الرئيسية مجتمع ريبورتاجات: النصب العاطفي عبر الانترنيت..محتالون يتربصون بالضحايا باسم الحب !

ريبورتاجات: النصب العاطفي عبر الانترنيت..محتالون يتربصون بالضحايا باسم الحب !

كتبه كتب في 19 سبتمبر 2014 - 10:18

بعيدا عن أعين الرقابة للطرف الآخر في العلاقات العاطفية التي تربط الشباب، وخلف شاشات الحواسيب والهواتف الذكية ينشط محتالون عاطفيون في غرف الدردشة والمواقع الإلكترونية المتخصصة في تبادل الرسائل القصيرة التي تجني الملايين بفضل العدد الكبير من الزوار، ومع تحرير وسائل الاتصال الحديثة وجعلها في متناول الجميع بتكلفة في المتناول، إلا أن المغاربة لم يتجاوزوا بعد الارتجاجات التي أحدثتها الشبكة العنكبوتية التي وصلت إلى جميع البلدات والمداشر، لتغير معها مبادئ مهمة كانت إلى أمس قريب تتعرض لزعزعة الصحون المقعرة من خلال الفضائيات فقط. فكيف يتعامل الشباب المغاربة مع الأنترنت، وخصوصا في المسائل العاطفية وربط العلاقات مع الجنس الآخر؟ وأية مصداقية للمعلومات الشخصية المدلى بها لمن يفترض أن يكون شريكا مستقبليا في الحياة؟ في هذا التحقيق سنجيب عن هذه الأسئلة  وغيرها من خلال قصص لشابات عانين الأمرين مع النصب العاطفي، والذي وصل بإحداهن إلى نهاية دراماتيكية بكل المقاييس، وأيضا لدق ناقوس الخطر إلى ما ينتظر الشبان والشابات الذين يبحرون في أمواج الأنترنت المتلاطمة، لنتابع…

 جميلة والعاشق «المتدين»

جميلة فتاة شمالية تبلغ من العمر أربعا وعشرين سنة، كانت بداية واقعتها من إحدى المجموعات في موقع للتواصل الاجتماعي، كان يومها موضوع النقاش حول الطبخ وأنواعه، وفي مداخلة كان أحد الأشخاص يرمي من ورائها الإيقاع بإحدى فرائسه، قال إنه يجيد الطبخ الإيطالي، لتتدخل جميلة وتدخل في الشبكة دون أن تعلم وطلبت منه تعليمها أصول طهي بلاد كانت المنطلق لأكلة «البيتزا» المشهورة.. بدأت الأمور بشكل عادي إذ بعد الإضافة، انطلقت الدردشة حول موضوع إحدى المأكولات وطريقة تحضريها، وفي النهاية طلب منها أن تمنحه رقم هاتفها المحمول، لتنفذ طلبه دون أن يكون في بالها شيء آخر غير التعرف على أصدقاء جدد لا غير. في الغد سيتصل بها دون أن يظهر رقمه، مدعيا أنه في إحدى الدول الأوربية وطالت المكالمة أكثر من اللازم، كان يتكلم معها في مواضيع عديدة بدون كلل ولساعات طويلة، الهاتف ليس وحده هو الذي يجمعهما، بل حتى غرفة الدردشة، وحسابه الخاص الذي كان مليئا كله بمنشورات دينية كالأحاديث والفيديوهات وغيرها، وكان في بعض المرات يودعها لقراءة القرآن الكريم، أو للنوم، بداعي أنه سينهض باكرا ليصلي صلاة الفجر، كل هذه الأمور جعلتها تثق فيه لكونها من النوع الذي لا يثق بسرعة، نظرا للتجارب القليلة التي مرت منها في الواقع.
قبل أن يمر إلى المرحلة الحاسمة بالنسبة إليه، سيقوم بإرسال كلمات عبر الرسائل القصيرة، كلها تغزل بسيط في محاولة منه لجس نبض ضحيته ويراقب ردة فعلها، وبعدها سيقرر إتمام ما بدأه، أو ينسحب إلى فريسة أخرى.
كان كل شيء يسير في اتجاه أن يسقطها في براثن ألاعيبه بمشاعر الفتيات، إلا أنه تسرع بعض الشيء عندما صارحها بحبه بعد ثلاثة أيام فقط من تعارفهما، فأجأها وهو يعلنها بدون تردد: «جميلة، أنا تانبغيك». كان يعتقد أنه بإعلانه حبه المزيف وبكلمات باردة بنقره على أزرار مفاتيح حاسوبه سيكون كافيا لدغدغة مشاعرها الأنثوية الرهيفة، هنا ستشك في نواياه، إذ رغم المكالمات والدردشة المطولة إلا أن المدة القصيرة التي أمضياها على خيوط الشبكة والهاتف جعلتها تشك في مصداقية كلامه، لأنه لم يسبق أن رآها، سيتدارك تسرعه بقوله إنه لا يهمه كيف هي وإنما المهم بالنسبة إليه أنه ارتاح لها ولقلبها الأبيض. سايرته في مزاعمه دون أن تصارحه بوجود مشاعر تجاهه من عدم وجودها، بعد أيام قليلة سيفاجئها مرة أخرى عندما أعلنها في وجهها حين قال لها إنه سيأتي في شهر أكتوبر  ليخطبها رسميا من أسرتها، لما وجده فيها من تربية حسنة وأخلاق حميدة.
بعد أيام سيغيب دون سابق إنذار وسيوقف كل أشكال التواصل معها. إلى أن مر شهر كامل ليظهر ثانية ويلومها لأنه كان مريضا ولم تسأل عنه، في الحقيقة كان يريد التخلص منها بأية طريقة، وفي تلك اللحظة ستُنشئ حسابا آخر وأرسلت إليه طلبا وقبلها على الفور، بعد ثلاثة أيام سيصارحها بحبه وأنه ارتاح لها دون غيرها وأنه لم يحب من قبل أي بنت وأعاد على مسامعها نفس الأسطوانة وعندما انتهى من ترديدها، أخبرته أنها جميلة التي كان سيأتي من أوربا ليخطبها، بعدها بأيام قليلة قامت بمسحه من حسابها وحياتها لتطوي صفحة من صفحات نصب عاطفي عاشته في الخيال لمدة ثلاثة أشهر.

