الرئيسية مجتمع أرقام مخيفة : 47 من 100 طفل مغربي فقط يولدون داخل مؤسسة الزواج

أرقام مخيفة : 47 من 100 طفل مغربي فقط يولدون داخل مؤسسة الزواج

كتبه كتب في 10 ديسمبر 2013 - 00:27

سنويا يتم التخلي عن 8800 طفل 38 في المائة بطرق غير قانونية فاعلين جمعويين : أية حلول في ظل وضع اجتماعي لا يرحم ؟ في حي سيدي عثمان وسط العاصمة الاقتصادية، يعرفها الجميع بإسم زهرة. مختلة عقليا لكنها قادرة على أبسط صور التواصل. متشردة، تنام في أي مكان، من الكراجات إلى ملاعب الكرة، ومن باحات الحمامات إلى الأسواق. في كل سنة تقريبا، بين 2003 و 2008 كانت لا بد أن تحبل زهرة، من شريك أو شركاء ظلوا دائما قيد مجهول. في كل مرة كانت تحمل إلى مستشفى سيدي عثمان لتخليصها ساعة الولادة من الجنين، ثم ما تلبث تعود إلى نشاطها في التشرد أياما قليلة بعد الوضع. في كل مرة أيضا كان يجهل مصير الجنين الذي تحمله زهرة للحياة وسط ظروفها القاسية تفاعلا مع وضعها الاجتماعي والنفسي، تجرأ عدد من المحسنين على مساعدتها ون أن تعلم حتى … وقاموا بحملها لإحدى مستشفيات العاصمة الاقتصادية حيث أجروا لها عملية ‘‘ سد لكرون ‘‘ لكي لا تحمل من جديد… !

الحالة متعددة الاستنساخ في كل مدن وقرى المملكة، وشكل النساء والفتيات اللواتي يصبحن أمهات لسبب أو آخر، تتعدد وتختلف. في الكثير من الأحيان لا يتعلق الأمر بالمختلات عقليا، بل بفتيات المدارس والعاملات والمهاجرات …

أرقام مخيفة

أطفال متخلى عنهم بنصف هوية فقط. قضيّة ليست بالمسألة الجديدة، لكنّ الجديد في المسألة، وظاهرة تخترق كل دول العالم، مع ميزة للدول الفقيرة والتي لا تستجيب ترساناتها القانونية أو أعرافها الاجتماعية مع تنظيم النسل والولادة بشكل عقلاني. كل الدراسات المجراة حول الظاهرة، واهمها دراسة جمعية إنصاف التي استمرت منذ العام 2010،  تحيل على أرقام مخيفة بحجمها وتأثيراتها، لأنّ مستقبلاً غامضاً ومظلماً ينتظر هؤلاء الأطفال، الّذين لا يتحمّلون وزر ما قام به آباؤهم، ولا ذنب لهم سوى أنّهم ولدوا بأنصاف هويّة في وسط اجتماعيّ لا يعترف بهم . تزداد مأساة هؤلاء الأطفال، عندما يتخلّى أهلهم عنهم، هرباً من الفضيحة أو تحمّل المسؤوليّة أو لأيّ سبب أو لآخر، فيضيع نسبهم وحقّهم.

يتم يوميا التخلي عن 24 رضيعا٬ حسب الأرقام الرسمية في المغرب في مختلف المدن والقرى المملكة، وهو مع الأسف رقم مرشح للارتفاع٬ حسب دراسة أنجزت من قبل “مغرب الأمهات العازبات”٬ وذلك اعتمادا على بحث ميداني قامت به جمعية “إنصاف” سنة2011 والذي خلص إلى أن 153 طفلا يولد يوميا خارج مؤسسة الزواج. رقم رسمي، لأن بعض المصادر أوضحت للأحداث المغربية، أن عدد الأطفال المتخلى عنهم يوميا قد يرتفع إلى مابين 70 و 100 طفل !

عائشة الشنا، الناشطة حقوقية رئيسة جمعية التضامن النسوي وإحدى أهم المرجعيات المغربية في قضايا الأمهات العازبات والطفولة، كانت قد دقت ناقوس الخطر بخصوص وضعية الأمهات العازبات والأطفال المجهولي النسب بالمغرب، مشيرةً إلى أنه يولد يومياً 100 طفل خارج إطار الزواج في البلاد. وكشفت الشنا أن حوالي 500 ألف طفل مغربي وُلدوا خارج مؤسسة الزواج بين سنتي 2003 و2009، حسب ما جاء في دراسة عن هذا الموضوع. مضيفةً أن هؤلاء الأطفال وُلدوا من طرف 200 ألف أم عازبة، وأنه يولد يومياً 100 طفل خارج إطار الزواج، وأن 24 طفلاً يُتخلى عنهم في الشارع يومياً.

