الرئيسية مجتمع « الطراباندو » نشاط لايبور بالمدن الحدودية

« الطراباندو » نشاط لايبور بالمدن الحدودية

كتبه كتب في 10 مايو 2014 - 12:31

للتهريب بكافة أنواعه سواء الممنوع منه والمعيشي، حضور قوي لدى ساكنة عريضة بمدن الشرق.. إنه «الحرفة» التي لاتبور مادامت الحدود مغلقة، والحواجز ونقط التفتيش في تزايد ، سواء كان ذلك بالمعابر الحدودية مع مليلية المحتلة، أو بالنقط الحدودية مع الجزائر. فرغم المطاردات، والحواجز، والمصادرات، يصر أشخاص بل وعائلات وأمام الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة على المغامرة الدائمة، بالمسالك الخطرة للوصول إلى «السلع» الممنوعة منها أوالمعيشية قصد بيعها وترويجها بأسواق المنطقة وحتى المدن البعيدة.

ساعات الصباح الباكر بمدينة بركان عاصمة الليمون بالمغرب الشرقي، في أحد أيام شهر أبريل الماضي، حركة دؤوبة  لاتتوقف للمئات من العمال الزراعيين الذين بدؤوا يتقاطرون على المكان الذي يعرف بين الساكنة هنا بالموقف أو ساحة سيدي أحمد أبركان بمحاذاة شارع محمد الخامس. «الحرشة» و«المسمن» وكؤوس الشاي بالنعناع تحضر بعناية بالمقاهي الشعبية المطلة على الساحة التي تعتبر جزء من أماكن اليد العاملة الفلاحية، نادلوها قاموا ومنذ ساعة تقريبا بترتيب الطاولات والكراسي دون كلل وبعجل..  رائحة الشواء و«الصوصيص» تملأ المكان كذلك.. هنا كل الوجبات والأطعمة حتى الدسمة منها تصلح كزاد للعمال لبداية يوم شاق من العمل في الحقول، والضيعات الفلاحية.

خيوط النهار الأولى بدأت شيئا فشيئا في تمزيق ليل بركان القصير بهدوء، معلنة بذلك بداية يوم جديد. فبينما تغادر «البيكوبات» والشاحنات وهي محملة بالعمال  والعاملات الزراعيات نحو حقول البطاطس، و«الجلبانة»، والقوق».. وفاكهة الليمون ذي الجودة العالية، كان هدير محرك سيارة من نوع رونو 18، يسترجع أنفاسه، بعد ليلة سفر شاق في البراري والطرق الخطيرة الحدودية القادمة من الجزائر. في أحد الأزقة الضيقة من أحياء المدينة أطل «حسن» الشاب الذي لم يتجاوز عقده الرابع بنظراته الحادة، من نافذة السيارة، بحث بيده عن مقبض الباب بصعوبة لكن بحرفية. كانت براميل البنزين تحيط به من كل جانب، تجعل خروجه أمرا صعبا من داخل السيارة. تنفس الصعداء بعد محاولات متكررة، تطلع بانتشاء إلى « المقاتلة» وهو الاسم الذي تعرف به السيارات التي يقوم المهربون باستعمالها بالشرق لتهريب البنزين من المدن الحدودية الجزائرية. سيارة تحمل من الاسم فقط، فهي بلا أضواء خلفية حتى لايراها عناصر الدرك، ولا لوحة ترقيم.. إنها عبارة عن جسم حديدي يعلوه الصدأ من كل جانب أصحابها لايتوفرون على تأمين  أو    أوراق السيارة. قال «حسن » بنبرة هادئة لم تغير من حماسته « خويا هادي هي الحرفة ديالنا مالقينا ليها بديل .. فيها شويا  دالباركا أوصافي». فقوافل «المقاتلات» التي يتجاوز عددها 1500 بالمنطقة تتحرك ليلا، وهي الفترة المفضلة، للتنقل بحرية، وتصريف بضائع مهربة مكونة بالتحديد من البنزين. بعد لحظات، لحق به شقيقه الأصغر «عمر» الذي يبدو أنه كان في حالة انتظار بعد أن أخبره «حسن » وهو في الطريق بموعد دخوله عبر هاتفه النقال. توجه مباشرة إلى الصندوق الخلفي ثم إلى أماكن المقاعد التي انتزعت من مكانها لوضع الحمولة السائلة. أنزل « البيدوات» بسرعة وبحرفية شديدة، نفس الأمر قام به «حسن» حيث أفرغ المقعد الأمامي من بقية «البيدوات».  عينا حارس الدرب هي الوحيدة التي كانت تراقب المكان. أدخلوا الحمولة إلى «كراج» المنزل، فيما تكلف حسن بإخفاء السيارة في الجانب الخلفي لمنزل الأسرة بواسطة «باش » أسود.

