الرئيسية اراء ومواقف هل ستنطق الأغلبية الصامتة ؟

هل ستنطق الأغلبية الصامتة ؟

كتبه كتب في 20 نوفمبر 2011 - 10:54
يعيش المغاربة هذه الأيام لحظات انتشاء حقيقية. لم لا فأبواب شققهم يدقها رجال ونساء ألفوا أن يروهم في أجهزة التلفاز أثناء الاجتماعات الحكومية أو تحت قبة البرلمان يناقشون القوانين أو  يتهامسون بل بعضا منهم غارقون في سبات عميق. آخرون رأوهم منذ آخر استحقاقات، أو يلمحونهم من بعيد وهم يتبخترون في مشيتهم أو يقودون سياراتهم الفارهة.
كثير منهم يتذكرون الوعود التي انهالت عليهم من مرشحين سابقين دون أن يلمحوهم  بعد إعلان النتائج, بل منهم من طرد بعدها مباشرة أحد مساعديه في الحملة الانتخابية بعد أن طالبه بالوفاء بوعده مادام قد تلقى  ثمن  التجوال اليومي في بيوت دائرته.
لكن إجراء الانتخابات في موعد سابق لآوانه عجل بالصلح من جديد بين كل أولئك, لذلك يشفق كثير من المغاربة على تواضع مرشحيهم وطرق أبوابهم واستعطافهم لهم عساهم ينسون ما فعلوه بهم يوما فيعاودون الكرة لينتخبوهم مرة أخرى, وإن كان المرء لا يجب  يلدغ مرتين كما يقال حتى ولو رمي عليه “العار” وذبحت كل خرفان الدنيا أمام بيته.
كل ذلك وغيره جعل موسم الانتخابات الحالي وانطلاق الحملة الانتخابية باردا برودة الموسم الذي تجري فيه، والأمل أن تستعيد الدفء المفقود بين المواطن والسياسة لتتحرك المياه الراكدة في بحيرة حياتنا السياسية بعد ما حدث في منطقتنا وامتدت نسائمه على بلادنا باختيار حكامه الإنحاء أمامها، والله وحده يعلم سرائر من يتحكمون في مصير العباد والبلاد بموطن الأمازيغ الأحرار فقد  يحنون العودة إلى سابق عهدهم بعد أن تنتهي العاصفة في غياب ضمانات عدم تكرار ما جرى.
 مع تقدم الأيام بدأت الحملة تشتد بين المتنافسين في معظم الدوائر, لكن الثابت أن معظم نتائجها حسم مسبقا فيها  بتقطيع على المقاس بعد أن فعل مهندسو التقطيع فعلتهم تاركين قليلا من الدوائر ليتبارى حولها متنافسون معظمهم سيفوزون بمقاعد مريحة بعد أن يحصلوا ولو على أصوات قليلة.
 لا يهم في هذه اللحظة كل تلك البرامج التي  ملأت الأزقة والشوارع أو صمت عناوينها الآذان في الراديو  والتلفزيون, ففي المغرب وحده أفرغ نمط الاقتراع باللائحة من كنهه وفلسفته فغدا بقدرة قادر اقتراعا أحادي اسمي,  وكأنما يتبارى فيه الأعيان في البوادي والمدن,  لذلك كانت المعركة حامية الوطيس لتصدر اللوائح والبقية هم مجرد أرانب سباق ملأت بهم اللوائح شكليا فقط.
 كل أولئك لا يراهنون على ما أعده حزبهم من برنامج انتخابي لكنهم يشمرون سواعدهم بكل  ماأوتوا من جاه ومال ومن علاقات عائلية وقرابة وزبونية، ويحشدون من السماسرة ما يمكنهم من استمالة الناخبين, وإن لم  يعولوا هذه المرة على رجال السلطة والإدارة الترابية على الأقل في الظاهر.
معظم المغاربة يتفرجون, وقلة منهم من يكشف عن نواياه الإنتخابية, وتلك مصيبة أخرى لا تستطيع كبريات مؤسسات استطلاعات الرأي كشفها ولو مع هامش كبير للخطأ في نتائج تلك الإستطلاعات, فالمغاربة عادة هم انتظاريون يصعب معرفة سلوكهم السياسي فمهما اعتنقوا من  مبادئ وأفكار ومرجعيات فلا أثر لها على هذا السلوك كما علمنا علماء السياسة.
أكيد أن نسبة مهمة انخرطت في الحملة خدمة لقريب أو حقيقة خدمة لمبادئ يؤمن  بها, لكن آخرون قرروا عدم الإنخراط في كل هذا, والأكيد أن الأغلبية  تظل صامتة, وصمتها  يزيد الإستحقاق تعقيدا, فعزوفها سيسهل نجاح الفاسدين, ومشاركتها قد توقف الطريق أمامهم وتعبد الطريق لنخبة جديدة أكيد أنها دخلت غمار الإنتخابات لخدمة المواطن وبروح جديدة.
لكن مالسبيل لإقناع هذه الأغلبية الصامتة ليس لأنها لا يعجبها العجب العجاب, ولكن لأن ما أفسد في عقود لا يمكن اصلاحه بين عشية وضحاها  والكل يتذكر الآن أن عشر سنوات ونيف مرت على تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة والكثير من الملفات لا تزال عالقة إلى اليوم.
كثير من المغاربة متوجسون من السياسة ومنصرفون للبحث عن  لقمة العيش تاركين  مجال السياسة لمن يسمونهم عادة “الشلاهبية”, فبعض منهم نهب المال العام وودع الفقر بمص  دماء من يستجدي اليوم أصواتهم, وآخرون يبحثون عن مواقع في صالونات النخبة والحفاظ على امتيازات يتيحها القرب من مركز القرار, وتبقى البحث عن سبل ضمان العيش الرغيد وكرامة المواطن هدفا لا تفكر فيه سوى القلة القلية.
هل صمت الأغلبية في هذه الحالة  يجدي نفعا. قد يكون الجواب بلا, لكن لا أحد يمكن أن يعيد الود والثقة للمواطن سوى بتغيير حقيقي نأمله جميعا ونرجوه  لتفادي إراقة الدماء…. لكن قد يكون الجواب  بنعم حينها للمواطن الحق في التعبير عن لامبالاته ويبقى  صامتا في انتظار تغيير حقيقي.
الرهان الآن على يوم الجمعة المقبل برمزيته الدينية وطبق الكسكس المفضل لدى كل الأسر. لكن الأغلبية الصامتة قد تصوم عن الطعام وترفض مشاركة “الطعام” و”الملحة” مع كثير من الفاسدين الذين  نسوا أن اللحظة لحظة تغيير وثورات  كما نسوا المعتقلات السرية والعلنية في سنوات الرصاص وكل  أرواح الشهداء الذين دفعوا حياتهم ثمنا لينعم أبناء الشعب بالنزر القليل من الحرية والكرامة.. لهذا ستكون للأغلبية التي اكتوت بالنار والرصاص طيلة عقود كلمتها, وصمتها أو نطقها سيعيننا على فهم الكثير … وإن الغد لناظره لقريب….
مشاركة
تعليقات الزوار ( 1120 )
  1. مقتطف من رواية أجنحة قرمزية

