الرئيسية مجتمع التحرش الجنسي..معاناة وطرائف وقانون ينتظر الخروج إلى النور

التحرش الجنسي..معاناة وطرائف وقانون ينتظر الخروج إلى النور

كتبه كتب في 16 نوفمبر 2013 - 15:29

نساء وفتيات وضعتهن ظروف الحياة في مواجهة دائمة مع الجنس الخشن سواء في الشارع أو في أماكن العمل، بل وحتى داخل المؤسسات التعليمية، حيث يتجرعن مرارة المعاناة من التحرش الجنسي على يد  أشخاص يعتبرون أجسادهن موضوعا للعبث والمتعة.

غير أن العديد من النساء ضحايا التحرش الجنسي يستبشرن  اليوم خيرا بمشروع القانون الذي أعدته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بتعاون مع وزارة العدل والحريات، لكونه يجرم مختلف أشكال التحرش الجنسي، ويأملن أن تكون العقوبات التي تنتظر مرتكبي هذا الفعل رادعة لهؤلاء وحماية للنساء مستقبلا من هاته الممارسات التي تحتقر أنوثتهن وتهدد كرامتهن.

صعقت من هول الصدمة، ووقاحة الشخص الواقف بجانبها، ولم تتمكن من تمالك أعصابها، قبل أن تستدير نحوه موجهة إليه صفعة قوية، جعلت الجميع ينظرون إليهما وعلامات الاستغراب والتعجب تعلو الوجوه، غير قادرين على فهم ما يجري من حولهم، قبل أن تتعالى الأصوات ويعرف السبب الذي سيبطل العجب.

صفعته على وجهه

كانت سهام تمتطي الحافلة ككل يوم بشكل عادي، لأنها الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تقربها من مكان عملها، بالرغم من الازدحام والاكتظاظ الكبير الذي تعرفه الحافلة كل صباح، والذي تعودت عليه بحكم التسابق عليها من قبل الموظفين كل صباح.

الازدحام لم يكن يخلق لسهام أي مشكل مع الركاب الذين يحترمون النساء، ويحاولون الوقوف بكل أدب واحترام، دون أن يقوموا بحركات  مستغلين الوضع، لإرضاء رغباتهم الجنسية، التي لا يستطيعون إرضاءها بطريقة طبيعية.

ذلك الصباح وجدت سهام ذات السابعة والعشرين سنة نفسها على موعد مع أحد المتحرشين الذي حاول استغلال الازدحام، للقيام بمحاولة الاستمتاع بالحسيس على جسدها خلسة،  ظنا منه أنها لن تكتشف الأمر ، أو أنها ستواجه تحرشه بالصمت.

ظنت سهام للوهلة الأولى أن الأمر مجرد سوء فهم وأن الازدحام الكبير هو السبب في هذا الإحساس، وحاولت الابتعاد بجسدها عن الشاب الذي كان يلتصق بجسدها، إلا أنها اكتشفت أن جسده يملأ الفراغات التي تتركها هي، ويده تتبع جسدها، ففهمت أن الشاب يتحرش بها، ويحاول سرقة لحظات من المتعة في غفلة من الجميع.

لم تشعر سهام إلا ويدها تمتد لتصفح الشاب الذي تسمر وراءها، دون أن ينبس ببنت شفة، وسط اندهاش  كبير من باقي الركاب، قبل أن تبدأ في شتمه والصراخ في وجهه استنكارا لفعلته، ليتطور الخصام بينهما ويصل حد التشابك بالأيدي.

سهام معروفة بكونها لا تتساهل مع من يظلمها، أو يقوم معها بتصرفات لا ترضى عنها، لذلك فكل من يعرفها يتحاشى أن يدخل معها في أي صراع من أي نوع، إلا أن حظ الشاب العاثر هو الذي أوقعه بين يديها، حيث لم تكتف بصفعه، بل بدأت تضربه بحقيبة يدها، ولم ينجو منها إلا بعد جهد جهيد وبتدخل الركاب.

رغم انتقام سهام من المتحرش بها، إلا أن هذا الأمر لم يهدئ من روعها، ولم يشف غليلها، وبدأت تشتم في الركاب الذين خلصوه من بين يديها متهمة إياهم بتشجيع هذه التصرفات غير الأخلاقية بدل رفضها، ومساعدة الفتاة على متابعة المتحرش بها قضائيا.