في تلك اللحظات انتهت المهمة الليلية لحسن « ليصانص كان قليل هادي شهر، دابا راه موجود.. والثمن نقص على لكليان ». كان على شقيقه الأصغر أن يبدأ عمله مباشرة ودون أدنى تأخر، تفريغ «البيدوات» في البراميل السوداء من الحجم الكبير والمرتبة في جنبات «الكراج» بعناية. « لكليان ماشي المشكل دابا غادي ابداو ايجو ..». هكذا علق «عمر»، وهو يفرغ البنزين المهرب، وعينه على الفتحة الصغيرة للكراج. لم ينتظر طويلا، فبعد نصف ساعة توقفت سيارة من نوع «كاط كاط» أمام المنزل، كان زبونا دائما لعائلة «حسن»، فقد تعود على التزود اليومي وتعبئة خزان السيارة قبل أن ينطلق إلى عمله « راه ثقة واخا مايخلصش دابا راه غادي ارجع» يعلق عمر وهو يعيد «البيدو» الفارغ إلى داخل الكاراج. هنا في بركان وغيرها من المدن المجاورة لاحاجة لـ«سطاسيون»، ففي مدن الشرق عموما خاصة المتاخمة للحدود، تبدو محطات التزويد بالبنزين، كأنها جزء دخيل على الفضاءات العامة بها. فكأنها وجدت هنا لوظيفة غير تسويق البنزين . سيارات قليلة تتوقف بها من حين لآخر. أغلب الزبناء من سيارات الدولة الذين يطالبون بالفواتير، أو الممتنعون عن استعمال البنزين المهرب خوفا من إلحاق أضرار بمحركاتهم. بالنسبة لعائلة «حسن» المكونة من ثمانية أفراد، فبيع البنزين يعتبر مصدرا    رئيسيا للدخل، فأعمال الفلاحة في الحقول والضيعات لاتغريهم كثيرا، بجماعة العثامنة حيث يملكون قطعة أرض صغيرة، وصفها حسن بـ « غير الكافية، ومحصولها السنوي المتواضع يوزع على أفراد العائلة (كريحة البلاد) فقط»، أما البنزين فـ« باراكتوا ديما موجودة».

البنزين .. مادة لاتبور..

البنزين مادة لاتبور، هكذا تجمع شهادات، فبدونها قد يتوقف شريان الحياة بمدن الشرق، رغم المخاطر والصعوبات الكامنة في توفيره للزبون. قد تتراجع كمياته بين فترة وأخرى نتيجة الظروف السياسية والأوضاع الأمنية على الحدود، إلا أن الأمور سرعان ما تعود إلى سابق عهدها، وكذا عجلة الحركة الاقتصادية برمتها. احتراف التهريب المعيشي ليس بالأمر السهل يفيد «أحمد» بائع البنزين المهرب بالتقسيط لأن رحلات الموت يعرفها جيدا المحترفون لهذا النوع من التهريب .قصص وحوادث غريبة ومؤلمة في كثير من الأحيان عن مخاطر الظاهرة فقد يحدث أن تشتعل النار في السيارة بسهولة نتيجة الكميات المحملة من البنزين  بأزيد من 50 برميلا من سعة 30 لترا من البنزين الجزائري المهرب    السريع الاشتعال، وهي حوادث لاتثني المهربين عن المغامرة الدائمة، وبأي ثمن كان.