في دراسة موازية قامت بها جمعية ‘‘ بيبي ماروك‘‘ كانت الأرقام أكثر دلالة. إذ أن الظاهرة ترتفع في الأوساط القرية عن الحضرية، حيث أن نسبة الأمهات العازبات ترتفع إلى 75 في المائة في المدن، تنخفض لحدود 24 في المائة في القرى والبوادي. ثم إن نسبة الأمهات العازبات تقترب من 81 في المائة من مجموع الأمهات في وضعيات التخلي، بالإضافة إلى أن نسبة الذكور الرضع المتخلى عنهم يصل  إلى مابين 55 و 65 في المائة مقارنة مع الإناث الرضع في نفس الوضعية.
حسب إحصائيات المديرية العامة للأمن الوطني لسنة 2010، فقد تم العثور على 273 طفل ورضيع متخلى عنه في الشارع. وحسب نفس الإحصائيات تحتل الدارالبيضاء صدارة المدن التي يعثر فيها على هؤلاء الصغار في وضعية التخلي بنسبة 20 بالمائة، ثم مدينة بني ملال ب 16 في المائة، فمراكش ب13 في المائة، ثم مدينة مكناس ب11 في المائة.

تسول الصغار : الوجه الآخر للظاهرة

استنادا إلى البحث الوطني لسنة 2007، أن عدد المتسولين والمتسولات يقارب ال 195 ألف شخص، لكن نسبة 62 بالمائة يتعاطون لتسول احترافي، ويستغلون أطفالا وأشخاصا مسنين وأشخاصا المعاقين، من بينهم ما لا يقل عن 20 ألف طفل أو قاصر يستغلون في هذا النشاط عبر شبكات منظمة أو من تلقاء أنفسهم في الكثير من الأحيان .

زجر التسول الاحترافي هدف الاستراتيجية الوطنية لمحاربة التسول التي تم إطلاقها في عام 2006، في إطار رؤية لإدماج المبادرات الجهوية، وخاصة المتضمنة في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. في الشق القانوني، جرت أحاديث مطولة عن «التدابير المتخذة لمحاربة ظاهرة التسول على ضرورة سد الثغرات في الترسانة القانونية الخاصة بزجر التسول الاحترافي ». غير أنه وبعض كل هذه السنوات يتبين أنه مازال هناك الكثير من العمل، ويتبين أيضا أنه من الضروري مراجعة الإطار القانوني الذي يمنع التسول. لكن كيف الجمع بين مقاربتين واحدة تتوخى الرعاية والأخرى الزجر في حالة الأطفال المتخلى عنهم ؟ تتسائل مصادر جمعوية، تدعو في الوقت ذاته إلى تبني الدولة لاستراتيجية تتحمل فيها المسؤولية أولا في احتضان هؤلاء الصغار، قبل الخوض في التفاصيل القانونية لردعهم عن التسول .

تم إطلاق هذا البرنامج على مستوى الدار البيضاء والرباط وفاس وصفرو، بينما يوجد في طور الإطلاق بمجموعة من المدن الأخرى ، حيث أن هذه التجربة هي حاليا في مرحلة الإطلاق بمدن أكادير وقلعة السراغنة، فيما تم الشروع في اتخاذ الإجراءات الخاصة بإطلاقها بالنسبة لمدن العيون وطنجة وآسفي ووجدة ومراكش (تم توقيع اتفاقيات مع السلطات المحلية والجمعيات الشريكة)، وكذا بالنسبة لمكناس ( اتفاقية في طور التوقيع).