معاكسات وتحرش يومي

أمل شابة في الثامنة والعشرين سنة من عمرها، جميلة وممشوقة القوام، أناقتها الدائمة تجعلها عرضة للتحرش الجنسي بشكل يومي، لدرجة أنها أصبحت تشك في كون طريقة لباسها السبب في تعرضها للتحرش.

عندما تهم أمل بمغادرة البيت تلقي نظرة على ملابسها لتتأكد من أنها غير مثيرة للغرائز، لتجنب المعاكسات في الشوارع، إلا أنها بالرغم من ذلك لا يمكن أن يمر عليها يوم من دون تحرش في أمكان مختلفة.

عانت أمل كثيرا من المعاكسات اليومية في الشارع العام، وحتى في الأماكن التي ترتادها كالمقاهي وقاعة السينما، حيث أصبحت تشعر بعد المعاكسات في أن هذه الأماكن مشبوهة، ولا يمكن للفتاة أن تقصد مقهى من أجل الجلوس مع نفسها والاستمتاع بوحدتها.

تتذكر أمل بكثير من الغضب يوما قصدت فيه شاطئ المحمدية من أجل الاستمتاع بمنظر البحر في المساء بعد يوم عمل شاق، وممارسة المشي على رماله.

بعد ساعة من المشي، شعرت أمل بالتعب يتسلل إلى جسدها، فقررت الجلوس في إحدى المقاهي المتراصة على جنبات الشاطئ من أجل الاستمتاع بمنظر البحر.

لم تكد تمر بضع دقائق على جلوسها، حتى اتجهت أنظار مجموعة من الشباب نحوها، كل واحد منهم، يحاول إثارة انتباهها، بابتسامة أو بتوجيه بعض الكلام لها عبر حوارات مفتعلة فيما بينهم.

شعرت أمل أنها محاصرة بعيون الشباب الذين كانوا يجلسون بالمقهى، وأنها غير قادرة على متابعة مشهد الغروب والاستمتاع به، لذلك تناولت مشروبها بسرعة، وهرولت مغادرة المكان.

لم يكن بيد أمل من حل سوى مغادرة المكان لأنها كانت من أن يتطور الأمر إلى ما يحمد عقباه، خاصة أن الشباب غادروا المكان وتعقبوها، لولا أنها أوقفت سيارة أجرة، للتخلص منهم وحتى تضمن العودة إلى المنزل في أحسن الظروف، وأكثرها أمانا، ومن ذلك اليوم قررت أن لا تذهب إلى مثل هذه الأماكن بمفردها.

أمل تستبشر خيرا بالقانون الجديد الذي ينتظر المصادقة عليه، وتتمنى أن يردع المتحرشين، ويكون أداة فعالة للقضاء على هذه الظاهرة ولو جزئيا، ولا تنحصر نظرة الرجل للمرأة في جسدها وملابسها، بالرغم من اعتقادها بصعوبة تنفيذ القانون على أرض الواقع لغياب الكثير من الآليات لتفعيله.

تقديم شكاية

إلهام شابة في أواخر العشرينات من العمر، تجمع بين الحيوية والنشاط، جذابة وأنيقة، تقبل على الحياة بكل ما فيها من معنى، خاصة أنها تفكر بطريقة منفتحة، ولا تعير انتباها لملاحظات محيطها الاجتماعي على طريقة لباسها، رغم ما تتعرض له من مضايقات في الشارع.

دوما تتحسر إلهام على كونها تنتمي لمجتمع، لا يرى فيه الرجال في النساء سوى أجسادهن، ولا تثيرهم إلا طريقة ملابسهن، وشكلهن الخارجي، بينما في مجتمعات أخرى أكثر حداثة يتعامل الرجل مع المرأة لشخصها وليس لجسدها.

لا تعرف إلهام كيف تتعامل مع المتحرشين، الذين كانوا يضايقونها، لأنها إذا ردت عليهم لا ينتج عن ذلك إلا مزيد من الصدامات والشجارات معهم، وإذا صمتت على تحرشهم تكون النتيجة تماديهم في مضايقتها، واعتراض سبيلها.