تجاوزات حرس الحدود الجزائري ومطاردات الدرك الملكي والجمارك ووعورة المسالك، بدورها تزيد الأمر خطورة، فتعدد حواجز المراقبة الطرقية تتمركز  بالقرب من قنطرة ملوية بأكليم، وعند مدخل مدينة أحفير بالطريق الرابطة بين وجدة والناظور مرورا عبر بني درار وأحفير قد لايثني إصرار المهربين عن مواصلة نشاطهم. أما أهم مسالك التهريب فهي سيدي حازم وواد إسلي بوجدة و لقنافدة والدوبة ببني درار و بوكانون وسيد مبارك بمدينة أحفير و واد كيس وبين لجراف بالسعيدية . قوافل «المقاتلات» تتحرك ليلا، وهي الفترة المفضلة، للتنقل بحرية، وتصريف بضائع مهربة مكونة بالتحديد من البنزين ، والسلع الغذائية، والأفظع هو تهريب المخدرات والأقراص المهلوسة.

العجيب في المدن الشرقية المحاذية للحدود المغربية الجزائرية أن الحصول على البنزين المهرب ومهما كانت الكمية يعتبر مهمة جد سهلة. فهناك الآلاف من الباعة من مختلف الأعمار ،أطفالا ورجالا، يمارسون هذه المهنة المقنعة في قارعة الطرق والأرصفة، بل وأحيانا في الشوارع وأمام بيوتهم، فالتهريب ورغم القيود والحملات وعمليات الاحتجاز يعتبر الشريان الحقيقي للآلاف من الأسر هنا كمصدر للعيش وفي ضمان دخل    قار.

في الطريق الرابطة بين مدينة بركان ووجدة مرورا بأحفير، وعبر بني درار بلدة السلع المهربة بامتياز، يقف المزودون تحت الأشجار، وهم يضعون أمامهم برميلا من سعة خمسين لترا، كعلامة دالة للسائقين الذين يعبرون بسياراتهم المنطقة. وجودهم هنا تحكمه أعراف محددة « لكل مكانه، ولايحق لأحد أن يوجد به دون موافقة الآخر» يعلق أحد البائعين، إنه « قانون غير مكتوب » يضيف شاب آخر وقد رسم ابتسامة ماكرة على محياه. حال توقف الزبون يهرع المزود بعد الاتفاق على الكمية إلى أقرب مكان حيث مخبأ تخزين البنزين، ليقوم بنقله وملء خزان السيارة. العملية التي تتكرر لعشرات المرات، تعرف إقبال جميع أنواع وسائل النقل، من سيارات الأجرة بكل أنواعها وكذا الخاصة ثم الشاحنات والحافلات. « البنزين المهرب مادة مطلوبة، حتى من خارج  المدن الشرقية.. فسعره الذي يقل بالثلث إلى النصف أحيانا. هو عامل مغر للسائقين، فـ«بيدو» من 30 لترا من البنزين لايتجاز سعره 250 درهما».

