الرئيسية ثقافة وفن ذكريات أمازيغية في عمق الصحراء

ذكريات أمازيغية في عمق الصحراء

كتبه كتب في 20 يناير 2014 - 14:11

في الجنوب الشرقي لآسا هناك مساحة من وجع التاريخ الذي لا زال يقاوم ضربات الحاضر، بناءٌ من تراب يدل على شخصية خاصة بهذه المدينة الضاربة في الصحراء والموغلة في القدم، دُور عتيقة بشاكلة أمازيغية تتكرر في الكثير من البقاع المغربية. هنا حجر الأساس لآسا ومن هنا تشكلت نواة المدينة التي لا تحضر عادة في الإعلام، إلا بوصفها إحدى نقاط توتر سياسي بدأ منذ السبعينيات ولم ينتهِ لحد اللحظة.

قصر آسا، البُنيان العتيق الذي استحال في جزء منه إلى دور ضيافة تنعم بين الفينة والأخرى بنزر قليل من السياح الراغبين في اكتشاف الصحراء، وفي الجزء الآخر إلى مساكن لبعض المُصرّين على الاستمرار داخل إرث أجدادهم، بينما تحوّل جزء آخر إلى تراب وحجارة مكسورة متناثرة هنا وهناك..معلمة تاريخية تؤثت لقصص من التعايش بين الأمازيغ والحسانيين..ولكرمِ أسر كانت تفتح أبواب منزلها على الدوام أمام الأجنبي كي يستريح من عناء السفر بين كثبان الرمال.

أول منطقة سكنها الأمازيغ في المنطقة هي وادي درعة، وبسبب الظروف الطبيعية، انتقلوا إلى أدروم بنواحي آسا، ومباشرة انتقلوا إلى هذا الجبل حماية من الظروف الطبيعية ومن الغزوات أو ما يصطلح عليه “لْغزي”. الكلام هناك لعبد القادر أنزيط، أحد سكان القصر، الذي يضيف أن هذه المساحة عرفت تتابع عدد من الديانات، وأنها تشكل ذاكرة لتطور الأديان بالمغرب من الوثنية، اليهودية، المسيحية، ثم الإسلام.

في أوج زمن القصر، كان يحاط بسور قوي البنيان لحماية الساكنة من هجمات غازٍ ما، ستة أبراج للمراقبة، وثمانية أبواب للدخول والخروج عبر مراقبة شديدة، المجال الجغرافي انقسم إلى قبيلتين كبيرتين، إداونكيت، أول من سكن القصر، وقبيلة إداومليل. الأولى كانت تتوفر على ثلاث قبائل صغيرة والثانية على خمس. إحشاش، أيت باها، أيت إيكا.. هي جزء من أسماء هذه القبائل التي نجد لها أثراً يتكرر في مدن مِن جهة سوس ماسة.

بفضل الفرشة المائية، استقر الأمازيغ في هذه النقطة الكيلومترية ومارسوا الفلاحة حتى والسماء لا تروي أحيانا عطش أراضيهم..وبعد ذلك قدم الحسانيون إلى المدينة لمجاورة أشقائهم في السكن. يتحدث محمد بوزنكاظ عن أن الأمازيغ والحسانيون بالمدينة ينتمون إلى قبيلة أيتوسى، فبينما كان الصنف الأول ميالاً إلى الاستقرار، كان الصنف الثاني ميالاً إلى الترحال بحيث لم يقرر الاستقرار في المدينة إلا سنوات السبعيينيات.

عندما عانت المدينة من هجمات جبهة البوليساريو، كان القصر الأكثر تضرراً، يتذكر عبد الشكور، من ساكنة القصر، كيف كانت القوات الانفصالية تمارس نوعاً من الترهيب في حق الساكنة التي وجدت نفسها مجبرة على تدريب أبناءها للدفاع عن القصر. ذلك الهجوم كان من أسباب انخراط مجموعة من أبناء المدينة، أمازيغ أو حسانيين، في الجيش المغربي، بُغية الدفاع عن منطقة مغربية توجد بالقرب من “تندوف”.

ما يشد انتباهك في القصر، هو علامة صليب مرسومة في كل باب من الأبواب، وحجر مثقوب يستقبلك لمّا تطأ قدمك منزل من المنازل. أما في بعض النخلات القريبة التي يطل عليها القصر، وحسب ما أخبرنا به أحد الشباب، فأحياناً يتم وضع عظم كتف بهيمة طلباً للسقي. إنه جزء من عادات أهل القصر، التي ينسدل عبرها التاريخ متذكراً صيرورته الدينية ومحطاته الكبرى بالمنطقة.

أثناء تواجدنا بالقصر، كانت هناك احتفالية بطفل أكمل حفظ القرآن الكريم، موكب ضخم يردد الابتهالات الدينية، ورجال يحملون ما ينشرون به البخور في الأركان، ولا يمكن للقريب من الموكب، أن يهرب من شيخ يبلل له قميصه برشات من العطر. حِفظ القرآن الكريم من الأعراف التي دأب عليها أبناء القصر خاصة وأنهم في مدينة تُعرف على الدوام ببلدة ال366 صالحا، إضافة إلى أعراف دينية من قَبيل ليلة 23 رمضان، المعروفة ب” الله يا رحمان..الله يا رحيم” والتي يجتمع من خلالها الناس للدعاء والابتهال.

الخروج من الجهة العليا للقصر يؤدي بالزائر إلى “باب الريح” بوابة صغيرة يمكن من خلالها مشاهدة مدينة آسا بالكامل..حتى مع تطوّر البنيان وزحف الإسمنت إلى هذه المنطقة الصحراوية، إلا أن القصر بقي شامخاً، يطل من قربه الزائر على مدينة لم تنل حظها من التنمية ومِما عرفته مدن صحراوية أخرى كانت إلى الأمس البعيد مساحة خالية من كل آثار المدنية..حاولت الدولة ترميم بعض جوانب القصر وحمايته من غدر الزمن وضربات الاستمرار في الوجود..إلا أن العملية لم تمر كما ينبغي..وبقدر ما حمت منازل من السقوط ..بقدر ما تسببت في اختفاء معالم توثق لحكايات صحراوية غاية في النبل.

 إسماعيل عزام

مشاركة