سهام مغروسة في القلب
سهام فتاة من القنيطرة لا تشبه جميلة في شخصيتها ومعاملتها مع المشاعر، لأنها تتعامل بحسن نية وتثق بكل ما يقوله الآخر، وهو الأمر الذي جر عليها مشاكل ما زالت تتخبط فيها إلى اليوم.
أول صدمة في حياتها كانت هي تزويجها رغما عنها لشخص لم يسبق لها أن تعرفت عليه أو جالسته من قبل، ضاعت أحلامها التي جعلت من الدراسة وسيلة لتحقيقها في المستقبل، لتصبح ربة بيت لأول خطيب دق باب أسرتها الفقيرة، عاشت الجحيم رفقته وكانت في كل مرة تعود إلى دار والديها ليأتي بعدها ليعيدها وهو يعدها بأنه سيتغير إلى الأفضل، لتمر أيام قليلة ويعود إلى حالته الأولى، ومع ذلك صبرت إلى أن أنجبت بنتها الوحيدة قبل عامين. كثرت المشاكل ولم تستطع الصبر أكثر وذهبت إلى منزل أسرتها رفقة ابنتها، ولتزجية الوقت ونسيان معاناتها مع الزوج والأسرة فتحت حسابا في الأنترنت، بعدها مباشرة أرسل إليها سمير طلبا وقبلته على الفور، كان كل شيء في البداية عاديا، مجرد تبادل للتحايا ونقاشات عادية، بعدها سيتطور الأمر ويتحول إلى مستمع جيد لمشاكلها التي كانت تحكيها له، لم تفكر أبدا في الطلاق إلى أن بدأ يوسوس لها بمشاعره الكاذبة، ليطلب منها أن ترسل إليه صورة لها وهو الطلب الذي نفذته ليخبرها مباشرة أنه يحبها: «سهام، أنا تانبغيك».
قرأت كلماته وصدقته على الفور وبدون أدنى شك في مشاعره ومدى صدقها، كيف ستفعل ذلك وتدينه الظاهر على منشوراته والذي لم يتردد كل حين من قوله قبل إقفال الخط، لم يترك لها أي مجال لطرح تساؤلات حول الموضوع. لم تستفق بعد من كلماته النافذة إلى قلبها الهش، ليخبرها بعدها أنه سيأتي من إيطاليا خصيصا ليخطبها في شهر أكتوبر المقبل، أخبرته مرة أخرى أنها لا تزال في ذمة رجل آخر رغم المشاكل التي عاشتها معه، بالإضافة إلى توفرها على ابنة صغيرة، أجابها أنه لا يهمه الأمر بتاتا وطلب منها أن تباشر مسطرة الطلاق من الغد، ولتسريعها طلب منها أن تنصب محاميا لقضيتها وسيرسل إليها بعد ذلك أتعابه كاملة. لم تصدق سهام ليلتها ما سمعته وبدأ بعض الشك يتسلل إلى نفسها، لأنه أعزب،
واستغربت كيف له أن يتزوج سيدة سبق لها أن تزوجت وعندها طفلة، إلا أنها سريعا ما تخلت عن شكوكها لتدخل في نعيم من الخيال وكيف أن الدنيا ستضحك لها أخيرا بعد سنوات من الدموع والمعاناة المستمرة، تخيلت نفسها في أوربا رفقة فارس أحلامها وتوديعها لحياتها البئيسة.
في الغد بدأت إجراءات الطلاق ووكلت المحامي لينوب عنها، وهو الأمر الذي باشره. ستمر أيام قليلة ليختفي الحبيب الافتراضي عن حياتها دون سابق إشعار وأوقف عنها كل وسائل التواصل معها. مر شهر كامل دون أن يظهر وكانت متخوفة من أن يقع له مكروه، في تلك اللحظة ستبحث عن أصدقائه في موقع التواصل الاجتماعي لتجد شخصا له نفس الاسم العائلي لسمير، أرسلت إليه رسالة تسأله عن حاله وصدمها عندما أخبرها أنه ابن عمه وأن له اسما آخر وأنه أب لأربعة أبناء، وأنه متزوج بعد أن طلق امرأته الأولى. شعرت حينها بدوار خفيف ولم تصدق ما قرأته للتو. انهارت جميع أحلامها في لحظة وبدأت تفكر في الكيفية التي ستسدد للمحامي أتعابه المالية بعد نجاحه في تسلم ورقة طلاقها من والد ابنتها. مباشرة ستربط الاتصال بالبنات اللواتي يوجدن في لائحة أصدقاء سمير، لتخبرهن بحقيقته، وكم كانت مندهشة وهي تسمع نفس الكلام الذي كان يقوله لها من أفواه بنات أخريات، ستتعرف أيضا على جميلة التي كادت أن تكون ضحية له لولا ذكاؤها، بعدها ستدعوه إلى المحكمة الإلهية لتتكفل بالانتقام منه، جزاء بما فعله بها وبجميع البنات اللواتي تعرف عليهن.
في يوم عيد الفطر الماضي زار طليقها ابنته ومنحها كسوة العيد، واقترح على سهام إمكانية العودة إلى بيت الزوجية، بعد أن يتبعا مسطرة الزواج من جديد، وهو الأمر الذي رأته مناسبا لجمع شمل أسرتها الصغيرة من جديد، رغم المشاكل التي تنتظرها من جديد.
في الأخير طرحت سهام تساؤلا مشروعا وهو، هل ابن عم سمير هو نفسه سمير؟ وهل هو مريض نفسيا يستمتع وهو يتلاعب بمشاعر الفتيات؟