بني انصار .. بوابة التهريب المقنع

في مدن الشرق، ليس البنزين وحده المادة المهربة بامتياز. ففي الأسواق والمحلات التجارية الأكثر شهرة، سواء ببركان من سوق المسيرة، باكورة، بايو، أو بمدينة وجدة بسوق الفلاح ، ومليلية، أو ببني درار ..إلخ، تعرض جميع أنواع البضائع والمنتوجات «علانية » بدءا من المواد الغذائية إلى التجيهزات المنزلية ، والإسمنت، والأدوية .. بالبوابات الرئيسية بمعبر بني انصار الحدودي بمدينة الناظور المؤدي إلى مدينة مليلية المحتلة، وهو أحد المعابر « القانونية » لدخول مختلف السلع، كانت عناصر الأمن المرابضة بها، تتابع حركة الدخول والخروج عبر حواجز وبواسطة الكاميرات، فجلب السلع من الثغر المحتل، بات مع مرور السنوات الطويلة حقيقة قائمة. لكن خلف الحشود ومشهد جلب السلع، تتجرع مئات العائلات الممتهنة للتهريب المعيشي مرارة رحلات يومية بكل تفاصيلها المؤلمة، حيث تتوجه وفود في ساعات متقدمة من الليل نحو الحدود الجزائرية أو مدينة مليلية المحتلة. غير بعيد عن مقصورات المراقبة، كانت «مي عائشة» وهي من الـ« حمالة» من مدينة زايو الصغيرة النائمة في حضن الجبل والتي  تشكل مقدمة للدخول إلى مدينة الناظور على بعد 40 كلمترا. «عائشة» امرأة  في عقدها الخامس، بدأت علامات التعب تظهر على ملامحها، تراقب الوضع، وهي تبحث بين الجموع عن وجوه «زميلاتها »  في المهنة ، قالت بنبرة متعبة يائسة « كنجي بكري من زايو، نتسنا الدور باش ندخل لمليلية، كنجيب لي قدرت عليه ديال السلعة، إما كنعاود فيها للبيع للناس، أولا حساب الكوموند  ديال صحاب الحوانت »، فطيلة النهار يتم نقل سلع في حقائب كبيرة، أمام أعين عناصر شرطة الحدود، من كلا الجانبين توجه عادة إلى المحلات التجارية بعدد من المدن.  أما بخصوص الأرباح، فهي حسب عائشة « كل النهار اورزقوا ».. فمئات النساء ينهضن قبل صلاة الفجر للتوجه إلى معبر «بني انصار» أو «باريتشينو»  و«فرخانة»  من أجل الاصطفاف ببوابة المرور من أجل الاشتغال الشاق والمتعب حيث يتوزعن إلى مجموعتين فيما يشبه توزيع الأدوار ، واحدة تختار الخروج بسلع من أجل إعادة بيعها والاستفادة بربحها والأخرى فضلت بطلاتها اقتناص لقمة العيش الحاطة بالكرامة عن طريق الاشتغال لصالح المهربين الكبار بمقابل مادي زهيد مقارنة مع الأرباح التي يجنيها يوميا المهربون المذكورون . معاملة سيئة تصل إلى حدود السب والشتم والضرب في كثير من الأحيان من طرف المصالح الأمنية المغربية والإسبانية، حيث تعرض عدد كبير للاعتداءات ،خاصة النساء اللواتي استقبلن الضربات بدون أسباب ووجدن أنفسهن بأقسام المستعجلات من أجل تلقي العلاجات الضرورية.