    وإذا كان هناك من يحب تأكيد وعيه بالفوضى؛ فهي أنا التي تمكنتُ من التغلب معنوياً على كل عقبة قد تقف في طريقي، لأنني ورثت عن جدودي كك مزايا الإناث الفوضويات، ورثت عنهم التهور، وسداد الرأي، والتحدي، والثورة والإذعان معاً؛ وأكاد أنفجر دماءً في حالة غضبي. هذا الخليط العجيب من المتناقضات الصارخة هو الذي أخذ يرسم لي “بورتريه” بإتقان ودقة، وليس صورتي الشكلية المنعكسة على المرآة. ذلك هو ما يميزني. وهكذا تضببت في عيني صورة أستاذ الفلسفة الأنيق، حتى اضمحلت، ولم يبق منها في الذاكرة، إلا شيء قليل…
    باختصار، ضاع مني جزء هام من قسوتي، وصرامتي، وأيضاً من شفقتي. أخذت أقارن بين التجربتين: امتحان مدرسى سقيم أُعطي له من الجهد فوق الطاقة، وتجربة كنت أتخبط بين نارها المحرقة اللامتناهية: شعور، وإحساسات أخرى كانت تنتابني عن حبيب مفترض. قلت:” لابد أن أنسى، وأن أبدأ حياة جديدة ، أن ألغي أوهام المرآة، وتهاويلها”!
    ومن ثم، قررتُ أن أجترح لنفسي أسلوباً آخر غير أسلوب الخنوع، والذل، والاسترضاء، خوفاً من عقاب الازدجار الذي أتوقعه من قساة لا يرحمون بشراً قد تضطره الظروف للوقوع في شباكهم.
    أقنعتُ نفسي أنني أصبحتُ بدوري في الأوج، أنثى مغمورة تتمكن من الإعلان عن نفسها، كأنما كسرتْ أغلالاً تاريخية لصيقة. آن الأون لكي أخرج من قوقعتي! لا يد لي من المرور عبر الحشود. شئ ما، يحدث هنا، أوهناك، غير بعيد عن الحي.
    لكنْ؛ هل أنا كذلك حقاً؟ هل تخلصت من كل مخاوفي؟ ومن حسن حظي أو سوئه، أن كبارنا في “المدينة” منشغلون بجزئيات، واغتنام فرص قد لا تعوض، ولكنها في نظري، غير جديرة بالاهتمام. أنا في شغل بما يمليه عليّ القلب، متيقنة ٌ أنني لن أدرك كل الطموحات المتضاربة. الناس حولي تحسب عيونهم خطواتي، وحركاتي، وسكناتي، فيما يخيل إلىّ أن بعضهم يعاني من بلاهة مركبة. صارت “البوابة الكبيرة” في “المدينة” متسعا لأحلام كثيرة، في وسط كريه للغاية، تلتهم الشمس فيه والرطوبة بنهم، أجساداً هائلة، وعضلات مفتولة، غارقة في ظلال الانتظار. صفقت قلوب، وتعالت هتافات حناجر، ونصبت منصات في كل مكان. كانت الأصوات تتقاطع مع استغاثة المجاذيب؛ حياة ميؤوس منها تماماً، لولا رجال أشداء… لم أكن لأغمض عيني عن تمزقات تاريخية مباشرة؛ فالهمّ، والعناء، يتقاسمهما الناس في كل مكان.
    تروي بايا عن مشاهداتها عياناً وعن ما أجمعت عليه نساء الحي:” “الرجال الأشداء” يتوارون عن الأنظار تجنباً للعين الثالثة، لا أقل ولا أكثر”. هناك، في الضفة الأخرى منصات هتافية يسترسل دبيبها في أوصال المهمشين؛ والسواد الأعظم: يصفقون بدون تحفظ، ينددون، يقتاتون من دمائهم في حماس لا مثيل له، يجوعون ليتكرموا على غيرهم مما ادخروه من نبل العواطف والشهامة، ينصتون إلى الزعيم كل سنة بخطبة رنانة كتبت له، ظلام فوق ظلام، زعيم لا يريد أن يرحل إلاعند الموت.