النصب العاطفي بنيران صديقة
تعج مواقع التواصل الاجتماعي بصور فتيات جريئات في صورهن، صاحبات هذه الحسابات يصطدن المبتدئين والعديد من الأشخاص إلى غرف الدردشة التي تتطور إلى درجة ربط علاقات وهمية بتوابل جنسية مثيرة، بعد أن تسقط الضحية في الشباك يكون كل شيء بثمن، والمقابل يبدأ من التعبئات إلى تحويل الأموال.
أغلبية الحسابات يكون وراءها ذكور ينصبون على بني جنسهم من الوطن  وأيضا من الخليج، يستعينون بفيديوهات مثيرة مسجلة في حواسيبهم، إذ بعد اصطياد الضحايا واستلام الحوالات المالية المرسلة دائما إلى بنات مقابل نسبة مئوية من المبلغ، يبدأ العرض ليلا وتكون العواقب وخيمة إذا نجح النصاب في تصوير ضحيته التي سيبتزها في ما بعد، مهددا إياها بنشر ما قام بتسجيله على الأنترنت ليطَّلع عليه الجميع. العديد من الشبان يجنون أموالا طائلة بهذه الطرق، متناسين أن ما يقومون به ليس قانونيا وسيعرضهم لعقوبات زجرية في حالة تم القبض عليهم.