حوادث متكررة، واعتداءات تضرب حق الإنسان وكرامته، حركت جمعيات مهتمة محليا وجهويا خاصة تلك المدافعة عن حقوق المرأة، حيث انتصبن للاحتجاج والتصعيد بالمعبر، للتنديد والاستنكار لكن دون أن يوقف ذلك نزيف الاعتداءات التي يضع مرتكبوها نصب الأعين نساء فقيرات حكم عليهن بامتهان التهريب المعيشي وقضاء الساعات الطويلة ما بين انتظار الدخول وجلب سلع تزيد حمولتها من معاناتهن . في تفاصيل رحلة العودة بسلع الثغر المحتل على مستوى الطريق وقبل الركوب في الحافلة المتوجهة صوب    مدن الجهة الشرقية وبعض المدن الداخلية من المملكة يقوم مساعد السائق حسب مصدر منهن بجمع مبلغ مالي بغية تجاوز الحواجز الأمنية بالطرقات والخاصة بالأمن والدرك والجمارك المنتشرة بكثرة.   فخلال فترة شهر فقط  توزعت المحجوزات حسب ولاية أمن وجدة ما بين  أربعة أطنان من البنزين المهرب. 20000 ولاعة.440 كلغ من الملابس المستعملة المهربة . 2605 علبة من السجائر المهربة .  1932 قنينة من الخمور المهربة و 216 علبة من مادة المعسل .138 كيلوغراما من مخدر الشيرا . 139 قرصا طبيا مخدرا.أزيد من 32غراما من المخدرات القوية »الكوكايين و الهيروين». 6 كيلوغرامات و 844 غراما من مخدر الكيف وطابا بالإضافة إلى149 سيجارة ممزوجة بالكيف .

«الطراباندو».. شأن عائلي

رغم الحملات، والمضايقات بالبوابة وكذا عمليات الحجز للسلع فإن «عائشة» لاتخفي حقيقة أن « الطراباندو» هو مصدر دخل عائلتها الرئيسية.  فابنها الأكبر بدوره لايتردد في المغامرة والتوجه بانتظام إلى الحدود الجزائرية من أجل جلب البنزين وإعادة بيعه لـ«موزعين» محددين بالمنطقة . الأم وصفت رحلات الابن بالشاقة والمتعبة والخطرة خاصة أن مطاردات حرس الحدود الجزائري وأساليبه قد تغيرت في الشهور الأخيرة، وصلت بشاعتها إلى حد اقتناص المغاربة واستعمال السلاح وإطلاق النار، ليأتي بعدها دور الدرك المغربي والجمارك والتي تجبر المهرب على اللجوء إلى الطرقات غير المعبدة للإفلات من  سلاسلهم ومضايقاتهم المستمرة . جحيم مستمر تقع من خلاله حوادث بسبب انفجار العجلات أو اشتعال النيران بالمقاتلات أو محاصرتها التي تنتهي بفرار السائق ومرافقه خوفا من اعتقالهما ،مفضلين ترك البضاعة أو إحراق السيارة الحاملة للوائح مزورة .يقول محمد ابن المرأة المذكورة بأنه يضع يده على قلبه كل صباح من كثرة الخوف وينطق بالشهادتين عند خروجه في الصباح الباكر نحو الحدود الجزائرية من أجل جلب براميل من البنزين الجزائري، يعمل على توزيعها على الباعة بالتقسيط وإفراغ ما تبقى ببراميل كبيرة ببهو منزل العائلة رغم تواجد أطفال صغار علمتهم الظروف كيف يحتاطون من الاقتراب من تلك البراميل أو إشعال النيران بالقرب منها ،بل يقومون بعملية البيع للزبناء في حالة عدم وجود الأب أو انشغال الأم التي يصل بها الحد في بعض الأحيان إلى إفراغ برميل من سعة 30 لترا بسيارة زبون ما واستخلاص مقابله المادي. وكان لارتفاع المحروقات المهربة اعتبر بالجهة الشرقية ،بغير المسبوق، خاصة مع الفقدان الكلي، للمحروق من نوع الكازوال، ونقص في البنزين المستعمل للدراجات النارية، في الوقت الذي ارتفع البنزين «ليسانس»  بأزيد من مائة بالمائة، الأمر الذي خلف حالة من الترقب والانتظار في صفوف باعة الجملة والتقسيط، ولدى «زبناء » من أصحاب السيارات، والشاحنات، والفلاحين الذي يلجؤون إلى استعماله بكثرة لمحركات سياراتهم و لسقي أراضيهم الفلاحية. العشرات من المقاتلات التي كان أصحابها يخترقون الحدود نحو الجزائر، ازدادت رحلاتهم المعتادة إلى الغرب الجزائري، خاصة في محاور التهريب المعروف، كالمحور الطرقي بين بركانوأحفير، والطريق الساحلي الجديد للناظور. « نعاين عبور أزيد من 60 مقاتلة في الليلة الواحدة، ومنذ أيام ازداد هذا العدد قليلا تقريبا..  » يقول أحد سكان مدينة بركان، في معرض تعليقه على عودة الدفء النسبي لتهريب البنزين، وتراجع سعره بنسب في السوق لدى الموزعين بالتقسيط.

