الرئيسية الصحة نقص الحاضنات الاصطناعية يرمي بالمواليد الخدج في أحضان الموت

نقص الحاضنات الاصطناعية يرمي بالمواليد الخدج في أحضان الموت

كتبه كتب في 28 فبراير 2014 - 11:05

نسبة وفيات الخدج في ارتفاع مستمر في المغرب، والسبب عدم توفر المستشفيات العمومية والمراكز الاستشفائية الجامعية على حاضنات اصطناعية كافية رغم تزويد وزير الصحة مؤخرا جهة الدارالبيضاء بسبع وعشرين حاضنة بمعداتها البيوطبية.. معاناة العائلات تزداد مع عدم توفرهم على الإمكانيات المادية واستفادة أبنائهم من حاضنات بالمصحات الخاصة والتي تكلف ما بين ثلاثة وأربعة آلاف درهم في اليوم الأول، الشيء الذي يساهم في ارتفاع نسبة وفيات الخدج في المغرب والتي تعد ثاني أسباب وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات.
كادت أن تطير من الفرح عندما علمت بحملها، وازدادت سعادتها عندما علمت فيما بعد أنها حامل بتوأمين ذكرين، وهذا كان يعني لها الكثير، خصوصا أن زوجها وأب طفليها توفي في حادثة سير مباشرة بعد أن اكتشفت أنها حامل في شهرها الثاني. لكن سعادتها لم تكتمل عندما علمت من الطبيب المشرف على حملها أن هناك إمكانية لولادة مبكرة بما أن رحمها بدأ يعاني من انقباضات ستعجل بالولادة.
وهذا ما تم بالفعل، فبعد ستة أشهر من حمل صعب نقلت ابتسام على وجه الاستعجال إلى مستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء لتضع حملها، وبعد ليلة من المخاض أنجبت مولودين غير مكتملي النمو وهنا بدأت المعاناة الحقيقية.

 حاضنة من صوف وخشب !

أشعرت الطبيبة التي قامت بتوليد ابتسام والد الأخيرة بضرورة نقل الطفلين إلى مصحة خاصة لوضعهما في حاضنتين اصطناعيتين ليكتمل نموهما، وعكس هذا يعني إمكانية وفاتهما.
نزل الخبر كالصاعقة على ابتسام وعائلتها، فهم جميعا لا يملكون من زاد الدنيا إلا القليل، وبالتالي لا يمكنهما نقل المولودين إلى أي مكان آخر غير المستشفى الجامعي.
استعطف الوالد ومعه الوالدة وجميع أفراد العائلة الطبيبة والممرضات لعل المولودين يستفيدان من مساعدة طبية، لكن الطبيبة عادت لتخبر الجميع أنه لا يمكن للمستشفى تقديم أية مساعدة لهذين الخديجين لعدم توفر المستشفى على حاضنات.
اضطرت ابتسام في آخر المطاف إلى حمل المولودين اللذين اختارت لهما من الأسماء محمد وأحمد إلى بيت أهلها وإيجاد وسيلة لإنقاذهما من موت محقق. وكانت الوسيلة توفير حاضنة تقليدية.
الحاضنة التقليدية لم تكن إلا صندوقين من خشب وضعت بداخلهما كمية مهمة من الصوف وذلك بهدف توفير التدفئة لمحمد وأحمد، هذا في الوقت الذي اضطرت لتخصيص غرفة لهما حتى توفر لهما المناعة الكافية، في حين كانت تغذيتهما حليب خاص بالأطفال الخدج.
حاولت ابتسام وعائلتها توفير جميع الظروف الملائمة حتى يكتمل محمد وأحمد نموهما لكن النتيجة كانت سلبية فقد توفيا بعد ثلاثة أيام من دخولهما إلى البيت.
تقول ابتسام والدموع في عينيها «بعد أن تم إخباري أن المستشفى لا يتوفر على حاضنات شاغرة، اضطررت ولضيق ذات اليد أن أتبع نصيحة والدتي وخالتي، وبالتالي توفير حاضنتين تقليديتين كما كانت تفعل جداتنا، وبدت بعض النساء تحكي لي قصصا عن ذلك الشاب الذي تزوج حديثا والذي ولد قبل موعد الولادة ووالدته وضعته في صندوق من الخشب وقامت بتدفئته من خلال استعمال الكثير من الصوف وهو الآن شاب يبلغ من العمر ثلاثين سنة، وتلك الفتاة المتزوجة والتي أنجبت أربعة أطفال هي الأخرى استكملت نموها في صندوق خشبي، فاعتقدت أن الخشب والصوف كفيلان بإنقاذ ابني من الموت، لكنهما بعد ثلاثة أيام توفيا، وهذا لأنني لا أتوفر على المال الكافي لنقلهما إلى مصحة خاصة».
ابتسام ليست الأولى التي عاشت هذه المعاناة ولن تكون الأخيرة في ظل الخصاص الحاد الذي تعرفه المستشفيات العمومية والمراكز الخاصة على مستوى الحاضنات الاصطناعية وارتفاع التكلفة بالمصحات الخاصة.
العديد من الأسر تواجه صعوبات ولوج مواليدها الجدد الخدج أو غير مكتملي النمو إلى حاضنات، بسبب عدم كفاية أعدادها في المراكز الاستشفائية الجامعية وغلاء كلفتها في القطاع الخاص.
فغياب أقسام خاصة بطب وإنعاش المواليد الجدد في جميع المصالح الطبية للمستشفيات الإقليمية والجهوية، يتسبب في ضغط  كبير على مصلحة إنعاش المواليد الجدد في المستشفى الجامعي ابن رشد بالدارالبيضاء، ونفس الشيء بالنسبة للمراكز الاستشفائية الأخرى ، وبالتالي عدم وجود حاضنات شاغرة، بسبب عدم توقف الطلبات عليها من قبل مستشفيات المدينة والنواحي.

