الرئيسية اراء ومواقف عمران سوس … والإسمنت الهدَّام

عمران سوس … والإسمنت الهدَّام

كتبه كتب في 26 يوليو 2014 - 03:10

مَن ينتقل بين دواوير ومداشر جبال جزولة اليوم، لا شك أنه سيلاحظ مدى اجتياح الاسمنت لها، وتوغله في الجبال. لم تعد تلك المنازل التقليدية تزين مرفولوجية هذه المناطق الجبلية الخلابة، تلك الديار والمخازن والقصبات والأبراج التي بناها السابقون بالطين والحجر بهندسة حكيمة تتناغم مع مناخ و بيئة هذه الفضاءات الطبيعية بالأولوية. لم يعد أحد اليوم يفكر في بناء منزله في بوادي سوس بالطريقة التقليدية التي وجدنا عليها بيوتنا بل وحتى مدننا العتيقة… لم يعد أحد؛ يختار البناء بالمواد الأولية التي ينتجها محيطه، من الطين والجبس والأحجار والقصب والأخشاب  بمختلف أنواعها. الجميع يتسابق نحو الياجور والإسمنت والحديد لبناء المنازل في عمق البادية على قمم الجبال والهضاب والتلال.. في تناقض صريح مع هوية وحضارة وثقافة المجتمعات القروية.
سبق لي مناقشة هذا المشكل مع الناس في مختلف مناطق سوس. لماذا تلتجئون إلى هذه الصناديق الاسمنيتة الدخيلة على المنظومة المعمارية المحلية بالرغم من وجود الأصيل؟ لا جواب مقنع، إلا ترديد عبارات نمطية توحي على مواكبة العصر والتحديث والتقدم، بل أكثر من ذلك هنالك من ينظر إلى البناء بالنمط التقليدي بسخرية كبيرة.. للأسف الشديد.
وفي المقابل، يقبل العديد من الراغبين في إنشاء المشاريع السياحية في القرى على الحرس لبناء المنازل وتأثيثها بكل ما هو تقليدي محلي صرف، وهنا يكمن عمق المشكلة. مشكلة نفسية خطيرة تولدت عند الامازيغ بشكل عام نتيجة اصطدامهم مع الآخر، وهي احتقار الذات وتسفيهها. لكن من هو الخاسر في هذا الانزياح نحو التحديث المعطوب ؟
إن أكبر الخاسرين هم الذين يبنون ويسكنون داخل بيوت الاسمنت في البادية، لأنها بيوت لم تفرزها لا طبيعة المناخ وتقلباته ولا حتى ثقافة المجتمع القروي. كلنا نعلم مدى فائدة وقيمة تلك البيوت المبنية بالطين والمغطاة بالخشب والقصب في أوقات الصيف حين تشتد الحرارة، الجميع يهاجر الاسمنت ليلا ونهارا، ويلتجأ إلى برودة “تكمي تاقديمت”. ومن لم يحافظ على البيوت العتيقة فإنه يلتجأ إلى ظلال الأشجار خارج البيت..نفس الشيئ في أوقات البرد فالمنازل القديمة تحتفظ بقدر كبير من الدفئ في الداخل عكس البيوت الإسمنتية.
هكذا، فإننا نروم من خلال هذه الإشارة البسيطة إلى تنبيه الناس في كل بوادي سوس وغيرها، إلى التخلي عن الاسمنت في البناء أو التقليل منه، والعودة إلى إعادة الروح للنمط الأصيل التقليدي في البناء وتطويره والإبداع فيه…لإن البنيان هو رمز من رموز الحضارة والثقافة، هو شكل من أشكال التعبير، هو خصوصية لا يجب التفريط فيها. وهذا الأمر ليس له علاقة بالموقع الاجتماعي- الطبقي- للإفراد والأسر…وليس البناء بالطريقة التقليدية خاصا بالفقراء. وإنما بدرجة الوعي بضرورة الاحتفاظ بالطابع الخصوصي للقرى وانسجامها مع محيطها الايكولوجي والطبيعي والثقافي.
الأسطورة “محمد خير الدين” في مقدمة روايته “أكنشيش” لفت الانتباه إلى هذه التحولات السريعة التي أضحت مناطق سوس تعيش في كنفها. التي تتجلى في غزو الأسلوب الحداثي لنمط عيش السكان في الملبس واللغة والبنيان وغيرها وتأسف عن ذلك النكوص الذي أصاب الثقافة المحلية…. هو انزياح فرضته سلطة العولمة والتمدن والحداثة،،، لكن لنا أمل في النهضة الثقافية والوجودية التي بدأت معالمها تضح أكثر وتتجدر في صفوف الشباب والمثقفين وداخل الأسر من اجل استرجاع أسس الحضارة والثقافة الامازيغية في كل أشكالهما. هو أمل منفتح على المستقبل بكل مستجداته واختراعاته لكن ليس على حساب كينونة ثقافية وهوية حضارية لم ولن يدافع عنها إلا أهلها.
“أزرو نتمازيرت أسا يبْنُّو يـَان تكْمينسْ “

مقال سبق نشره في جريدة “السوسية”

عبدالله بوشطارت

مشاركة
تعليقات الزوار ( 1120 )
  1. أمازيغ سوس تربوا على عقدة نقص ، ليس فقط في البناء ، بل كل أطراف ، لقد لاحظت في أكادير ترى فيه الوالدين يتكلمون فيم بينهم بالأمازيغية ومع أبنائهم بالعربية ، لا يوجد أبدا أب متعلم يتكلم مع أولاده بالأمازيغية لقد أضاع سواسة لغتهم بأيديهم ، الريفيون هم من بقوا متشبتين بلغتهم ، الباقي ضاع

Comments are closed.