ثلاثة أسئلة إلى أسماء بنسليمان

الرئيسة المؤسسة لجمعية «بيبي ماروك»

«التربية على الثقافة الجنسية محور مهم في الحرب على الظاهرة»

* أرقام مخيفة عممت مؤخرا بعد دراسات ميدانية تعطي فكرة واضحة عن تفاقم ظاهرة أطفال الشوارع بالمغرب . ما الحلول التي تقترحونها للحد من الظاهرة من منطلق تجربتكم ؟

* يجب الاشتغال عموما على محاربة العوامل التي تؤدي مباشرة  لتفاقم الظاهرة وارتفاع أعداد الأطفال المحرومين من الحضن الأسري ( خادمات البيوت ، العنف ضد النساء ، أمية النساء … ). يجب أيضا العمل على تغيير العقليات لدى الأشخاص الراغبين في تبني البنات فقط أو الأبناء الذكور أو العمل على إخراج دراسة سوسيولوجية لفهم أعمق للظاهرة، مع حسيس متنامي للمغاربة بموضوع الأطفال المتخلى عنهم . يمكن أيضا الاشتغال على تشجيع  نظام التبني في العائلات المرجعية خصوصا في حالة الأطفال المحتضنين بصعوبة في نظام الكفالة، و المواكبة النفسية للأسر التب تتبنى الأطفال المتخلى عنهم من أجل تحفيز استعداداتهم كذلك على المستويين القانوني والإداري، واعتماد مبدأ المشاركة الاجتماعية في حل المشاكل وتوفير المداخيل ،  مع التركيز على الثقافة الجنسية لدى الفتيات والمراهقين كوقاية لظاهرة التخلي عن الأطفال حديثي الولادة والعمل على توحيد جهود الفاعلين المختلفين العاملين في مجال حماية الطفولة الصغرى و تطوير نظام الكفالة .

نرمي أيضا إلى التطبيق الفعلي لمعايير المتابعة والمراقبة المنصوص عليها في ظهير 2002  المتعلق بنظام الكفالة و محاربة السلوكات السلبية داخل المجتمع والرامية إلى نبذ الأطفال المتخلى عنهم و مساعدة ومواكبة الأمهات العازبات. ويبقى الهدف إطلاق يوم وطني خاص بالأطفال في وضعية صعبة يشكل مناسبة لفتح حوار وطني حول قضية الأطفال المتخلى عنهم والإطلاق المكثف لحملات تحسس بمخاطر الزواج المبكر مع حث المسؤولين على الاعتراف بمسؤولية الدولة في حماية الأطفال المتخلى عنهم، ثم

إنشاء مراكز جهوية للعائلة والطفولة من أجل وضع تصور عام للاستراتيجيات الوطنية في الموضوع ، ووضع آليات لإشراك المتدخلين في المجتمع المدني في حل ظاهرة التخلى عن الأطفال وتكوين الفاعلين في المجال وتشجيع افتتاح مراكز الاستماع.

* ناضلتم مطولا من أجل إحداث نظام للكفالة يتبنى الصغار المتخلى عنهم . ما هي آخر تصوراتكم في هذا الباب ؟

* هذه السنة، وبالاضافة للندوات العمومية الثلاث،  نخصص صبيحات يوم الأحد لتنشيط ثلاث ورشات موضوعاتية يحركها عدد من الخبراء القادمين من مجالات مختلفة للخروج بالاقتراحات الخاصة بالمشاكل التالية  :

– وضعية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والمتخلى عنهم .

– وضعية الأطفال المستفيدين من نظام الكفالة بالشارع  بعد تجاوزهم سن 18

– تتبع ومواكبة الأطفال المستفيدين من نظام الكفالة بالمغرب والخارج. وقد نظمنا لأول مرة الصالون الأول للطفولة الصغرى والكفالة خارج مدينة الدارالبيضاء

* تحسيس أكبر  داخل المجتمع المغربي بالظاهرة . هل يمكن أن يعطي حلولا في الموضوع ؟

* نعم هو واحد من الحلول ضمن حلول أخرى ممكنة لأن العائلة هي المكان الأنسب للطفل .

المجتمع المدني يطرح حلولا للظاهرة

حسب العديد من المختصين والفاعلين والمتدخلين، تبقى المقاربة التكفلية أو التضامنية قاصرة على اجتثات الظاهرة من واقع المجتمع المغربي، الذي يراكم يوما بعد آخر كل أسباب تفاقم هذا الوضع. الحلول المقترحة تمتد من الترسانة القانونية إلى تعزيز أداء مؤسسات الإيواء إلى اقتراح حلول عملية على غرار ما تم تبنيه في دول أخرى

تقنين الإجهاض

الفصل 464 من القانون الجنائي المغربي يشير إلى أن “الطفل المولود  خارج إطار الزواج يعد قانونياً (ابن زنا) ما دام لم يعترف به الأب”. هذا الواقع القانوني، يشجع القاصرين والشباب الذين يعيشون علاقاتهم الجنسية في حرية متزايدة بالمغرب على الإقدام على التخلي عن الصغار في حال الحمل والولادة. إشكال قانوني دفع النشطاء الحقوقيين  إلى فتح حوار مع وزارة العدل، للمطالبة بتعديل الفصل ليصبح بالإمكان إلحاق الطفل بأبيه في حال تم تبوث أن تحليل DNA الحمض النووي إيجابياً. للتذكير فقط، فحسب إحصائيات اليونسيف حول الأطفال والأمهات العازبات لسنة 2010، 46,11% فقط من الأطفال المغاربة يولدون داخل مؤسسة الزواج وأنه خلال الـ20 سنة المقبلة سيصل عدد المواليد خارج إطار الزواج إلى 50%. فلم لا  إعادة النظر في هذا القانون .