حالات متعددة
أسماء بعد أن وضعت مولودتها في مستشفى سيدي عثمان بالدارالبيضاء، لم تجد حاضنة فقصدت بمعية زوجها والمولودة مستشفى ابن رشد، فكان الجواب صادما بحيث لا توجد حاضنات شاغرة.
وبعد أن عجزت عن الحصول على حاضنة لابنتها في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، استسلمت للأمر الواقع وذهبت إلى مصحة خاصة، ولكن الكلفة كانت تفوق المستحيل إذ قدرت المصحة التكلفة في أربعة آلاف درهم في اليوم الواحد، بينما كانت ستحتاج المولودة ثلاثة أشهر في الحاضنة. توجهت أسماء بالمولودة إلى بيتها حاملة خيبة الأمل على وجهها العابس وعانت الألم مع ابنتها الخديج ما يقارب سبعة أيام ثم توفيت.
وفاء اكتشفت بعد فحص عادي عند الطبيبة المشرفة على حالتها أنها ستلد مبكرا بسبب عيب في رحمها، وبالتالي ستلد في الشهر السابع، وهذا كان يعني أن يكمل المولود نموه بالحاضنة، ومستشفى ابن رشد لا يتوفر على حاضنات كافية، وبالتالي كان من الضروي نقله إلى مصحة خاصة.
تقول وفاء المصحة «حددت المبلغ في ثلاثة آلاف درهم لليوم الواحد، فبعنا الغالي والنفيس من أجل أن يعيش مولودنا الأول وبالرغم من ذلك، فالمبلغ المتوفر لدينا لم يف إلا خمسة عشر يوما مما يعني أنه من الواجب توفير مبلغ آخر بل مبالغ أخرى».
وتضيف وفاء مسترسلة «قدم زوجي للمصحة شيكا على بياض حتى توافق المصحة على بقائه بالحاضنة.. الآن ومع اقتراب موعد خروج ابني إلى الحياة إدارة المصحة تطالب زوجي بأداء ما عليه من مستحقات وليس لدينا المال الكافي مما يعني نجاة ابني من الموت ودخول زوجي إلى السجن».
اختصاصيون بمستشفى ابن رشد بالدارالبيضاء، أكدوا أن الأخير لا يتوفر على كفايته من الحاضنات الاصطناعية، فعدد الحاضنات حسب هؤلاء لا يكفي لاستقبال كل الحالات التي تأتي من الدارالبيضاء والمناطق المجاورة، حتى أجهزة التنفس الصناعي لا تتوفر بالمستشفي بالشكل الكافي والتي لا غنى عنها، هذا ناهيك عن نقص حاد في الأطر الطبية المدربين على تمريض حديثي الولادة.
نفس المصدر يؤكد أن هناك الكثير من الأطفال الخدج يموتون يوميا بسبب النقص الحاد الذي يعرفه المغرب على مستوى الحاضنات الاصطناعية، حتى على مستوى المصحات الخاصة المكلفة جدا.