    كان أصحاب العضلات في الظل يتداولون في بعض مأثورات من حديث رؤساء المعامل الأجاتب، بعد إضراب أفشلته الاتصالات النقابية التي “باعت الطرح، بالجملة، والتقسيط”. قال لهم أحد الباطرونات” باستهزاء صارخ: – نحن الذين نتمتع بالحرية، لا أنتم، ما دمنا نتحكم في خبزكم اليومي. ثم يلي ذلك ضحكته الماكرة: – الزعماء فوق، وأبناء السافلات تحت، فنحن ففوقهم جميعاً! وتشرق الشمس، وتغرب في ملك الله، وهكذا دواليك…
    ذات صباح، استفقنا أنا ودادا بايا على صوت المذيع يحث الناس على الذهاب إلى مكاتب الاقتراع. لن أحترم قانون المرور، نظراً للطبيعة التي ورثتها عن أجدادي، بحيث أتمكن من التغلب على كل تلك الحثالات التي تظن أن الناس أصفار على اليسار. يصبح الناس هناك، ويمسون على مشهد متقهقـر: حملات انتخابية يتشقشق أصحابها بكلمات مبتذلة، يهاجم بعضهم بعضاً. في حين ظل المذيع بدوره يهاجم أعداء الوطن على امتداد الجهات الأربع، يخوض في حديث مبتذل، وممل، بينما تتسلسل حاجات الحشود، والمذيع الغبي غائب عنها كلياً، يعيش في كوكب آخر، خارج التاريخ ، يثرثر في إحدى العمارات الحكومية بإنشاء تلميذ من نجباء خامس ابتدائي. تساءلتُ غير ما مرة: “من هم أعداء الوطن” ؟
    كانت زبيدة تسألني في المنتزه العمومي:
    – أنت من الأغلبية الصامتة؟
    – أنا لست صامتة. وعقبتُ على الفور:
    – لم أتحول إلى صفر على اليسار، لأنني لم أنتخب بشراً لا يدرك معنى المسؤولية وعواقب التزوير.
    هتفتْ في اغتباط حيوي:
    – ما في هذا البلد أمثالنا: استرحنا واستراح المزورون!
    ثم قبلتني بحماس.وكنت فيما قبل، أستبعد أن أكون صديقة لأحد…
    …وينبعث صوت المذيع مجدداً من الترانزيستور الياباني يقطع حديثنا، يتأتى في كلام نحويّ، سليم الإعراب، يحث على المشاركة. هززتُ كتفيّ استخفافاً بينما علقت زبيدة:
    – شاهد زور غير مصنف! هل تفهم بايا مثل هذا الموقف؟ أظن، لا أظن. هل تفهم أن البداية تنبئ بالإفلاس؟ أدري، لا أدري.
    اندثرت تلك الأيام بدورها شيئاً فشيئاً…
    دون أن أبحث عن العزاء، انبثق حلم طفولي تدريجياً في سذاجته، امتد عبر أوهام الأجنحة المقصوصة، ليمتزج بالفناء، ويتقاطع مع استغاثة مجذوب الحي: ” العطفة يامولاي إدريس” ! تخيلتُ أن المراحل التي قطعتها أرجعتني مرة أخرى إلى بداية الطريق، وأن عليّ أن أقطع بقية المراحل بشجاعة؛ وإن اقتضى الأمر، فسأسيح في الأرض مثل بويهمية من الغجر التائه. قلت:” فلأبدإ الرحلة”!

    22-11-2011 | 7 vues

Comments are closed.