كانت إلهام تفكر كثيرا في تقديم شكاية تحرش في حق المتحرشين بها، إلا أنها كانت تتراجع عن الأمر في آخر لحظة، لعدم تمكنها من إثبات التحرش ولإيمانها بأن قضيتها ستكون خاسرة في غياب قانون ضد الظاهرة.

تأمل إلهام خيرا مع خروج قانون التحرش الجديد، وتتمنى أن يكون قادرا على محاربة التحرش بالنساء، لأنه لا يمكن الحكم على كل امرأة من طريقة لباسها، بكونها محترمة أو عاملة جنس، تخرج إلى الشارع من أجل الإيقاع بضحاياها.

«غيطبقو هاد القانون فالطوبيسات؟»

حكمت ظروف الفقر والحرمان على زينب بالاشتغال كجابية تذاكر بإحدى حافلات النقل العمومي، ما جعلها في مواجهة يومية مع كل أصناف الرجال بدءا بالموظفين والطلاب وانتهاء باللصوص والمتسكعين والمنحرفين، وبالتالي عرضة لمختلف أشكال التحرش الجنسي.

«ما كينش النهار اللي كيدوز بلا مشاكل»، تقول الشابة العازبة ذات الثانية والثلاثين عاما، وتتذكر بتأثر شديد حوادث التحرش الكثيرة  التي كانت ضحية لها على يد ركاب اعتادوا استغلال ازدحام الحافلة وممارسة هوايتهم المفضلة من خلال الالتصاق بأجساد النساء.

تتعرض زينب بشكل شبه يومي لمضايقات من نوع آخر تتمثل في محاولة بعض الرجال استغلال ظروفها المادية الصعبة لإقناعها بإقامة علاقات معها، وهو الأمر الذي ينتهي دوما بالسب والشتم في حال رفضت الاستجابة لرغباتهم، إلى جانب مختلف أشكال الاستفزاز التي تتم على مرأى ومسمع من الناس من خلال الألفاظ والعبارات النابية التي يتلفظ بعض ممن يتعنتون في دفع ثمن التذكرة.

سمعت زينب بالصدفة على لسان إحدى الراكبات عن قرب صدور قانون ضد التحرش، وهو الأمر الذي أشعرها بنوع من الارتياح، حتى وإن كانت تجهل بأحكامه وبكيفية تطبيقه، فقد فرضت ظروف عملها المحفوفة بالمخاطر عليها في غياب قانون من هذا النوع أن تتفادى التنقل داخل الحافلة لتسليم الركاب تذاكرهم، حيث فضلت أن تشغل أحد المقاعد وتمارس عملها دون أن تبارح مكانها. غير أن ذلك لم يضمن للشابة الإفلات من قبضة المتحرشين، الذين كانوا يضايقونها بإشارات جنسية.

«غيطبقو هاد القانون حتى فالطوبيسات؟»، تتساءل الشابة بفضول حول الأماكن التي سيصير مرتكبو فعل التحرش الجنسية عرضة للمساءلة القانونية، فهي لا تخفي قلقها من أن يقتصر تطبيق هذا القانون على أماكن دون أخرى وحالات معينة.

تحرش في قلب المؤسسات التعليمية

بالرغم من أن الأمر لم يتعد في حالة دنيا حدود التحرش اللفظي، إلا أن التلميذة التي تتابع دراستها بإحدى الثانويات بسيدي البرنوصي وجدت نفسها مضطرة لتغيير نمط لباسها، حتى لا تظل عرضة للتحرش من طرف تلاميذ الثانوية.

«يكفي أن أرتدي ملابس أنيقة لأتعرض للتحرش»، تقول التلميذة متحدثة بنبرة لا تخلو من حزن واستنكار عن المواقف المحرجة والمهينة التي تواجهها باستمرار، لمجرد أنها تحاول أن تظهر بأفضل حلة من خلال مواكبة الموضة وتغيير تسريحات شعرها، حيث تجد نفسها عاجزة عن التنقل بحرية في أرجاء الثانوية دون أن تسمع عبارات مستفزة وخادشة للحياء، يتم من خلالها التغزل بتفاصيل جسدها، ما يضعها في موقف محرج أمام باقي زملائها.