تبريرات واهية
كشف وضع امرأة، لأربعة توائم خدج بالدارالبيضاء، وعدم إيجاد حاضنات شاغرة لهم الوضعية المتردية التي تعيشها المستشفيات العمومية والمراكز الاستشفائية بالمغرب، والتي تعرف خصاصا على هذا المستوى، الشيء الذي تطلب تدخل وزير الصحة و وبالتالي خضوعهم لمساعدة طبية داخل حاضنات بمصحات خاصة.
وإذا كانت نجاة التوائم الأربعة  ب «فضل» تدخل وزير الصحة، فقد أفادت الوزارة نفسها وفي بلاغ لها، أن مدينة القصر الكبير عرفت وفاة أربعة توائم خدج. لتعود وتبرر ذلك بسبب عدم استفادة الأم من متابعة طبية خلال الحمل وكذا المضاعفات المترتبة عن عملية الولادة وضعف وزن المواليد .
وذكرت الوزارة في نفس بلاغ أن المصالح الصحية بجهة طنجة تطوان سجلت حالة وفاة أربعة توائم خدج حديثي الولادة نتيجة حمل متعدد الأجنة لم يخضع لمتابعة طبية، لدى امرأة من القصر الكبير، موضحة أن المرأة أنجبت بالمنزل أربعة توائم بعد ستة أشهر وثلاثة أسابيع من الحمل، بوزن ضعيف جدا يتراوح بين 500 و650 غرام ويعانون جميعا من ضيق حاد في التنفس.
وقد تم إدخالها إلى مستشفى الولادة بمدينة القصر الكبير، بعد عملية ولادة جرت بشكل تقليدي بالمنزل، لطفل أول ذكر، تم إدخاله هو الآخر إلى المستشفى في حالة ضيق حاد في التنفس. وعقب دخولها إلى المستشفى، يقول المصدر، وضعت المرأة طفلا ثانيا، وهو ذكر، ثم طفلة لتنجب بعد ذلك طفلها الرابع.
الوزارة قالت أنه وبالنظر للوضع التنفسي الحرج والوزن الضعيف جدا للمواليد الجدد، فقد تم تأمين نقلهم، على وجه السرعة ، بواسطة سيارة الإسعاف نحو المستشفى الإقليمي بالعرائش، غير أنه وللأسف، فقد تم تسجيل وفاة اثنين من المواليد لدى الوصول إلى المستشفى، مبرزة أنه ولإنقاذ الرضيعين الآخرين، تقرر نقلهما تحت العناية نحو مصلحة طب المواليد بالمركز الاستشفائي الجهوي بتطوان. وعلى الرغم من العلاجات المتخصصة التي قدمها الفريق الطبي وشبه الطبي بمستشفى تطوان، فإن الرضيعين توفيا عقب دخولهما المستشفى، لكن الواقع يقول أن جميع هاته المستشفيات لا تتوفر على حاضنات مما ساهم في التعجيل بوفاة التوائم الأربعة ليستمر مسلسل وفيات الخدج في المغرب.

سميرة فرزاز
ت: محمد وراق

مشاركة