 

ومن النصب ما قتل

ليلى فتاة من طنجة كانت قبل سنوات تجهز نفسها لليلة عمرها رفقة شخص أحبته بصدق وكان نعم الحبيب الذي وفى بوعده. كانت الأمور تسير على ما يرام وهي تعد الأيام التي بدت أكثر طولا وعرسها يقترب، بعدها ستحدث مشاكل بسيطة مع خطيبها وهي مشاكل عادية تقع بين شخصين بدأ حياتهما العاطفية بشكل جدي، مثل الاتفاق على نوع المأكولات والقاعة المناسبة لإتمام حفل زفافهما وغيرها وهي النقاشات التي كانت تقلق راحتها كلما فتحتها معه، كان الأنترنت هو سبيلها الوحيد لنسيان مشاكلها العابرة وأيضا لتمضية الوقت في انتظار ليلتها الموعودة، في تلك الأثناء سيدخل على الخط شخص سيقلب حياتها رأسا على عقب، ويا ليتها لم تقبل صداقته أبدا.
كان نعم المستمع لمشاكلها التي كانت تحكيها له كأخ وكصديق، شاءت الصدف أن يلتقيا على شبكة الأنترنت. بالمقابل عرف كيف يلعب على وترها الحساس ونجح في جعلها تسقط في شباكه. كانت في كل مرة يأتي خطيبها لزيارتها في المنزل تستعجل في خاطرها رحيله، لتنفرد بالشخص الذي شغفها حبا في العالم الافتراضي، وهو الشيء الذي بدأ يبعدها عن حبها الواقعي.
أجلت موعد كتابة عقد الزواج إلى أن ألغته من مفكرتها بالمرة، في الجهة الأخرى صارت تخرج مع الشخص الآخر بعد أن تعرفت عليه في أحد المقاهي، بعد مدة من اللقاءات سينجح في استدراجها إلى بيته. وتحت ذريعة حبه القوي لها صارا كزوجين لا ينقصهما إلا عقد الزواج لتصبح رسميا زوجته و يصير لها زوجا. مرت شهور قليلة لتظهر المشاكل بينهما، وذات مساء أخبرته أنها ستنهي علاقتها معه إلى الأبد، طلب منها مهلة ليجيبها وكانت حينها تفكر في حبيبها الأول وكيفية إرجاع الدفء للعلاقة التي أنهتها وهو لا يعلم السبب أبدا، ترجاها مرارا وتكرارا أن تعود إليه لكن دون جدوى، كانت تمني نفسها أن يسامحها وأنه سيشفع لها حبه الكبير لها. قطع النصاب حبال تفكيرها وأرجعها إلى أرض الواقع وهو يرسل إليها الفيديوهات تباعا، لم تصدق نفسها وهي ترى بأم عينيها الممارسات اللاشرعية التي مارستها مع حبيبها المزعوم، كانت بين نارين، نار النصاب ونار والدها الذي سيذبحها بدون تردد إن شاهد تلك الفضائح المصورة لابنته.
كان عمرها آنذاك اثنا وعشرون سنة دفعها طيشها إلى السقوط في فضيحة أخلاقية لم تكن في الحسبان، منذ تلك السنة مرضت نفسيا وكتمت سرها على أسرتها، إلى أن أخبرت أختها ذات يوم بعد سنوات من الاستغلال الجنسي، إذ كان يطلبها متى شاء. حاولت أختها حسب تصريحها أن تقنعها بأن عليها أن تفضحه، إلا أنها رفضت بشدة، خوفا على سمعة العائلة فآثرت أن تحتفظ بفضيحتها بين أضلعها، كانت أيضا خائفة من متابعتها في قضية فساد، خصوصا وأنها تجاوزت سن الثامنة عشرة عندما وقعت الواقعة، وقد كانت قبل أسابيع تسقط مغمى عليها واشتد مرضها أكثر ليكتشف الأطباء أنها مصابة بداء السرطان، في الأيام الأخيرة كانت حالتها الصحية ميؤوس منها، وفي الأحد الماضي طلبت من أسرتها أن يذهبوا بها إلى غرفتها في المنزل لتموت فيها، كان ذلك طلبها الأخير لتسلم روحها بعد ساعات إلى باريها في مشهد أبكى أفراد أسرتها.
قبل أن تموت ليلى قررت أن لا تذهب بسرها إلى قبرها وأخبرت والدتها بالقصة كاملة، بعدها مباشرة لجأ والدها إلى القضاء ورفع دعوى قضائية ستبدأ فصول البت فيها بعد مغادرة المعزين، لعل النصاب يأخذ عقوبة تشفي غليل الأسرة وغليل ليلى وهي في قبرها.

فلاش بريس

مشاركة