن سلكنا للطريق الرئيسي في إحدى وسائل النقل، دون أن نضطر لاستقلال قدمين عاجزتين و مستسلمتين تحت قطرات المطر أحيانا و أمام مسالك مغطاة بوحل يكاد يستدرجك إليه في كل لحظة.

لا أخبار تتداول هنا إلا عن أمطار قادمة أو فترة جفاف مهددة لما زرعه الفلاحون، و إن حالفنا الحظ يوما لمشاركتهم مشاهدة التلفاز فلن نكون إلا من ضحايا أحد المسلسلات التركية البليدة الممزوجة بترجمة أكثر بلادة، تضطر أن نتجرع مرارتها في صمت، بل و تتشارك أحيانا قهقهات مصطنعة و في سرد ممل لأحداث تمتص بعضا من سخط و ملل و روتين مميت لهؤولاء الناس الذين لا يجدون مفرا من واقع مستنزف، خاصة للمرأة التي لا ينتهي عملها و كدها إلا بعد لجوءها للمخدة.

هكذا يعيشون و على شاكلتهم أصبحت أعيش، لا تغيير على مدى شهور، لا تدخلات من الدولة المدنية و “المتحضرة” التي تصر أن تمضي قدما، بينما تترك وراءها هذا الكم من المنسيين ومن المحرومين من حقهم في تعليم ذي جودة و من قسم بباب سليم و من خدمات طبية قريبة و من فضاءات للترفيه.

هم يعيشون هنا كما عاش آباءهم الأولون و كما سيعيش ربما أبناءهم القادمون، و لسان حالهم يدعو بدوام المطر لتدوم النعمة التي تفتح البيوت و تطعم النفوس.

سناء بنعتو

مشاركة