تأهيل دور الإيواء

الإمكانيات التي تستخدمها الجمعيات والمؤسسات الخاصة برعاية الأطفال تشكل ما بين 80 و 100 في المائة من مجموع الموارد التي تقدم لكل المتداخلين والفاعلين في مجال ‘‘ وضع التخلي ‘‘ في المغرب. السواد الأعظم من هذه المساعدات والموارد والخيرات يأتي من التضامن الرائع للمجتمع المدني وممثليه بمختلف توجهاتهم. وتستلزم هذه المجهودات الأخذ بعين الاعتبار أن تكلفة رضيع واحد، أو أم عازبة واحدة داخل هذه المؤسسات يتطلب ما بين 50 و 70 درهم يوميا. فإذا وضعنا في الحسبان أن المنحة المخصصة للتغذية للنزيل خلال اليوم لا تتعدى 11,50 درهم، يتأكد لنا بالملموس ضعف الوجبات الغذائية المقدمة للنزلاء وعدم كفايتها لسد حاجياتهم الغذائية لا سيما في سن يتميز بوتيرة متسارعة للنمو، يحتاج فيه الجسم الإنساني لأكبر نسبة من الطاقة الحرارية.

الكفالة الأجنبية

أصرت الدوريات الأخيرة لوزارة العدل على منع «الكفالة الأجنبية» خوفا من تغيير الهوية الوطنية والدينية، وهو ما ترد عليه الجمعيات المناهضة لهذا المنع بالقول بأنها مع  الحفاظ على هوية الصغار المغاربة وعدم تشجيع أو تسهيل عملية تجنيسهم أو تلقينهم تربية دينية مغايرة كما توضح دورية وزير العدل مصطفى الرميد الصادرة بتاريخ 19 شتنبر الماضي. غير أن الواقع يفترض رؤية واقعية أيضا للمشكل. أولا يجب أن نعلم أن طلبات الكفالة المقدمة من طرف العائلات المغربية قليلة جدا مقارنة مع الأعداد المتزايدة للأطفال المتخل عنهم. ثم ماذا سيكون الحال عليه بالنسبة للعشرات من الصغار المغاربة الذين تتكفل بهم اليوم أسر أجنبية أو مختلطة ؟ ثالثا ماذا سنعمل مع المئات من الأطفال الذين ينتظرون أسر كفيلة في وقت لا تسمح الطاقة الاستيعابية لدور الأيتام باحتضانهم إذ أنه سنويا يتم التخلي عن 6000 طفل ؟

الحل الألماني

تتبنى الفيدراليات الألمانية المختلفة مقاربة عملية وواقعية جدا لظاهرة الأطفال المتخلى عنهم، بعد نجاحها في مقاطعة الفيست فالن وسط البلاد منذ بدء تطبيقها في الأول من مارس من العام  2002 . الحل الألماني يرتكز على إنشاء نقط استقبال «شعبية» للأطفال المتخلى عنهم، يوضع فيها المواليد الصغار بكل حرية من طرف الوالدين أو أحدهما، على أساس أن يتم التقاطه من طرف وحدات المساعدة الاجتماعية التي تحمله إلى مراكز خاصة، تتلقى يوميا عشرات الطلبات بالتبني. الحل ساهم في تخفيف العبء الاجتماعي الألماني المتمثل في تدني خصوبة النساء الألمانيات . غير أنه يبقى على الدول أو الجهات التي قد تتبنى هذا النظام فيما بعد، العمل على تخفيف رزنامتها القانونية أو تليينها على الأقل، للسماح للأمهات العازبات بوضع أبنائهن في هذه النقط بكل حرية ودون مسائلة قانونية. على أن يبقى العمل الأكبر مرتبطا بتغيير العقليات، حتى لا تسقط هؤلاء الأمهات ضحية الوصم الاجتماعي .

الأحداث المغربية

مشاركة