اقتحامات.. وعصابات البطائق

في الآونة الأخيرة لم يسلم معبر بني انصار الحدودي من الاقتحامات المتكررة للمهاجرين الأفارقة. وضع يجلب معه استنفارا أمنيا واسع النطاق من الطرفين يؤثر سلبا على ممتهني التهريب المعيشي – حسب شهادات – عدد منهم والذين يعانون من الإجراءات المشددة والحاطة بالكرامة البشرية، حيث لايتردد عناصر الحرس المدني الإسباني في اللجوء إلى كافة أشكال تضييق الخناق عليهم ومعاملتهم بعنصرية. أساليب  تكون سببا في موجة من الاستياء والتذمر وكذا في انقطاعهم عن العمل وإغلاق موردهم الوحيد الذي يضاعف من محنتهم ومعاناتهم . « نزوح  الآلاف من الأفارقة والسوريين إلى الحدود بأعداد  غير مسبوقة  ضاعف من محنة المواطنين المغاربة الذين يعتمدون على سلع الثغر المحتل كمصدر رزق وحيد..» يعلق عبد القادر وهو من الفعاليات الجمعوية المهتمة بقضايا الهجرة بالشمال قبل أن يستطرد « اقتحاماتهم المتكررة حولت حياة العابرين بشكل (قانوني) إلى جحيم، إجراءات تتمثل في تشديد المراقبة وفي الاستنفارات الأمنية الضخمة علاوة على ممارسة ضغوطات يومية بالبوابات مطبوعة بالإهانة والتعسف» . «عموما فالإجراءات الأمنية المشددة تتسبب في قطع أرزاقنا وتدخل الجميع في دائرة البطالة في انتظار أن تهدأ العاصفة  سعيا    نحو اقتحام جديد يحمل في الطيات نفس المحنة » .  وجه آخر للإقبال المتزايد على التهريب المعيشي وهو شرط ضرورة التوفر على بطاقة تعريف وطنية مسجلة بإقليم الناظور، عامل شجع  عصابات وشبكات منظمة من التحرك والبحث عن «الزبناء» سواء بالمعبر أو بالمدن المجاورة،  حيث يلعب السماسرة دورا في اقتناص وترصد الراغبين في الولوج إلى الثغر المحتل بشكل « قانوني » وذلك من أجل اقتناص الراغبين في الدخول إلى مدينة مليلية بالحصول على بطاقة تعريف بإقليم الناظور مقابل مبالغ مالية قد تصل إلى 2000 درهم عن طريق استعمال شهادة سكنى تثبت إقامة المعني بالأمر بتراب الإقليم ، وحسب مصادر أمنية فإن أعداد كبيرة لا تقيم بالناظور تتوفر على بطاقات تعريف وطنية بها عناوين ناظورية ومنهم من يسكن بمدن شرقية وحتى بغرب المملكة. وقد سبق للمصالح الأمنية أن عملت على إيقاف أشخاص قاموا بالتزوير من أجل تسهيل عمليات المرور إلى مليلية المحتلة لعدد من الأشخاص من بينهم سوريون حلوا حديثا نتيجة أوضاع الحرب في بلدهم بالبلدة فتم إلقاء القبض عليهم بعد اكتشاف وثائقهم المزورة.

محمد عارف/ مصطفى محياوي

تصوير : عبد اللطيف القراشي

مشاركة