الرئيسية اراء ومواقف المجتمع المدني المزيف

المجتمع المدني المزيف

كتبه كتب في 2 ديسمبر 2013 - 18:38

تقتضي الممارسة الديموقراطية كما هي متعارف عليها وجود مجتمع مدني قوي و مؤثر يلعب دور التأطير و الضغط من اجل المحافظة على المسار الديموقراطي و النهج التشاركي  عبر تأهيل وتثقيف وتوعية المجتمع من جهة، والتأثير في السياسات الحكومية وبذلك فان هذه الأنشطة تكون واسطة فاعلة، بين الفرد والحكومة، التي عادة ما تكون منشغلة بالاهتمامات والشؤون الاستراتيجية، عن تفاصيل ودقائق حياة المجتمع ومتطلباته، فعبر هذه المكونات ينشط المجتمع المدني، ليكون مكملا للنظام العام، في إطار النهج الديمقراطي، من خلال النقاش الحر ونشر الأفكار والرؤى، واقامة المؤتمرات والندوات العامة، وطرح مشروعات التعاون الفكري في ممارسة الخلاف والتوافق وتقريب وجهات النظر، لتمكين الحكومة من اتخاذ القرارات الملائمة لجهة مصلحة الفرد والمجتمع.

تعتبر مؤسسات المجتمع المدني الإطار الأمثل لتنشئة المواطنين علي القيم الديمقراطية في حياتهم اليومية وتدريبهم عمليًا علي الممارسة الديمقراطية وإكسابهم خبرة هذه الممارسة من خلال النشاط اليومي لهذه المؤسسات خاصة وأن هذه المؤسسات تضم في عضويتها الاف المواطنين الذين اجتذبتهم إلي عضويتها لما تقوم به من دور في الدفاع عن مصالحهم، أو تقديم خدمات لهم، أو تحسين أحوالهم المعيشية. و تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورها في التنشئة والتدريب علي العملية الديمقراطية من خلال العلاقات الداخلية لكل مؤسسة، وما تتضمنه هذه العملية من مشاركة في النشاط والتعبير عن الرأي، والاستماع إلي الرأي الآخر، وهي   أمور ضرورية لأي ممارسة ديمقراطية. وكلما أصبحت مؤسسات المجتمع المدني أكثر ديمقراطية في حياتها الداخلية  فإنها تكون أقدر علي المساهمة في التطور الديمقراطي للمجتمع كله، وأكثر قدرة علي إكساب أعضائها الثقافة الديمقراطية، وتدريبهم عمليا من خلال النشاط اليومي علي خبرة الممارسة الديمقراطية.

النسيج الاجتماعي المتنوع من الأفراد والمصالح، يستوجب من المنظومة السياسية الدستورية، أن تضمن سماع أصواتهم وتحترم آرائهم. لكن الملاحظ في حالتنا المغربية انها تشكل استتناء فعلا فنحن لم نقطع بعد مع مرحلة طبخ المبادرات الجمعوية على المقاس و مازالت جوقة التطبيل و التهليل تمارس مهامها داخل ما يسمى  بالمجتمع المدني عندنا لكل ما تجود به قريحة السلطات من إجراءات و تدابير للشأن العام

على سبيل المثال حين نسمع ان 1000 جمعية اجتمعت في مناظرة و ناقشت محاور من قبيل  “قيم الديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون”، و”تفعيل الإجراءات الدستورية المرتبطة بالمجتمع المدني وأدواره الدستورية”، و”قانون الجمعيات وضرورة الملاءمة مع الدستور، والمواثيق والعهود الدولية والقانون الدولي”، و”الإجراءات والتدابير المالية والضريبية المتعلقة بالجمعيات”، و”البنيات التحتية وحق الجمعيات من أجل أن تضطلع بأدوارها بفعالية ونجاعة ” يتبادر الى الاذهان ان هناك بالفعل حركية في المجتمع المدني لكن بالعودة إلى بناء و تشكيلة المؤتمرين يتضح غياب امتلاك الادوات المعرفية الازمة و الاستقلالية و الوضوح في الاهداف و الاليات اسوق مثلا اخر الندوة الشهيرة التي اريد بها خلق نقاش حول التدريس بالدارجة لغرض في نفس يعقوب (تحوير النقاش حول ترسيم حقيقي للغة الامازيغية) و بدعم من دوائر عليا في سلطة القرار