بالرغم من مشاعر الغضب التي تسيطر عليها تجاه ما تتعرض له من طرف المتحرشين، إلا أن الخجل الذي يطغى على شخصية دنيا يمنعها من توجيه الشتائم للتلاميذ الذين يتحرشون بها جنسيا، حيث تكتفي بالتظاهر بتجاهل تلك العبارات.

تؤكد دنيا ذات السابعة عشر ربيعا، أن التحرش الجنسي يحدث بشكل يومي في قلب المؤسسة التعليمية التي تدرس بها، فالعديد من التلاميذ يستهدفون زميلاتهم، سواء تعلق الأمر باللواتي يرتدين ملابس جريئة أو المحجبات، بل ويتمادون في تصرفاتهم إذا أبدا الفتيات انزعاجهن من أشكال التحرش تلك.

يستغل أيضا العديد من الفتيان حسب دنيا ازدحام بوابة الثانوية من أجل تحسس أجساد التلميذات، ما جعلها تفضل دوما أن تكون من آخر الأشخاص الذين يخرجون من بوابة الثانوية حتى لا تتعرض لهذا النوع من التحرش.

«يجب معاقبة التلاميذ المتحرشين قانونيا، فإدارة المدرسة تعجز عن توفير الحماية للتلميذات»، تقول دنيا، مؤكدة أن العديد من زميلاتها اللواتي تعرضن للتحرش داخل الثانوية استنجدن بالإدارة، لكن الأخيرة لم تتخذ أية إجراءات ضد المتحرشين، بل وجدت العديد من ضحايا التحرش أنفسهن في مواجهة تهمة الإغراء ومطالبات بتغيير نمط لباسهن باعتباره محرضا على التحرش!

حبر على ورق

لم تعد أسلحة التحرش الجنسي موجهة نحو المراهقات والشابات فقط، بل صارت تستهدف المسنات أيضا. هاته الفئة من النساء التي لطالما كانت تتنقل في الشوارع بكل حرية وأمان، أصبحت تعاني بدورها اليوم من مختلف أشكال التحرش الجنسي على يد أشخاص قرروا استغلال ضعفهن لإرضاء رغباتهم الجنسية المكبوتة.

أمينة واحدة من المسنات اللواتي تعرضن غير ما مرة للتحرش الجنسي في العديد من الأماكن العامة. تحرش تجاوز حدود الألفاظ الخادشة للحياء ليصل إلى اللمس، حيث امتدت أيادي العديد من المتحرشين على مناطق حساسة من جسدها.

بالرغم من أنها تجاوزت عتبة الستين من العمر، مازالت أمينة التي كانت تشتغل في قطاع التعليم تحرص على الاهتمام بمظهرها، وهو الأمر الذي جر عليها سيلا من المشاكل، لأن العديد من الرجال صاروا يرون فيها نموذجا للمرأة المتصابية التي تحاول لفت الانتباه، لتصير بالتالي فريسة للتحرش الجنسي.

«تجريم التحرش الجنسي هو الحل الوحيد الذي من شأنه حماية النساء وردع المتحرشين» تؤكد أمينة، فهي كانت شاهدة على حوادث تحرش عديدة حاولت خلالها المسنات منهن والشابات الاستنجاد بالمارة، لعل أحدهم  يتولى مهمة تأديب المتحرش، لكنهن اصطدمن بتجاهل من استغثن بهم، بل ووقوفهم في صف المتحرش متهمين إياهن بالإغراء ومحاولة لفت الانتباه. لذلك فهي تعتبر أن خروج قانون ضد التحرش الجنسي إلى حيز الوجود من شأنه أن يحمي النساء من كل أشكال التحرش الجنسي، وينصفهن في حال تعرضن لهذا النوع من الممارسات.

«أتمنى ألا يظل هذا القانون مجرد حبر على ورق»، تقول أمينة، التي لا تخفي قلقها من أن يتعذر تطبيق ذلك القانون على أرض الواقع، ويجهض نتيجة ذلك حلم المغربيات في التمتع بهامش أكبر من الحرية والإحساس بالأمان في الفضاءات العمومية.

مجيدة أبوالخيرات/ شادية وغزو

مشاركة