هناك أسباب معروفة، لا أحد يتحرك من اجل معالجتها، تقف وراء التردّي الواضح لدور منظمات المجتمع المدني  وأولهم السلطة، أي أن السلطة هي المعوّق الرئيس لتطور ونجاح منظمات المجتمع المدني، فضلا عن الأسباب الأخرى، ومن بينها مرجعيات هذه المنظمات الاجتماعية والثقافية والسياسية وسواها. حيث  ان اغلبيتها منبثقة من مجتمع لم يصل بعد الى درجة الوعي التي تؤهله لحماية حرياته وحقوقه، وهو مجتمع يحابي القوة في الغالب، أعني بها قوة السلطة

بطبيعة الحال لا غرابة في ضعف المجتمع المدني المغربي ، لأنه منبثق من حاضنة تحمل مواصفات الضعف نفسها، لكن الغرابة تكمن في محاولات جهات سياسية حزبية منها من يشترك في ادارة شؤون الدولة و منها من يمارس المعارضة  بتزييف وتعويق عمل منظمات المجتمع المدني، عندما تفرض عليها مهام المساندة المسبقة مقابل التمويل وما شابه.

فضلا عن الفساد الذي يشوب أنشطة ووجود هذه الجمعيات و غياب الديموقراطية الداخلية ، الامر الذي أضعف دورها الرقابي التصحيحي لمسارات الانحراف في العمل الحكومي، أما في الدول الديموقراطية ، فغالبا ما يكون هناك صراع بين منظمات المجتمع  المدني من جهة وبين الحكومة من جهة ثانية، وهو صراع الند للند، إذ تغيب سيطرة الحكومة كليا على المنظمات المدنية في الدول المتطورة، بل من أساسيات نجاح الحكومات، أنها تُسهم بقوة في تطوير عمل المجتمع المدني ، من خلال عدم التدخل في أنشطتها بصورة تامة، مع أنها ملزمة بدعم هذه الجمعيات  ماديا، ومع طابع الصراع الذي يقوم بين الطرفين، إلا أن الحكومة والسلطة لا تستطيع التدخل اطلاقا في عمل المنظمات المدنية.

قد يتساءل البعض، لماذا لا يرتقي المجتمع المدني المغربي الى هذا المستوى من الرقابة والدور التصحيحي ؟، ولماذا لا تعي السلطة نفسها، أن حماية وتطوير الدور الرقابي لمنظمات المجتمع المدني، يساعد على بناء الدولة الدستورية، ويمنح الحكومة  فرصا اكثر للنجاح في ادارة شؤون المجتمع؟

من الواضح أننا نفتقد لميزة الاستقلالية و القوة الاقتراحية بين المنظمات المدنية وبين أجهزة السلطة، لذا نلاحظ في الغالب ضعفا كبيرا في دور هذه المنظمات، تساعد عليه الحكومة بدلا من أن تحد منه، ظنا من أشخاص نافذين والموظفون الكبار العاملون في الاجهزة الحساسة وغيرهم، بأن امتيازاتهم ومنافعهم يمكن ان تتعرض للخطر والتقويض في حالة وجود قوة رقابية حقيقة لمنظمات المجتمع المدني.

ولكن منطق العقل السياسي يقول إن دعم المجتمع المدني وحماية استقلاليته في العمل والتنظيم والرقابة، يُسهم في بلورة وتأسيس مسارات تصب في بناء الدولة المدنية التي تنفع وتحمي وتطور المجتمع بكامل طبقاته، بما فيها الطبقة السياسية الحاكمة، فضلا عن ميزة النجاح الكبيرة التي تفوز بها الحكومة في حالة دعمها للمنظمات المدنية من دون أن تطالبها بالمقابل، أو تستعملها لصالحها، لذا مطلوب دعم منظمات المجتمع المدني، وتنشيط دورها الرقابي على الحكومة والسلطة، والمساهمة الجادة في تحويل دورها من الحياد، او الاصطفاف الحكومي، الى دور الرقيب المصحح والكاشف لموطئ الانحراف والزلل الحكومي

مشاركة